«حماس» وبريطانيا... والبعد الإيراني

تصغير
تكبير

ليس القرار البريطاني الذي يرى في «حماس» منظّمة إرهابيّة سوى تتويج لمسلسل الفشل الذي بدأ منذ اليوم الأوّل لقيام تلك الحركة في أواخر العام 1987 لتكون بديلاً من منظمّة التحرير الفلسطينية.

لم يكن لدى «حماس» في يوم من الأيّام سوى هدف واحد، إلى جانب خدمة إسرائيل طبعاً. كان هذا الهدف تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، المنفتح أصلا، نحو الأسوأ!

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه لماذا صارت «حماس» إرهابيّة الآن وليس منذ بدأت نشاطها؟ هل هذا عائد إلى اكتشاف بريطانيا وقبلها الإدارة الأميركيّة، ما كان معروفاً منذ فترة طويلة، أي أنّ «حماس» مجرّد أداة إيرانيّة وأنّها باتت تشكّل ورقة في لعبة كبيرة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة».

تندرج هذه اللعبة في إطار واسع هو المفاوضات الإيرانيّة - الأميركيّة التي ستحدّد ما إذا كانت إدارة جو بايدن مستعدة للرضوخ للشروط التي تسعى «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى فرضها.

لم يكن من هدف لـ«حماس» في يوم من الأيّام سوى القضاء على أيّ أمل في تحقيق تسوية سلميّة تؤمّن الحدّ الأدنى من «الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرّف» للشعب الفلسطيني.

هذا التعبير عن حقوق الشعب الفلسطيني وارد في أحد قرارات الأمم المتحدة صدر في وقت كانت منظمة التحرير الفلسطينية في عهدها الذهبي بفضل الإنجازات السياسية التي حقّقها ياسر عرفات في مرحلة ما بعد الخروج من لبنان.

كانت مرحلة الوجود المسلّح الفلسطيني مسيئة للبنان وللقضيّة الفلسطينية في الوقت ذاته.

لم تخرج منظمة التحرير من أسر زواريب بيروت إلّا بعد العام 1982 وصولاً إلى اتفاق أوسلو للعام 1993، بحسناته وسيئاته، والذي ينسى كثيرون أنّه سمح بعودة «أبو عمّار» إلى أرض فلسطين ومباشرة نوع جديد من النضال لعبت «حماس» دوراً في افشاله.

تكفّل اليمين الإسرائيلي في استكمال مهمّة «حماس» في هذا المجال... وذلك من دون التغاضي عن أخطاء كبيرة لـ«أبو عمّار» الذي لم يعرف إسرائيل من داخل يوماً، مثلما لم يعرف كيف تعمل السياسة الأميركية في واشنطن.

لعلّ الإنجاز الأهمّ لـ«حماس»، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الاخوان المسلمين، يتمثّل في الدور الذي لعبته في خدمة اليمين الإسرائيلي.

لعبت هذا الدور من خلال العمليّات الانتحاريّة التي نفذتها في كلّ مرّة كان هناك بريق أمل في تحقيق انجاز ما. عندما أدّت العمليات الانتحاريّة غرضها، انتقلت الى مرحلة اطلاق الصواريخ من غزّة.

صحيح أنّ في الإمكان القول إن إسرائيل لم تكن مستعدّة يوما لقبول خيار الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، لكنّ الصحيح أيضا انّ «حماس» لعلبت في كلّ وقت الدور المطلوب منها في خدمة ارييل شارون ثمّ بنيامين نتانياهو اللذين كانا يردّدان، بفضل صواريخ غزّة، في كلّ مناسبة انّ «لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه».

في الطريق الى القرار البريطاني، كان المنعطف الأساسي الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة صيف العام 2005. انسحبت إسرائيل من كلّ القطاع، بما في ذلك من المستوطنات التي اقامتها فيه.

بدل استغلال فرصة الانسحاب الإسرائيلي من غزّة كي يظهر الفلسطينيون انّ في استطاعتهم إقامة نواة لدولة فلسطينيّة مسالمة مستعدّة للعيش بسلام مع محيطها، انتقلت «حماس» الى نشر فوضى السلاح في القطاع مستفيدة من ضعف السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ممثلة برئيسها محمود عبّاس (أبو مازن) الذي لم يستطع في ايّ وقت ممارسة دور القيادي الذي يفرض عبره رؤيته.

تغاضى «أبو مازن» عن كلّ ممارسات «حماس» وبعض القياديين الفلسطينيين المنتمين الى السلطة الذين لم يترددوا في نهب المنشآت التي تركها الإسرائيليون من منطلق انّها غنائم حرب.

في الواقع، انسحبت إسرائيل من غزّة وتركت «حماس» تنفّذ انقلابها على السلطة الوطنيّة منتصف العام 2007 لعلمها التام انّ كلّ ما تقوم به الحركة يصبّ في خدمة مآربها في الضفّة الغربيّة.

من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى حديث لدوف فايسغلاس مدير مكتب ارييل شارون.

جاء في الحديث الذي نشرته صحيفة «هآرتس»، مباشرة بعد تنفيذ الانسحاب من غزّة ان وراء الانسحاب من القطاع رغبة في الإمساك بطريقة افضل بالضفّة الغربيّة.

لم تكن غزّة تهمّ إسرائيل يوما.

كانت تبحث في كلّ وقت عن طريقة للتخلّص منها بأي وسيلة...

في العام 2001، اتخذت بريطانيا قرارا يعتبر الجناح العسكري في «حماس» (كتائب عزّالدين القسّام) منظمة ارهابيّة. لماذا لم تعد تفرّق في أواخر السنة 2021 بين الجناح العسكري والجناح السياسي في «حماس»، علما ان التفريق بين الجناحين من النوع المضحك المبكي أصلا؟

قد يكون الجديد في الامر أنّ «حماس» التي لم تتمكن من اثبات انّها حركة فلسطينية مستقلّة، وهي لم تكن كذلك يوما، باتت تحت السيطرة الايرانيّة اكثر من أي وقت. تثير مثل هذه السيطرة مخاوف من انتقال تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة الايرانيّة الى قطاع غزّة.

يبدو ذلك السبب الحقيقي للقرار البريطاني النابع من ادراك تام لخطورة أي حرب جديدة بين إسرائيل وغزّة. ستؤذي الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة إسرائيل من دون ادنى شكّ، لكن الأذى الكبير سيلحق بغزّة نفسها التي لا يزال أهلها يعانون من حروب سابقة.

هناك غزاويون ينامون في العراء بعدما تهدّمت بيوتهم في حرب أواخر 2008 أوائل 2009!

لم يعد في الإمكان فصل ما تشهده غزّة عن الوضع الإقليمي.

هناك احتمال كبير ان يكون القرار البريطاني دليلا على تغيير في السياسة الاميركيّة التي بدأت تنظر بقلق شديد الى الصواريخ والطائرات المسيّرة الايرانيّة وطرق استخدامها، اكان ذلك في العراق او في اليمن.

انضمت غزّة إلى الأوراق الإيرانية في الضغط على الإدارة الأميركية ودول حليفة مثل بريطانيا من اجل فصل الملفّ النووي عن سلوك «الجمهوريّة الاسلاميّة» خارج حدودها.

بكلام أوضح، انضمت غزّة الى العراق وسورية ولبنان واليمن حيث الوجود الإيراني القوي عبر ميليشيات مذهبيّة.

كلّ ما في الامر، أنّ «حماس» السنّية تثبت مدى عمق العلاقة بين ايران والاخوان المسلمين وعمق التعاون بينهما منذ سنوات طويلة...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي