قبل أيام كنت في أحد المقاهي المنتشرة في الفترة الأخيرة بشكل كبير، الطاولة التي كانت خلفي كان يجلس إليها ثلاثة شبان يدرسون الحقوق، وعرفت ذلك من خلال حديثهم المرتفع عن قانون المرافعات والجامعة عموماً، ولكن ما شدني هو اتفاقهم على البحث عن وظيفة قانونية بها كادر من خلال الواسطات التي يبحثون عنها، وبعضهم ذكر شواهد على ذلك تمت خلال السنوات الماضية، وأن راتب القانوني في بعض الجهات ضعف القانوني بالوزارات الحكومية مع أنهم يؤدون الأعمال نفسها.
أما الطاولة التي كانت بجانبي فجلس إليها شابان أحدهما يتفاخر بأنه حصل على وظيفة جيدة نتيجة واسطة من أحد النواب، والآخر يقول إنه موعود بوظيفة كذلك جيدة في نظره، ولكن الغريب في الأمر أن خلال ساعة كاملة كان الكلام أكثر عن الواسطة والكوادر!
أسوأ ما في الواسطة هو أننا بدأنا نشرعها والتي تعني الفساد، لأننا عندما نلجأ إليها فهذا يعني أن صاحب الحق لن يصل إلى حقه من دونها، ومن يستحق المنصب لن يأخذه، والخاسر الأكبر هو الوطن الذي يحتاج إلى كل جهد وكفاءة بعيداً عن المجاملة والمحاباة.
والواسطة من أكثر الأمراض شيوعاً في هذا العصر، وهي تسرق أحلام الشباب الطموحين الناجحين، وقد تكون أحد أسباب انتشار الحقد والحسد نتيجة الظلم الذي يقع على البعض، ولعل حجم التفاوت في الرواتب هو أحد الأسباب للبحث عن الواسطات وكأنك لا تستطيع أن تأخذ حقك من دون أن تستخدمها.
وقد يكون موظف الحكومة - التي لا توجد فيها كوادر - قد تخرّج في أفضل جامعات العالم، ولكنه لا يملك واسطة قادرة على قبوله في الجهات التي بها كوادر ومميزات مالية أكثر، بينما صديقه الذي تخرّج بنصف تعليم ولكن لديه واسطة فقُبل فيها.
وضع معايير جديدة توحد سلم الرواتب للوظيفة نفسها في مختلف الجهات الحكومية أصبح مطلباً، ومن يعمل ويقدم أكثر تكون له المفاضلة والأولوية في زيادة راتبه وأخذه للمكافآت، وقد كانت المرتبات قبل 10 سنوات تكلف الميزانية 3 مليارات دينار كويتي، أما في 2020 فقد تجاوزت 12 مليار دينار!
وكل مانسمعه من توجهات إصلاحية نتمنى أن ترى النور قريباً، خصوصاً وأن النفط يشكل 90 في المئة من الميزانية العامة وشاهدنا حجم التذبذب في أسعار النفط خلال الأشهر السابقة، وهناك خطة من فترة كبيرة لتقليل حجم الاعتماد على النفط ولكنها ما زالت على الورق.
ويجب أن يكون هناك تغيير شامل على المستويات كافة وفي صنع القرارات. نحتاج تأسيس مرحلة عمل جديدة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والتوقف فوراً عن توزيع المناصب كهبات، وإنما يجب أن يتقدم لها المواطن الأكفأ، ولدينا قوانين وتشريعات ولوائح وإجراءات أظن أنها كافية لتساعد في ذلك.
العالم يتغير بصورة غير متوقعة، ولغة البرمجة هي التي ستكون غالبة في المقبل من الأيام. آن الاوان لتغيير فلسفة الابتعاث إلى الخارج للدراسة، ويجب أن تكون وفق احتياجات سوق العمل، وأي تخصص غير مطلوب أو مرغوب في سوق العمل يجب التوقف فوراً عن ابتعاث شباب وبنات الكويت في هذا المجال، وهناك 400 ألف مواطن سيدخلون سوق العمل خلال 15 سنة مقبلة بإذن الله، إن لم يتغير شيء فنحن أمام بطالة غير مسبوقة.