ميقاتي لمعاودة الالتزام بـ «بالنأي بالنفس»... و«حزب الله» التزم الصمت
مفاجأة لقاء جدّة: ماكرون «أُعيد إلى جادة» القرارات الدولية حول لبنان
- جنبلاط: علينا ألّا ننسى قوى الظلام ودورها التقليدي بقتْل كل شيء
انطلق في لبنان أسبوع تَرَصُّدٍ كبير للترجمات الممكنة لـ «كسْر القطيعة» بين بيروت والرياض الذي شكّله «الاتصال الخاطف» الذي جرى بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ «رعاية» الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي فَتَحَ أزمة «بلاد الأرز» مع دول الخليج العربي على محاولاتِ معالجةٍ لـ «جذورها» وفق مبادرةٍ تستند إلى «خريطة طريق» مدجَّجة بأُطرٍ ناظمةٍ سياسية وإصلاحية ذات امتدادات محلية ودولية.
وفي قراءة لأوساط واسعة الاطلاع في بيروت أن ما بدا في الشكل إحاطة فرنسية - سعودية مستعادة بالواقع اللبناني، لا يؤشّر إلى تَبدُّل في ثوابت موقف المملكة من الوضع في «بلاد الأرز» الذي لم تنفكّ تقاربه من زاوية الحدّ من تمكين «حزب الله» في القرار من ضمن «إصلاح سياسي» يصوّب التموْضع الإقليمي للبنان في المقلب الذي يشكّل منطلقاً لأعمال عدوانية ضمن المملكة وأمنها واستقرار شعبها سواء بدعم الحوثيين أو تهريب المخدرات.
ولم يتطلّب الأمر عناءً وفق هذه الأوساط لاستخلاص أن ماكرون الذي لطالما سعى لـ «إعادة» انخراط السعودية في الدعم المالي للبنان وحكومته التي وُلدت بـ «حياكةٍ» إيرانية - فرنسية رَفَعَ الغرب بإزائها «ضوءاً برتقالياً»، «أعادته» الرياض إلى «جادة» القرارات الدولية التي تحكم نقاط الخلاف الجوهرية بين اللبنانيين ومع الخارج خصوصاً دول الخليج.
ولاحظت الأوساط أن ماكرون، الذي يطلّ على الوضع اللبناني بقوّة منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 اغسطس 2020، كان «أسقط عمداً» القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في سياق بناء مبادرته التي رمت في حينه إلى ملاقاة انتفاضة 17 أكتوبر 2019 بحكومة اختصاصيين مستقلين تتولى تنفيذ الإصلاحات التقنية كشرط للحصول على دعم دولي، مع «تحييد» مشكلة سلاح «حزب الله» ووضعيته خارج الدولة بوصْفها «لبنانية» بحتة، قبل أن «تتحوّر» مبادرته على مرّ الشهور عبر تَراجُعات متتالية للرئيس الفرنسي أفضت إلى حكومة الرئيس ميقاتي الحالية (تألفت في 10 سبتمبر الماضي) التي جاءت نتاج محاصصة سياسية – حزبية و«انفجرت» فيها الأزمة الأخطر مع دول الخليج بـ «صاعق» تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي.
وبحسب الأوساط نفسها، فإن المفاجئ في المحادثات الفرنسية - السعودية في جدة لم يكن «الاتصال الثلاثي» والسريع الذي جَمَع ماكرون وبن سلمان وميقاتي، بل «مثلث» القرارات الدولية التي أكد عليها البيان الختامي المشترك حول المحادثات بتشديده على «أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة».
ولم تقلّ دلالة الإشارة إلى «ضرورة حصر السلاح بمؤسّسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات» و«ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لاسيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود».
وعَكَسَ هذا البيان بوضوحٍ، وفق الأوساط عيْنها أن السعودية مازالت على مقاربتها تجاه لبنان القائمة على ربْط مدّ يد الدعم المالي بإصلاحات مزدوجة: تقنية قطاعية وذات صلة بالفساد وتلتقي الرياض مع المجتمع الدولي في كونها مدخلاً لأي مساعدة على متن اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأخرى ذات طابع سياديّ حدّد الإطار الموجب لمعالجتها مجلس الأمن الدولي منذ 2004 عبر القرارات 1559 (كان الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك أبرز عرّابيه) و1680 و1701 وكلها تلتقي عند موضوع سلاح «حزب الله» وعند تحديد الحدود مع سورية ووقف نقل الأسلحة عبرها، وهي القرارات التي يبقى تطبيقها بمسؤوليةٍ مشتركة لبنانية ودولية المفتاح لأي احتضانٍ سعودي متجدّد لـ «بلاد الأرز» من شأنه اختصار طريق الإنقاذ الشائك.
أما الدعم الإنساني، الذي أطلّ عليه البيان المشترك من خلال تأكيد الاتفاق على «إنشاء آلية سعودية - فرنسية للمساعدة الانسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني»، فهو عنوانٌ سبق أن عملت عليه مع الرياض كل من باريس وواشنطن في حِراك منسّق، وهذا لا يُسْقِط استمرار الفصل بين «الدعم الإغاثي» والسياسي الوازن.
ومن هنا تستبعد الأوساط أن تأتي زيارة ماكرون بما هو أكثر من عودة سفراء كل من السعودية والكويت والإمارات والبحرين الى بيروت وسفراء لبنان الى هذه الدول ربْطاً باستقالة قرداحي، وربما إعادة العمل بالتبادل التجاري مع «بلاد الأرز» الذي أوقفته المملكة، أما ما هو أبعد من ذلك فيتوقف على البُعد السياسي للأزمة اللبنانية والذي ورغم ما كشفه الرئيس الفرنسي عن التزاماتٍ قدّمها ميقاتي خلال الاتصال الهاتفي، من دون أن يحدّد طبيعة هذه الالتزامات، فإن «الكلمة الفصل» فيه لا يملكها في لبنان أي رئيس ولا طرف ما خلا «حزب الله» الذي يمْضي في إطلاق إشاراتٍ إلى أن «مهمة» نقل البلد للمحور الإيراني أُنجزت واكتملت وذلك من بوابة إعلانه المتكرر أن ما يريده خصومه في الداخل والخارج من الانتخابات النيابية المقبلة «تغيير موقع لبنان».
وإذ لم يصدر عن «حزب الله» أي تعليق على نتائج زيارة ماكرون للسعودية والمواقف التي أطلقت خلالها، وسط خشية من «الردّ عليها بما يلزم» لترسيم «حدود» الالتزامات التي يمكن للبنان الرسمي تقديمها بإزاء عناوين تتصل بالحزب وبسلاحه كما بأدواره في المنطقة، فإن ميقاتي العاجز عن جمْع حكومته بفعل تعطيلها من الحزب والرئيس نبيه بري حاول مقاربة «إحياء» باريس والرياض القرارات الدولية الناظمة للواقع اللبناني بموقفٍ «لا يملك ترجمته» وتمنى فيه على جميع الأطراف في لبنان أن «تقدّر دقّة الأوضاع وعدم الإقدام على أيّ أمر أو التدخل في أيّ شأن يسيء إلى الأشقاء العرب ويلحق الضرر باللبنانيين. وقد آن الأوان للالتزام مجدّداً بسياسة النأي بالنفس وعدم اقحام أنفسنا ووطننا بما لا شأن لنا به».
واعتبر ميقاتي عبر «النهار» أن التواصل بينه وبين ماكرون والأمير محمد بن سلمان «فتح الباب أمام صفحة جديدة من العلاقات بين لبنان والمملكة نريدها لا يعتريها أيّ شوائب»، كاشفاً أنه أكّد لولي العهد «عزم لبنان على العمل لتعود العلاقات إلى سابق عهدها، وأن الحكومة ملتزمة تنفيذ الإصلاحات الأساسية التي من شأنها أن تفتح الباب مجدّداً لدعم لبنان»، ولافتاً إلى أنه أجرى اتصالين بكل من الرئيسين ميشال عون وبري لوضعهما في صورة الاتّصال مع ماكرون ومحمد بن سلمان، «فعبّرا عن ارتياحهما وشدّدا على تمسّكهما بأفضل العلاقات مع السعودية والدول العربية الشقيقة كافة، ولا سيّما مجلس التعاون الخليجي».
في موازاة ذلك، برزت تغريدة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قال فيها «في هذا العبور الصحراوي المحفوف بخطر السقوط في هاوية المجهول، أظهرت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان شجاعة لافتة، لكن علينا ألّا ننسى قوى الظلام ودورها التقليدي في إفشال وقتْل كل شيء».