سيناريوهاتٌ عدة فوق الطاولة و.. تحتها

الأكثر وضوحاً في بيروت.. غموض استحقاقيْ النيابة والرئاسة

تصغير
تكبير

الأكثر وضوحاً في المشهد السياسي اللبناني هو الغموض الكثيف الذي يحيط بالاستحقاقيْن الأهمّ على الإطلاق في تحديد اتجاهات الريح في البلاد التي صارت مسكونةً بـ «الزلازل» المالية – الإقتصادية – الإجتماعية وبالعواصف السياسية... الانتخابات النيابية في الربيع المقبل وبعدها الانتخابات الرئاسية في الخريف.

ولم يكن أدلّ على هذا الغموض من «وابل» المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون. من كلامه عن أنه لن يسلّم الرئاسة إلى الفراغ، إلى إعلانه أنه لن يبقى في القصر بعد إنتهاء ولايته، مروراً بقوله أبقى في القصر إذا طلب البرلمان مني ذلك.

الكلامُ عن الإنتخابات النيابية إنحسر أخيراً في إنتظار بت المجلس الدستوري بالطعن الذي قدّمه «التيار الوطني الحر» ببعض مواد قانون الإنتخاب. فالأحزاب والكتل النيابية تنتظر القرار الذي سيحدد أولاً موعد الإنتخابات في نهاية مارس أو في مايو من السنة المقبلة وعلى هذا الموعد ستترتّب الكثير من التحضيرات التي ستقوم بها القوى السياسية.

لكن أياً كان قرار المجلس الدستوري في شأن الموعد، فإن شَبَحَ تطيير الإنتخابات ما زال ماثلاً. وبدأ التداولُ بسيناريواتٍ عدة حيال ما يمكن أن يحصل، إن لم تُجْرَ الإنتخابات في موعدها. فلبنان تعوّد التمديد للمجلس النيابي، كما لرئيس الجمهورية، وتعوّد الفراغ في الرئاسة، والعيش في ظل حكومات تصريف الأعمال، ولذا فإن كل المخاوف حيال مصير مجلس النواب والإستحقاق الإنتخابي مشروعة.

فالبرلمان الذي إنتُخب عام 1972، جدد لنفسه مرات متتالية بفعل الحرب وتَعَذُّر إجراء الإنتخابات. وأول إنتخابات بعد إتفاق الطائف حصلت في 1992، بعدما كان جرى في يونيو 1991 تعيين 55 نائباً بموجب المرسوم رقم 1307 (ملء المقاعد النيابية الشاغرة والمستحدثة) إضافةً للنواب الذين كانوا على قيد الحياة، حيث أصبح عدد مجلس النواب 108 موزَّعين مناصفة بين المسيحيين والمسلمين (كان عدد النواب قبل افتاق الطائف 99 نائباً) ليتم زيادة عدد المقاعد إلى 128 قبل استحقاق 1992.

ثم جرت الإنتخابات النيابية في دورات 1996، 2000، و2005، رغم ما شهدته تلك المرحلة من أحداث أمنية وإغتيالات، وتلتْها إنتخابات عام 2009 ثم 2018 ما يعني ان البرلمان مدد لنفسه ثلاث مرات متتالية بين هذين العامين، الأولى في 2013 وحتى 2015، ومن ثم إلى عام 2017 ولاحقاً ما عرف بالتمديد التقني عام 2018، بعدما جرى الإتفاق على قانون الإنتخاب.

منذ أشهر ولبنان يعيش مخاض قانون الإنتخاب في أكثر من إتجاه. إذ ان «الثنائي الشيعي» أي الرئيس نبيه بري و«حزب الله» كانا يفضّلان تعديلَ قانون الإنتخاب الحالي الذي إعتمد النسبية لأول مرة في لبنان. ولم يعارض التعديلَ الحزبُ التقدمي الإشتراكي أو تيار «المستقبل»، فيما وقف ضده «الثنائي المسيحي» أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». أما في نقاش القانون، فوقفت «القوات اللبنانية» مع بري والكتل الأخرى في الإتفاق على تقريب موعد الإنتخابات إلى نهاية مارس بدل مايو أي موعد إنتهاء ولاية المجلس الحالي، وإلغاء إقتراع المغتربين لست نواب يمثلون ست قارات، وفق ما نص عليه القانون، وذلك لمصلحة إنتخاب المغتربين لـ128 نائباً.

هذه التعديلات عارضها «التيار الوطني الحر» فقدّم فيها طعناً. وهذا يعني انه جرت تداخلات في مواقف القوى السياسية، من القانون والإنتخابات برمّتها، تضاف إلى الأخطار التي تحوط بالإستحقاق في ذاته. إذ كان معروفاً ان برلمان عام 2018 لن ينتخب رئيس الجمهورية الجديد، وان الإنتخابات ستفرز بطبيعة الحال خريطة جديدة للمجلس النيابي الذي سينتخب الرئيس المقبل للبلاد. وهذا الأمر بدأ يطرح تساؤلات حول مصير المجلس النيابي، في ظل مجموعة من الأخطار المحدقة بلبنان وبالإستحقاقات المتتالية من إنتخابات نيابية أو رئاسية، وتالياً مصير الحكومة الحالية.

فالإنتخابات النيابية ستؤدي حُكْماً إلى تقديم الحكومة إستقالتها، أي أنها تصبح حكومة تصريف أعمال، في إنتظار تشكيل حكومة جديدة هي التي ستدير شؤون لبنان في إنتظار إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بحال لم يتم ذلك ضمن المهلة الدستورية وحَلَّ الشغور مجدداً. إلا ان الضبابية بدأت تخيّم على الإنتخابات النيابية منذ أشهر، بعدما إرتفع منسوب الضغط الغربي في معرض التشديد على ضرورة إجراء هذا الاستحقاق في موعده، ما يعني ان هذه الدول تخشى سلفاً إحتمال تطيير «نيابية 2022». كذلك فإن رغبة الخارج في جمْع القوى المُعارِضة لـ «حزب الله» والعهد، عَكَسَتْ أهمية هذه الإنتخابات على نحو شبيه بمرحلة عام 2005.

في المقابل يتوجس «حزب الله» من حجم هذه الضغوط والغاية منها لجهة تطويقه، في حين يتخوف «التيار الوطني الحر» بدوره من أن الإنهيار الذي لحق بالعهد، وردود الفعل تجاه التيار ستنعكس حُكْماً على حصته في المجلس النيابي. وجاء العددُ المرتفع لتسجيل المغتربين للإنتخابات النيابية ليزيد من الهواجس حول إحتمال إقتراع هؤلاء للأحزاب المعارضة.

هذا كله كان مطروحاً إلى حين بدء الكلام عن مرحلة ما بعد إنتهاء ولاية عون وكلام رئيس الجمهورية حول عدم رغبته بتسليم البلاد إلى الفراغ، وإرتباط ذلك بكل الإستحقاقات المنتظرة السنة المقبلة. فبدأ الكلام عن سيناريوات تراوح بين حدين، الأول الضغط لإجراء الإنتخابات مهما كانت المخاوف من إحتمال الفشل في تأليف حكومة جديدة، لأن إجراء الإستحقاق هو هدف بذاته كونه يشكل خطوة أولى على طريق إعادة التوازن في الحكم. وهذا الأمر دونه عقبة أساسية تتمثل بحسب معارضي «حزب الله» بموقفه الأساسي من رفْض ترجمة نتائج الإنتخابات كما حصل في عام 2009. وكلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أخيراً يعبّر صراحة عن ان أي أكثرية جديدة لن تتمكن من الحُكْم بنفسها.

في المقابل زاد كلام عون، تارة عن عدم رغبته بتسليم السلطة إلى الفراغ، أي ضمناً إلى حكومة تصريف أعمال، وتارة عن أنه لا يمانع بتمديد ولايته في حال طلب البرلمان منه ذلك، من التداول بالسيناريو الثاني الذي يضمر من خلاله رئيس الجمهورية إستدراج الجميع إلى مقايضة مبكرة على الإنتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية معاً، فثمة أطراف ترغب بتأجيل الإنتخابات الظاهر منها حتى الآن حزب الرئيس (التيار الوطني الحر) وحليفه «حزب الله» وفي الإمكان إنفتاح شهية آخرين على هذا الخيار، فضلاً عن أن عون الذي يسعى إلى «توريث» الرئاسة لصهره (جبران باسيل) ربما أراد رفع التحدي بوجه الآخرين من خلال وضعهم أمام معادلة «إما الرئاسة لباسيل وإما القصر لي».

ورغم هذه التأويلات والإجتهادات في قراءة مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة التي رمى بها عن «سابق تصور وتصميم» فإن الواضح أنه أراد إحداث الكثير من الغبار في الطريق إلى الإستحقاقين الأهمّ من حيث تداول السلطة في بلاد «يتداولها» الإنهيار... إنتخابات البرلمان وإنتخاب الرئيس.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي