رؤية ورأي

شخصنة انتقاد النوّاب

تصغير
تكبير

الكثير من المواطنين والمهتمّين بالشأن الوطني يشخصنون انتقاد أداء الشخصيّات العامة، كالنوّاب والوزراء. وفي مقابلهم آخرون يتقاعسون عن دورهم الدستوري، ويتجنّبون الإشادة والإدانة الصريحتين بإنجازات وإخفاقات تلك الشخصيّات، خشية من تهمة الشخصنة.

وذلك بسبب فهم مغلوط للشخصنة، مفاده أن الشخصنة هي كل ابتعاد عن التفاعل المتساوي تجاه جميع أفراد الفئة الواحدة من تلك الشخصيّات، نوّاب الدائرة الأولى مثلاً، بغض النظر عن وجهة كل منهم السياسية وموقعه في المشهد السياسي.

حملات الإساءة والتجريح التي تعرّض لها الدكتور عبيد الوسمي على خلفية مشاركته في الحوار الوطني، من دون زميليه في المعارضة اللذين شاركا معه في الحوار، لا يمكن اعتبارها استهدافاً مُشخصناً، لأنها متّسقة مع اتجاه ومستوى الدور المحوري الذي لعبه الوسمي في تنظيم الحوار وفي صياغة مخرجاته، كما أنها متوازنة مع دوره في إسقاط الزعامة عن الكتلة البرلمانية التي كانت تقود تكتّل المعارضة، التي كانت تفرض إملاءاتها على سائر نوّاب المعارضة، كان من بينها إملاءات غير دستورية كاستخدام الكود في انتخابات الرئاسة.

وكذلك الحال بالنسبة لمساعي التوعية والتحذير من أخطار عودة النهج البرلماني الإقصائي المسمى ظلماً بالوطني، نهج كتلة العمل الشعبي، النهج المنسجم وشبه المتطابق مع نهوج التيارات السياسية الدينية المتطرّفة، وجميعها نهوج غير دستورية محورها التمييز الفئوي.

فلا يمكن اعتبار هذه المساعي المتوافقة مع القيم الدستورية بأنها مشخصنة. بل هي مساعٍ مستحقة وضروريّة لتفادي الردّة في هوية مجلس الأمة، التي بدأت بالتحول بعد حراك «الربيع العربي» من الهوية الدينية الإقصائية إلى الدستورية التعدّدية.

كتب العديد من المقالات حول النهج الطائفي لكتلة العمل الشعبي، على مستوى الكتلة وعلى مستوى معظم أعضائها بمختلف انتماءاتهم المذهبية.

وسأكتفي في هذا المقال بالإشارة إلى دور أعضاء الكتلة في مجلس 2003، وهم السعدون والبرّاك وجوهر والجري والخليفة، من الاقتراح بحظر المساس بـ «آل البيت» أسوة بالصحابة وزوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المادة (19) من قانون المطبوعات والنشر.

اللجنة التعليمية رفضت الاقتراح بإجماع أعضائها، وكان من بينهم جوهر، رغم أن الاقتراح دافعه المساواة في تحصين الشخصيات الدينية المبجّلة. ثم عند إعادة مناقشته داخل قاعة عبدالله السالم، كانت مواقف أعضاء الكتلة متباينة ومتناقضة، رغم أن عددهم لم يتجاوز الخمسة.

فكانوا بين مؤيد ومحايد ومعارض. وكان للسعدون دور محوري في إسقاط الاقتراح من خلال دعم الاقتراح المضاد الذي قدّمه الدكتوران الطبطبائي والمسلم وأقرّه المجلس. ولذلك لم تطبّق المحاكم هذه المادة على المتطاولين على الإمام المهدي - عج - على سبيل المثال.

وفي المجلس الحالي، النسخة الثانية من الكتلة، التي تضم جوهر والملا والساير وروح الدين ومهلهل وعبدالله المضف، قدّمت مجموعة من اقتراحات بقوانين لإلغاء عقوبة الحبس في ما يعرف بقضايا الرأي، ومن بينها إلغاء الحبس عن بعض مواد قانون المطبوعات والنشر، ولكن ليس من بينها عقوبة الحبس المرتبطة بالمادة (19).

جميعنا ضد المساس بالمشمولين في المادة (19)، ولكن تطبيق هذه العقوبة أظهر أن صياغة المادة لا تراعي الاختلافات العقائدية بين المذاهب الإسلامية.

ولذلك أتساءل عن سبب عدم تبني الكتلة إلغاء عقوبة الحبس عنها، وهي تعلم أن الحكومة سجلت اعتراضها على إضافتها إلى مشروع القانون، ولكنها أضيفت بإجماع أعضاء اللجنة التعليمية آنذاك، التي كانت تضم جوهر.

لذلك، حملات تقويم الكتل الإقصائية مستحقة ليست مشخصنة، ويجب أن تستمر إلى أن تلتزم تلك الكتل بالقيم الدستورية، وتحترم التنوّع الاجتماعي الأصيل، وتتبنى نهوج البرلمانات في المجتمعات المتنوّعة المتحضرة، عوضاً عن نهج كتلة العمل الشعبي وما في حكمه... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي