No Script

مجرد رأي

المعارضة وهدايات العقل والتجربة والوجدان

تصغير
تكبير

دائماً للكويت طابعها الخاص في كل شيء، ما يجعل نموذجها السياسي مختلفاً عن الجميع، فحتى معارضو الحكومة من القوى السياسية يجتمعون على الولاء والإخلاص لنظام الحكم، وبالوقت نفسه تجدهم شرسين غير مهادنين في تعاطيهم مع الحكومة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة والزود بحقوق الكويتيين.

وتاريخياً لا تجد هذا المناخ السياسي إلا في الكويت، وشواهد رموز المعارضة الكويتية عديدة ومن باب المثال وليس الحصر، نستذكر النواب السابقين أحمد الخطيب وأحمد السعدون وعبدالله النفيسي وأحمد الربعي، رحمه الله، وحمد الجوعان، رحمه لله.

ولو سلطنا الضوء على الطابع الخاص للمعارضة الكويتية الحالية، لبرز اسم مسلم البراك الذي يعد من أقوى وأشرس المعارضين في كل المحطات التي مر بها، سواء وهو في المجلس نائباً أو في السجن أو في المهجر.

فالمتابع لخطابات البراك يلحظ بكل سهولة أن أي من خطاباته لم تخلُ من تأكيد الحب والولاء لنظام الحكم وعدم المساس به، وبالوقت نفسه يؤكد في كل مرة فعلاً وقولاً، أنه نموذج المعارض الشرس للحكومة في الدفاع عن مصالح الشعب ومحاربة الفساد.

بعد حصول البراك وزملائه على العفو الكريم من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وعودتهم إلى أرض الوطن، ألقى خطاباً على جماهيره حمل خلاله رسائل عدة، بدأها بتقديم الشكر لصاحب السمو واصفاً سموه بالعابد الناسك الزاهد، فيما طالب الجميع بتوحيد الصف والعمل على بناء الوطن والسير في التنمية وتحقيق العدالة المجتمعية والتوزيع العادل للثروات ومحاربة قوى الفساد.

ولأن خطابه كما يطلق عليه في علوم السياسة من النوعية الجامعة المانعة، دعا البراك جميع القوى السياسية لأن تضع رؤية وأهدافاً وإستراتيجية لتنفيذها، على أن تكون مكتوبة ومعلنة للشعب الكويتي، مؤكداً على أن يد التعاون ممدودة للحكومة وهنا بيت القصيد.

فمسلم البراك لم يتخل في خطابه عن إرثه باعتباره رمزاً للمعارضة ذا رؤية أحبه الجميع، لمعارضته التي كانت تغذي الحياة السياسية رغم كل تجاذباته ومنعطفاته الخلافية مع الحكومة.

لكن، وبحكم أن الرجل عركته الحياة، بات يتمتع بالهدايات الثلاث المعروفة في النظريات السياسية، وهي هدايات العقل والتجربة والوجدان.

لذلك، أعتقد أن مسلم البراك وبقية زملائه من المعارضين يمثلون القوى السياسية الكويتية الأصيلة التي كانت نوعاً ما ناجحة في محاربة الفساد بالمساءلة السياسية للحكومة، وإن كانت في بعض محطاتها لم تنجح في تقديم مشاريع تنموية للكويت ومجتمعها.

عندما قال مسلم البراك في خطابه بناء وطن يحتاج من المعارضة توحيد الصفوف ونبذ الخلاف، لأن الخلافات والصراعات لا تولد غير الدمار للشعوب، اختصر الطريق كثيراً، وكأنه يرغب في طي صفحة الماضي والبدء بمرحلة جديدة عنوانها البناء برسم الجميع.

ويمكن القول، إن خطاب البراك عكس تحولاً وتغيراً في مسار وأساليب المعارضة من التصادم المباشر مع الحكومة إلى مد يد التعاون.

وإلى ذلك، يتعين حكومياً أن يقابل هذا التعاون، تعاوناً مماثلاً، وأول باكورة التعاون المستهدف التشكيل الحكومي المرتقب، فلا بد أن يكون وفق الطموح وأن ينتج وزراءً قادرين على إدارة الملفات العالقة باحترافية، وبما تتطلبه مستهدفات المرحلة من استحقاقات ليس أقلها وضع برنامج عمل حكومي لجميع الوزراء، على أن يكون واضحاً لا يقبل في تفاصيله أو مستهدفاته التنموية القسمة على اثنين، فلا مجال لمزيد من تقطيع الوقت مع وزراء المحاصصة والتأزيم وغير القادرين على صناعة الفارق.

وفي الملخص، واضح أن مسلم البراك أرسى في خطابه لمسلم البراك ولجميع القوى السياسية، حكوميون ومعارضون، خارطة طريق واضحة غلب عليها الحكمة في نبذ الخلافات والتقاطع على البناء لمصلحة الكويت والكويتيين.

ومع مسلم البراك وبقية الاخوة المعارضين والتمنيات بحكومة قادرة على تفادي التلاطم بأمواج وتحديات الخلاف والصراع غير المستحق، ستبقى سفينة الكويت محروسة برعاية أميرها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، وولي عهده الأمين سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح، مهما كانت الأمواج عاتية، حيث سيبقى شعبها متلاحماً في حب الكويت ونظام الحكم مهما كانت الأزمات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي