استنفارٌ بوجه «اوميكرون» وإجراءات سفر «مؤجّلة» لمطلع السنة
لبنان: ميقاتي ربح «حكومات مصغّرة» وخسر مجلس الوزراء
- تَواصُل بين البابا وشيخ الأزهر «لتنسيق الجهود لدعم لبنان»
- اتجاه لقيام صندوق أممي لتمويل رواتب العسكريين اللبنانيين
- الحدود البرية مع سورية في «العناية الدولية» وتَوَجُّسٌ من «حزب الله»
- لبنان يُلاقي الأعياد بقيودٍ على التجوّل وعطلة مدرسية طويلة تفادياً لـ «قنبلة كورونية»
«الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء لا يجتمع». معادلةٌ على طريقة «لا حيّة ولا ميتة» اختصر بها الرئيس نجيب ميقاتي أمس واقعَ حكومتِه التي تَعَطَّلَتْ جلساتُها منذ 50 يوماً حين وَقَعَتْ «في حفرةِ» الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت وإصرار «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري على تنحية المحقق العدلي طارق بيطار، قبل أن «تنفلش» الأزمة في اتجاهات سياسية وأمنية عدة وتتداخل مع النكسة الأكبر في علاقات لبنان مع دول الخليج العربي على خلفية «خطيئة» وزير الإعلام جورج قرداحي ومواقفه العدائية ضد السعودية والإمارات.
واكتسب توصيف ميقاتي المقتضب للمأزق الذي يُطْبِق على حكومته دلالةً خاصةً لأنه أعقب لقاءه رئيس الجمهورية ميشال عون حيث جرى «عرْض آخِر المستجدّات المحلية والاتصالات القائمة لمعالجة الأزمة الأخيرة وعودة مجلس الوزراء الى الانعقاد» و«تَبادُل المعطيات» حول الزيارة التي قام بها عون لقطر ولقائه أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونتائج زيارة رئيس الحكومة للفاتيكان واجتماعه مع البابا فرنسيس.
وعَكَس كلامُ ميقاتي و«بالفم الملآن» أن «الستاتيكو السلبي» في ما خص الأزمة الحكومية يتمدّد وأن كل الرهانات على اختراقاتٍ ممكنة بـ «أرانبِ حلٍّ» داخلية، جرى تسويقها على شكل «سلّة مقايضاتٍ» بين رئيس البرلمان وفريق رئيس الجمهورية وتحديداً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لم تكن إلا في إطار «تضييع المسؤوليات» عن استرهان الحكومة لمناكفاتٍ بين مكوّناتها ولعملية «لي ذراعٍ» معلَنة لكبير المحققين في «بيروتشيما» تحت عنوانين: الأول رفْض «حزب الله» ترْك بيطار «ومَن وراءه» ينفّذ عملية تصفية حسابٍ متعددة الهدف مع شريكه في الثنائية الشيعية (بري) ومع رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية امتداداً لـ «المعارك السياسية والرئاسية» التي يخوضها باسيل ضدّهما. والثاني الارتياب من أداء المحقق العدلي وما اعتبره الحزب «استنسابية وتسييساً» يُخشى أن يأخذا الملف ومضبطة الاتهام في اتجاهه.
ومع نعي رئيس الحكومة أي احتمالٍ لإحياء جلسات مجلس الوزراء في المدى المنظور، فإن إشارته إلى «ان الحكومة ماشية» جاءت ترجمةً لـ «الخطة ب» التي يعتمدها منذ اندلاع الأزمة والتي استعيض معها عن هذه الجلسات باستراتيجية «المجالس الوزارية المصغرة» التي يتبدّل المُشاركون فيها بحسب الملف والعنوان وذلك كـ «بَدَل عن ضائع» يتيح متابعة قضايا مالية معيشية طارئة يفرضها الانهيار الشامل الذي اشتدّ عصْفه في الأسابيع الأخيرة ليبلغ مستويات قياسية مرشّحة للمزيد من الاستشراس.
إنهاكٌ متبادل وإنهاءٌ لآخر فرص لجم الارتطام؟
ورأت أوساط سياسية مطلعة أن «واقعية» ميقاتي في مقاربة آفاق الأزمة الحكومية تؤشر في أحد جوانبها إلى أن عملية «الإنهاك المتبادَل» ولعبة «عض الأصابع» على تخوم قضية بيطار لن تهدأ، وسط مخاوف متعاظمة من أن هذه «الحروب الصغيرة» لن تُفْضي إلا إلى «إنهاء» آخِر فرصٍ للجم الارتطام المريع والتي ترتبط في جانبٍ رئيسي آخَر هو تصحيح العلاقات مع دول الخليج عبر مساريْن:
الأول «جزئي» تشكله استقالة قرداحي الذي يمتنع عن تقديمها، وهو كرر «لم أكن سبباً في تعطيل الحكومة، وهذا الأمر أصبح خلفنا، وإذا كانت هناك دلائل بأن استقالتي ستؤدي لإعادة العلاقات مع دول الخليج فوراً ووقف الحملة المسعورة على الحكومة فسأضعها فوراً على طاولة مجلس الوزراء».
