الرأي اليوم

الفساد موجود... ماذا عن غيره؟

تصغير
تكبير

إلى من يُحبّ بلده ويُريد له الخير والاستقرار والتقدّم مهما تباينت الآراء والمواقف. إلى من يقف على هذه الأرض الطيّبة يسكنه هاجس الحياة الكريمة بحاضره ويتطلّع إلى مستقبل أفضل لأبنائه على كلّ الأصعدة.

إلى الحريص على التطوّر والتقدّم وتسليم الجيل المُقبل مقاليد وطن ومُؤسّسات لا إرث جدال يخلط الأولويات ويضيّع البوصلة. إلى الناخب حين يتوجّه للإدلاء بصوته كي يختار مُمثّلاً للأمّة.

إلى الشّاكي الذي يمارس بفخر دوراً تصحيحيّاً في إدارته لكشف الانحرافات والتجاوزات.

إلى من يُعبّر عن مواقفه بكل احترام وموضوعية عبر أيّ موقع مُتاح.

إلى الشباب الحالمين بغدٍ أفضل...

إلى هؤلاء جميعاً وغيرهم، من هنا يبدأ الكلام. الحوار. التفكير المُشترك بصوت عالٍ.

فما يجمع أكثر بكثير مِمّا يُفرّق، لأن الدّم واحد والهمّ واحد.

لكن النقاش مشروع في ما يتعلق بالأولويات وتغييب القضايا الأساسية طالما أن بعض الشّعارات الشّعبوية يطرب الآذان.

يلاحظ في هذه الأيام، وعلى كلّ المُستويات، من القيادة السياسيّة إلى المجلس برئيسه ونُوّابه ورئيس الحكومة ووزراء الحكومة السّابقة وربما المُقبلة، أنّ التصريحات والمواقف تتركّز على قضية واحدة: مكافحة الفساد. لا قِصّة غير هذه القِصّة، ولا موضوع غير هذا الموضوع، وكأنّ الكويت جمهورية موز عمودها الفقري هو الفساد وباقي الجسد مُؤسّسات وإدارات تُحاول العمل، أو كأنّ الفساد هو القاعدة والنّزاهة هي الاستثناء.

أعلم أن هذا الأمر إذا ما قيس بمعايير العاطفة فسيُقال إننا نخوض في موضوع غير شعبي وقد يذهب آخرون معروفو التوجّه والتبعيّة إلى محاولة الطّعن في الذّمم أو تحويل النقاش عن وجهته الأصليّة فهذا ديدنهم، إنّما لا بدّ من كلمة نابعة من العقل أيضاً وسط سوق المزايدات المفتوح الطّامِح إلى تصفيق وإشادة.

الفساد موجود، ومُكافحته توكيل شرعي أوّلاً، فالله جلّ جلاله حرّمه وحرّم التعامل مع أصحابه ونتائجه.

والقوانين والتشريعات في الكويت وُضِعت لمحاربة الفساد ومحاسبة المُفسد وإذا نظرنا إليها نجدها تحمل الكثير من أدوات الرّدع والمُلاحقة والعقوبة. بهذا المعنى، مكافحة الفساد واجب طبيعي دينياً وقانونياً وأخلاقياً وليس بطولة.

لكن الفساد نتيجة وليس سبباً، لا توجد أوراق تدرج تحت بند «مُعاملة فاسدة» بل يُوجد راشٍ ومُرتشٍ.

سوء الإدارة يُؤدّي إلى الفساد. الواسطات قاعدة الفساد.

صفقات الحكومة السياسيّة مع المجلس لبّ الفساد.

تعيين الشخص غير المُناسب في منصب حسّاس مدخل إلى الفساد. حشر آلاف المُوظّفين في مكان واحد وغضّ النظر عن دوامهم وأدائهم وإنتاجيّتهم من عوامل الفساد. اعتماد «الهدايا السّياسيّة» في الصفقات الكبرى مع الخارج والسماح بهامش «استفادة» محلّي وخارجي من أبجديّات الفساد. كفّ يد أجهزة الرقابة أو التّعامل مع تقاريرها بشكل استنسابي وانتقائي... تشجيع على الفساد.

تعدّدت الأسباب والنّتيجة واحدة، لكن ما يعنينا اليوم هو هذا المناخ الذي لم يعد يرى في الكويت سوى دولة محكومة بأمرين: تفشّي الفساد في كل مُؤسّساتها من جهة، وطبقة سياسيّة تشمل السلطة والمعارضة على السّواء لا همّ لها سوى مُكافحة هذا الفساد.

ألا يوجد شيء آخر؟ الموضوع يلقى هوى شعبيّاً بحكم حساسيّته وعلاقته بالفِطرة الرافضة بطبعها للتّجاوزات، لكن تصوير أزماتنا كلّها على أنها محصورة بهذه القضية فيه ظُلم للأولويات.

هل رأينا على سبيل المثال تركيزاً مُشابهاً يتعلّق بقصة تعتبر وجوديّة (حرفيّاً وجوديّة) بالنسبة إلى الكويت وهي تنويع مصادر الدّخل وإيجاد مداخيل أخرى غير نفطيّة؟ هل سمعنا على سبيل المثال عن ورشة عمل حكوميّة ضخمة تنتج قرارات لتحسين الإدارة وتطوير عملها في الكويت ومكننتها وتفعيل الرقابة والمُحاسبة؟ هل أجرت الحكومة تقويماً لكل الإدارات في الدولة ودور البيروقراطية الحالية في تكريس عقليّة التّواكل بدل العقليّة المُنتجة؟ مع العلم أن الكويتي إذا وُضِع في مكانه الصّحيح وفي ظروف التحديات يكون عطاؤه مُذهلاً والتجارب شاهدة.

هل لمسنا اتجاهاً واضحاً لتشجيع الاستثمار في الكويت عبر تغيير القوانين وتكوين أرضية جاذبة للرساميل الإقليميّة والدوليّة أم أنّ المستثمر عليه أن يمضي السنتين الأوليين دائراً بمعاملات ورقيّة من إدارة إلى أخرى؟ هل رفعنا قضايا أساسية إلى سُلّم الأولويات مثل تطوير قطاع التعليم المُنهار الذي هو جسر العبور إلى مُستقبل الكويت، وتطوير المنظومة الصّحيّة... وغيرهما؟ والأهمّ، هل تمّ تشجيع القطاع الخاص بكلّ مستوياته على التمدّد بشكل أكبر في بلده خالقاً النشاطات والفرص الإنتاجيّة والوظيفيّة للكويت والكويتيّين؟ أيضا، تعدّدت الحلول والنتيجة واحدة.

نُجمّد كل شيء بحجّة التفرّغ لمكافحة الفساد، بينما المطلوب اتخاذ القرارات التي تُحقّق أهداف الاستقرار والاستدامة والتطوير، تنتج عنها طبيعياً، مجموعة من العوامل من ضمنها تراجع الفساد... لكنّنا في الكويت، وفي الكويت لا صوت يعلو على صوت المُزايدات والتكسّب من الشعارات خصوصاً الشعبوية.

الكلام سيستمرّ... لكن الكويتيّين أذكى من أن يُصفّقوا لموقف يتعلّق بالنّتيجة ولا يُعالج السّبب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي