الصدر يكسر الجليد ويمد الجسور... لكن مخاض الحكومة طويل
خطا السيد مقتدى الصدر، الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، كمنتصر أكبر في الانتخابات النيابية العراقية، بزيارته رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري، بحضور قيادات شيعية، اعترضت أو وافقت على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية في العراق.
وبدت هذه الخطوة، أقرب إلى «الضوء الأخضر» في الطريق إلى بدء المفاوضات بين الكتل الشيعية لترتيب أوضاعها وإنتاج حكومة في بداية السنة المقبلة، تحت ضغط بقاء القوات الأميركية في العراق وتحويلها ظاهرياً إلى «قوات غير قتالية».
ولم تتغير النتائج التي أصدرتها المفوضية العليا للانتخابات، أخيراً، إلا بمقاعد خمسة فقط. وأكدت انتصار الصدر بـ73 صوتاً ونوري المالكي بـ33 صوتاً والعامري بـ17 صوتاً وفالح الفياض بـ4 أصوات، بالإضافة إلى أحزاب شيعية أخرى، حصلت على مقاعد قليلة جداً غير مؤثرة.
وهذه الحصيلة لا تعني أبداً أن الصدر يستطيع الذهاب إلى «الفضاء الوطني» والتحالف مع الأكراد (غير المقتنعين) والسنّة (المختلفين في ما بينهم أيضاً) من دون الاتفاق مع الأحزاب الشيعية الأخرى.
واعتُبر أن ذهاب الصدر إلى العامري، المعروف بـ«شيخ المجاهدين»، من شأنه قطع الطريق على الدعوات إلى انتخاب رئيس وزراء «صدري قح»، لأن السيد مقتدى سيعجز عن الوصول إلى نصف البرلمان زائد واحد (165 مقعداً) من دون الأحزاب الشيعية الأخرى، خصوصاً أن السنّي محمد الحلبوسي (37 مقعداً) والكردي مسعود بارزاني (31 مقعداً) لن يستطيعا تقديم العدد المطلوب لاختيار رئيس الوزراء، إضافة إلى أنهما يطالبان بحصصهما في الحكومة الجديدة.
أما إذا ذهب الصدر إلى السنة والأكراد بتوافق شيعي، فيستطيع فرض شروطه من دون أن يكون «تحت شروطهم»... وإذا اختار الذهاب إلى صفوف المعارضة، فهو يضعف الموقف الشيعي بالتفاوض مع الآخرين ويخسر موقع القرار الذي لطالما أعطى عدداً لا يستهان به من المقاعد النيابية لأي رئيس وزراء يحكم العراق ويريد أن تكون له حصة في العملية السياسية المقبلة، تماماً كما حصل سابقاً مع إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي عندما شغل هؤلاء منصب رئاسة الوزراء.
وتعتبر خطوة الصدر ذكية لأنه لم يفاوض على أي موقع خلال زيارته وتناول الغداء على مائدة العامري من دون أن يناقش تفاصيل رؤيته السياسية.
بل كسر الجليد كمنتصر أكبر في الانتخابات، وأظهر تواضعاً وتصرف بـ«أبوية» كمن يريد استيعاب الجميع ليعطي الضوء الأخضر في اتجاه بدء التفاوض مع الأحزاب الشيعية الأخرى.
والتقى مقتدى، بالإضافة إلى العامري، الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي وزعيم حركة الحكمة عمار الحكيم والمالكي.
وذكرت «وكالة الأنباء العراقية»، أن رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري كشف عن ست نقاط تناولها الاجتماع، من بينها أنه «لا بد من حكومة غالبية وطنية... لا توافقية محاصصاتية على الإطلاق».
وأضاف «... لا بد من الرجوع إلى المرجعية في النجف الأشرف حصراً كمرجعية للجميع».
كما أوضح التلفزيون العراقي في وقت سابق، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، التقى الصدر في بغداد.
ويستطيع الصدر تحقيق رؤيته بتجنّب «خلطة العطَّار»، كما قال من خلال فريق مفاوضات صدري قوي ومقتدر يفاوض الآخرين على أسماء وزراء يوافق على شخصيتهم إذا تمتع هؤلاء بالكفاءة المطلوبة لملء مناصبهم، كما يستطيع قيادة الاتفاق من خلف فريقه مع الأحزاب السنية والكردية الأخرى، ضمن المهلة الدستورية التي تفرض التصديق على نتائج الانتخابات النهائية خلال عشرة أيام من إصدارها.
وتنص المادة 55 من الدستور، على إعطاء 15 يوماً للبرلمان لانتخاب رئيسه الجديد (السني) ونائبيه بعد دعوة رئيس الجمهورية المجلس للانعقاد.
كذلك تنص المادة 70، على أن ينتخب مجلس النواب بغالبية الثلثين من أعضائه رئيس الجمهورية (الكردي). وتنص المادة 76 على أن يكلف رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية لتولي تأليف وتسمية أعضاء الوزارة خلال 30 يوماً من التكليف.
إلا أن العرف يقضي بإمكان التأجيل في هذه المراحل ما دامت العملية في بدايتها، خصوصاً أن المفاوضات الصعبة جداً لاختيار رئيس الوزراء تنعكس على التركيبة الرئاسية.
فقد جرت العادة - ما عدا عام 2018 عند انتخاب الرئيس برهم صالح، أن تذهب الأحزاب جميعها إلى التفاوض على هوية الرؤساء الثلاثة بين كل الكتل الكبرى... وعند التعذر، يكون التأجيل سيد الموقف.
ومن المؤكد أن سنة 2021 ستنتهي من دون انتخاب رئيس المجلس النيابي، بسبب التعقيدات السياسية الحالية.
إلا أن هذا الأمر سيضع السياسيين تحت ضغط الأمر الواقع بعد أن اتفقت الحكومة مع واشنطن على إنهاء وجود قواتها القتالية بعد 31 ديسمبر 2021. ولكن تحويل الـ2500 جندي وضابط أميركي من «قوات قتالية» إلى «استشارية وتدريبية» لن يروق للكثير من العراقيين.
لكن غياب الحكومة الجديدة بسبب المفاوضات السياسية سيعطي وقتاً إضافياً لأميركا التي يتوجب عليها إخلاء قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في كردستان.
وفي حال فشل هذا الاتفاق أو لم يتم الانسحاب، فإن عمليات المقاومة لن تتأخر إذا لم يطرأ شيء جديد يوقف التصعيد.
هذه الوقائع تؤكد أن العراق بحاجة إلى حكومة جديدة قوية وبأسرع وقت لمجابهة التحديات الاقتصادية والإنمائية والسياسية وما ينتظره في علاقاته الداخلية والخارجية.
إلا أن واقع الحال يؤشر إلى أن لا مفرّ من الانتظار لأن كل الأحزاب والقوى السياسية ما زالت في المرحلة الأولى من التفاوض الذي يحتاج مدة غير قليلة ليشهد مخاض الولادة.