والثاني «شامل» ويتصل بالحدّ من تمكين «حزب الله» داخلياً ووقف ما تعتبره الرياض مشاركته في «إعلان الحرب عليها» عبر دعمه للحوثيين، وأيضاً التصدي لأدواره العسكرية والأمنية خارج لبنان.
ويُنْذِر التكيّف مع مرحلة غير قصيرة من تعطيل مجلس الوزراء بتحفيز «الميني مجالس وزارية» وربما تفعيل «المراسيم الجوّالة» لزوم تسيير قراراتٍ ذات طبيعة معيشية مُلحّة، في ظلّ انطباعٍ عبّرت عنه الأوساط السياسية بأن إشارة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس خلال جلسة إحاطة لمجلس الأمن حول القرار 1701 مطلع الأسبوع الى«القلق العميق» من الكباش الجاري حول التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، وتنديده بـ«الضغط السياسي» على السلطة القضائية، باتت تشكّل عاملاً ضاغطاً إضافياً على رئيس الحكومة وفي الوقت نفسه عنصرَ رفْد لموقفه الرافض، مع رئيس الجمهورية، لأي توريط للحكومة في «قطع ورقة» للقاضي بيطار الذي صارت تحقيقاته تحت معاينة دولية لصيقة.
ولم يترك كلام ميقاتي نفسه، خلال رعايته إطلاق منصة دعم البطاقة التمويلية والمشروع الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعية، أي التباسٍ حيال تمسُّكه بفصل مساريْ العمل الحكومي وقضية بيطار كما إصراره على ترؤس ولو «حكومة ظلّ» لمجلس الوزراء المغيَّب، تحت وطأة نُذُر الانفجار الاجتماعي وعودة وباء «كورونا» إلى واجهة الاهتمام في ضوء الاستنفار العالمي بإزاء متحور «اوميكرون» والذي يأتي في أسوأ توقيت للبنان الذي يعيش منذ أسابيع طفرة جديدة في إصابات «كوفيد-19» وانطلق أمس في عمليةِ بحثٍ على خطيْن متوازييْن عن سبل تفادي تفشٍّ مروّع جديد: أولّهما تسريع التلقيح وتحفيزه بـ «تمييز إيجابي» لمَن تلقّوه وسيأخذونه.
والثاني اعتماد إجراءات جديدة للسفر الى لبنان ابتداء من مطلع السنة، مع فرْض قيود على حركة التجول من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً اعتباراً من 17 الجاري الأول ولغاية 9 يناير (يُستثنى منها الملقّحون)، وتحديد عطلة مدرسية طويلة غير مسبوقة لعيديْ الميلاد ورأس السنة تم إقرارها من 16 الجاري إلى 10 يناير في محاولة لاحتواء «القنبلة الموقوتة» التي قد تحملها احتفالات الأعياد على غرار ما حصل العام الماضي.
لبنان بين البابا وشيخ الأزهر
فميقاتي أعلن أنه «منذ 12 أكتوبر الفائت، توقفت أعمال مجلس الوزراء نتيجة معضلة دستورية قانونية مرتبطة بملف انفجار مرفأ بيروت، فيما يستمر العمل الحكومي بوتيرة متصاعدة ومكثفة، في سباق مع الوقت لإنجاز الملفات المطلوبة مالياً واقتصادياً وخدماتياً واجتماعياً، وفور معاودة جلسات مجلس الوزراء قريباً بإذن الله، سيتم عرض هذه الملفات وإقرارها»، وقال: «في موضوع معاودة جلسات مجلس الوزراء، سعيت ومازلت للوصول الى حل، وأدعم أي خطوة تؤدي لتقريب وجهات النظر، مراهناً على الحكمة والوعي لدى الجميع لدقة المرحلة».
وأضاف: «لا حل إلا من ضمن المؤسسات، ولا حل يُفرض بالتعطيل أو بقوة الأمر الواقع. من هنا كان قراري بالتريث في الدعوة مجدداً الى جلسة حكومية، على أمل أن يقتنع الجميع بإبعاد مجلس الوزراء عن كل ما لا شأن له به، خصوصاً أننا كنا توافقنا على أن القضاء مستقل، وأن أي اشكالية تحل في القضاء ووفق أحكام الدستور، من دون أي تدخّل سياسي».
