انتشرت أخبار جرائم السرقات بكثرة خلال السنوات القليلة الماضية وتزايدت بصورة كبيرة، وتعتبر السرقات من أكبر الآفات التي تصيب المجتمعات، ولها صور مختلفة عدة كالسرقة والنهب والسلب والاختلاس وخيانة الأمانة.
وقد أجمعت الأديان والأعراف على رفض التعدي على المال الخاص والعام، فلا يحل لأي فرد كان أن يستولي ويعتدي على مال الغير، فلهذا يجب سن التشريعات والقوانين التي تردع كل من تسول له نفسه بالتعدي على المال وتشديد العقوبة عليه.
تناقلت الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي خبراً عن اختلاس حدث في إحدى الجهات الحكومية، ولا ندري عن صحة هذا الخبر من عدمه، وسنتطرق إليه للبحث عن صحة هذا الخبر.
يقول الخبر، إن موظفاً مدنياً في إدارة الإطفاء العام استغل منصبه الوظيفي فقام بالاختلاس من المال العام، واستولى على مبالغ مالية لفترة امتدت لعامين متتاليين من غير أن يعلم به أحد، مما ألحق الضرر بنفسه وبالمجتمع الذي يعيش فيه والذي ائتمنه على الحقوق العامة مما يستدعي معاقبته وتطبيق القانون عليه بصرامة بعد أن ألحق الضرر في المجتمع بأسره.
الفساد الإداري آفة يعاني منها الجميع، وللأسف انتشر بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة وتغلغل في المؤسسات الحكومية والأهلية.
ولا شك أن استباحة المال العام تعتبر خيانة للأمانة وجريمة كبيرة.
وهنا، لن ننظر إلى شخص المختلس وفداحة الجرم الذي قام به، وإنما سنتطرق إلى الخلل الحادث في الدولة وأجهزتها الرقابية، والتي لم تكتشف هذه الجريمة في حينها والتي امتدت لمدى سنتين من غير أن يعلم بها أحد من المسؤولين في هذا المرفق الحساس من مرافق الدولة.
كشفت هذه الجريمة مدى القصور الكبير الحادث في العديد من إدارات الدولة، مما يتطلب إجراء بحث ودراسة كبيرين للكشف عن هذا القصور والخلل الحادث في أجهزة الدولة الرقابية - كما قلنا سابقاً - ومعالجتها وسد الثغرات فيها حتى لا تكون منفذاً لضعاف النفوس - وأيضاً قد تكشف تلك الإجراءات الرقابية التي إذا قامت الجهات المسؤولة باتخاذها لسد الثغرات عن جرائم واختلاسات أخرى لم تكتشف لحد الآن.
من المعلوم أن في كل منشأة حكومية أو أهلية هناك جهة رقابية، مهمتها الرقابة على المال العام والحرص على عدم وقوع أي أخطاء قد تتسبب في إلحاق الضرر بالمال العام والاختلاس منه.
الجهات المسؤولة عن الرقابة المالية في الدولة:
1 - ديوان المحاسبة: المادتان 9،6 من قانون إنشاء الديوان رقم 30 لسنة 1964.
المادة 6: وتشمل رقابة الديوان بوجه خاص حسابات الوزارات والمصالح والإدارات الحكومية وسائر فروعها، وكذلك حسابات الجهات ذات الميزانيات المستقلة.
المادة 9: تشمل رقابة الديوان في شأن المصروفات.
2 - جهاز المراقبين الماليين: المادة 12 من قانون إنشاء الجهاز تلزمه بالتوقيع على الحساب الختامي والرقابة على تنفيذ الميزانية إيراداً وصرفاً.
3 - وزارة المالية: إدارة الرقابة المالية للوزارات والإدارات الحكومية، وكذلك ألزمت المادة رقم 35 من المرسوم بقانون رقم 31 لسنة 1978 بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي على كل جهة تقديم حسابات شهرية وربع سنوية عن الإيرادات والمصروفات وغيرها من الحسابات إلى وزارة المالية.
4 - الإدارة المالية في المؤسسة أو الوزارة عند صرف أي مبالغ هناك نظام يتبع من خلال المحاسب المختص، ثم موظف آخر يراجع ما تم للتأكيد، وأخيراً موظف آخر يعتمد الصرف.
5 - المؤسسات المستقلة: تتعاقد مع الشركات المتخصصة في المحاسبة من القطاع الخاص لإجراء الحسابات الختامية.
6 - البنوك ودورها في مراجعة أي تغيير يحدث في التحويلات خاصة إن كانت مبالغها كبيرة.
بوجود كل هذه المنظومة المالية الصارمة، تمكن الموظف من اختلاس مبالغ كبيرة على مدى سنتين متتاليتين، ومن دون أن تتمكن تلك الأجهزة الرقابية من كشفه!؟
فالمطلوب التحقيق لكشف أوجه القصور في تلك الإدارات، ومحاسبة كل مهمل ومستهتر في أداء عمله، وكذلك محاسبة كل من تواطأ بهذه الجريمة، وبالتالي العمل على تفعيل دور الجهات الرقابية وتدعيمها بالكفاءات البشرية وإعطائها الصلاحيات اللازمة ليقوموا بأداء دورهم على أكمل وجه.
فالحفاظ على المال العام هو حفظ لكيان الدولة.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.