مبادئ الإصلاح تقوم على قاعدة النقص، لا توجد مدينة كاملة ولن توجد.
لذا، تقوم الشعوب الأكثر نشاطاً بتبني قواعد النقد والتحسين، أما الشعوب الأقل نشاطاً فإنها تتبنى قواعد السب والتشهير. هذا هو الفرق الجوهري بين الأمم، أمم في عصر النهضة وأمم في عصر ما قبل النهضة.
الإنسان منذ استيطانه الأرض استمر في التطور، كان في فترات حياته الأولى بطيئاً وأحياناً بطيئاً جداً، وبدأت حركة التسارع في التغيير مع بداية نشوء العقلية الناقدة في القرن السادس عشر، فقد قام علماء عصر النهضة الأوروبية بإعادة تشكيل المنظور الفكري مستفيدين من سقوط القسطنطينية وذلك بنقل أفكار أمم عظيمة نجحت قبلهم في تحرير عقل الإنسان وعلى رأسهم أمة الإسلام.
من ذلك التاريخ القريب في عمر الإنسان تسارعت حركة النمو والحضارة، وظهرت قدرات العقل البشري في العلم والصناعة والزراعة، وخَطا الإنسان فوق القمر، وجعل الأرض قرية صغيرة تحيطها شبكات لا متناهية من الموجات ووسائل التواصل الاجتماعي.
سر نجاح الإنسان هو في قدرته على استخدام عقله بحرية من أجل تحسين وتطوير محيطه.
سر نجاح الإنسان بقدرة قيادته الفكرية والثقافية والسياسية بالصمود أمام تحديات الفساد والتعامل بثباتٍ وإخلاص مع تكتلات أهل المصالح الذين لا يروْن سوى أنفسهم والذين يعيش الوطن خارجهم.
مرة أخرى، هذا هو الفرق الجوهري بين الشعوب، فمتى ما اختفت العقلية الناقدة والمخلصة، ومتى ما كثُرَ أهلُ المصالح، ومتى ما انتشر التشاؤم والإحباط كان هذا مؤشراً على فشل الشعب وكسله، وفي النهاية تأخره عن ركب الحضارة.
ليس نشر التشاؤم دليلاً على رغبة الإنسان في العمل، بل العكس صحيح تماماً، وليس الهجوم والصراخ إشارة إلى حرص الإنسان على الإصلاح، بل العكس تماماً.
العقلية الناقدة هي التي نحتاج إليها، عقلية تُحلل الواقع وتستعين بالمعلومات القائمة على البراهين وتؤدي واجبها التنفيذي كاملاً غير منقوص، عقلية متفائلة تؤمن بأن النقص طبيعة الحياة فلا تغضب حين ترى الخلل بل تعمل على إصلاحه بإصرار وبأقل الأضرار.
عقلية تعشق الحرية وتؤمن بحقوق الإنسان وتحترم كل كائن حي لأنه من خلق الله.
كيف نستطيع أن نربي أبناءنا على هذه المفاهيم وأغلب شعبنا نشروا فيه اليأس والغضب والتشاؤم؟ سؤال لن تجد من يستطيع أن يجيب عنه في مقال.
لكن البداية تكون في تحليل الواقع وعدم الهروب منه، البداية في الرغبة في خلق العقلية الناقدة التي لن تتشكل دون حرية حقيقية وعدالة ومساواة، تلك هي مبادئ الحضارة.
هذه إذاً البداية، إذا فهمنا مبادئ الحضارة عندها يمكن أن نخطو الخطوة الأولى، وإذا لم توجد الرغبة في الفهم لدى قادتنا أو لدى المعارضة أو لدى الشعب، إذا لم نجد الرغبة في الفهم لدى كل هؤلاء فإننا سنبقى في عصر ما قبل النهضة.
سنستمر كشعب أمده الله بكل العناصر المادية للحضارة ولكنه لم يستخدم عقله، ونجحوا في شغله بالخلافات النظرية عن تحقيق ذاته.
أما أنا، فإنني على ثقة بأن أكثرنا مدرك لمبادئ التقدم، فشعب الكويت عطشان لدخول سباق الحضارة الإنسانية.
إذاً، الفرصة كبيرة أمامنا ولن ندعها تفلت منا، لا سيما بعد عودة كثير من المخلصين لأرض الوطن، وتطلعنا لعودة الحياة إلى العقلية الناقدة المخلصة لتضعنا في مسار الحضارة الصحيح.