وتابع: «ان ما نحن بصدده اليوم يظهر حجم الكارثة التي نحن فيها ووجوب الاقلاع عن سياسة التعطيل وفرض الشروط. وإذا كان من حق بعض الناس أن تثور في الشارع وتغضب، فليس مسموحاً لكل من شارك ويشارك في السلطة بكل مكوناتها، أن يتنصل اليوم من المسؤولية ويرمي بها على من ارتضى حمل كرة النار لإنقاذ الوطن. فلنختصر الطريق ونعود للاجتماع معاً على طاولة مجلس الوزراء».
وكشف أنه بعد زيارته الفاتيكان «أبلغتُ لاحقاً أن تواصلاً حصل بين قداسة البابا وسماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب وتوافقا على تنسيق الجهود الإسلامية - المسيحية لدعم لبنان اجتماعياً في هذه الظروف، وستكون هذه الخطوة موضع تنفيذ في القريب العاجل».
دعم دولي للجيش والعين على الحدود مع سورية
وتشي مجمل هذه الوقائع بأن لبنان مقبلٌ على أسابيع عصيبة تحمل بذور توترات أمنية، «منشأها» الاحتقانات المتصاعدة في الشارعِ المتحفّز غضباً والذي شكلت تحركاته يوم الاثنين «تمريناً» مُرْبكاً للقوى الأمنية والعسكرية، والخشية من «ركوب» أطراف داخلية موجات الاعتراض الشعبي لحرفها نحو أجندات سياسية تتشابك فيها العناوين «الاشتباكية»، من قضية المرفأ، إلى الانتخابات النيابية ومقتضيات مراكمة «الأسباب الموجبة» لتطييرها برمّتها أو لـ «تأطيرها» عبر فرض قواعد مبكّرة لخوضها سواء بشعاراتها «المنزوعة الدسم» السياسي - السيادي أو بالأشخاص - القادة الذين سينخرطون فيها.
ولم يكن عابراً في غمرة عودة حضور الهاجس الأمني بقوّة في الكواليس السياسية رفْعُ المجتمع الدولي منسوب اهتمامه بهذا الواقع من بوابة الحرص على تعزيز «مناعة» الجيش اللبناني تجاه الأزمة المالية عبر «تدويل الرعاية» للوضع المعيشي لعناصره، بالتوازي مع مدّه بالمزيد من أدوات مراقبة الحدود البرية مع سورية، وهو العنوان الذي غالباً ما أثار حساسيات مكتومة لدى «حزب الله» الذي يتعاطى بتوجّس كبير مع «أبراج المراقبة» (بنيت بدعم بريطاني خصوصاً) بوصفها نقاطاً متقدمة تستهدف خط الإمداد العسكري للحزب تحت عنوان التهريب ووقفه.
وفي هذا الإطار استوقف دوائر مراقبة إعلان قيادة «اليونيفيل» أول من أمس بدء برنامج دعم القوات المسلحة اللبنانية - الجيش اللبناني بشحنات شهرية من المحروقات ووجبات غذاء كاملة لنحو 27 ألف عسكري، وكميات من الأدوية من أجل الطبابة العسكرية، وذلك بعدما كان الأمين العام للأمم المتحدة لفت في تقريره عن الـ 1701 إلى أن «تقلّص قدرة القوات المسلحة اللبنانية على مواصلة عملياتها في منطقة عمليات اليونيفيل، هو مصدر قلق، وفي هذا السياق، يكتسي دعم المؤسسات الأمنية، ولا سيما القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها القوة المسلحة الشرعيّة الوحيدة في لبنان، أهميةً قصوى».
وفي حين ترافق هذا الدعم مع تقارير متزايدة عن إمكان إنشاء صندوق تمويل أممي لدعم رواتب العسكريين اللبنانيين في ظل الانهيار المتمادي لقيمتها على وهج السقوط المروّع لليرة أمام الدولار، لم يقلّ دلالة الاجتماع الذي ترأسه في اليوم نفسه قائد الجيش العماد جوزف عون للجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات لحماية الحدود البرية، بحضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا، والسفير البريطاني ايان كولارد، والسفيرة الكندية شانتال تشاستيناي.
وقد أشاد السفراء وفق البيان الذي صدر عن قيادة الجيش، بأداء المؤسسة العسكرية «في مكافحة أعمال التهريب ومحاولات التسلل، ودوره في مواجهة التنظيمات الإرهابية حفاظاً على أمن لبنان واستقراره، مؤكدين التزام بلادهم الاستمرار بدعم الجيش لتعزيز قدراته على مختلف الأصعدة وبخاصة في مجال مراقبة الحدود وضبطها».