دخان «جهنّم» الحرائق حجب «جهنّم» المالية - السياسية
الراعي يهاجم «حزب الله»: لا يمس كرامة لبنان حل الأزمة مع الخليج بشجاعة وطنية
- بري يصوّب على عون: أخطر الحرائق التي لا يمكن إخمادها هي الحرائق المذهبية والطائفية المندلعة في النفوس
- «حزب الله» في جرود عيون السيمان... «عرْض قوة» بوجه مَن؟
عيْن على «جهنّم» الحرائق التي زنّرت مناطق واسعة في الجنوب وبلدات في المتن، وعيْن أخرى على «جهنّم» المالية - المعيشية التي لم يكن ينقصها إلا الأزمة الديبلوماسية - السياسية الأكبر بين لبنان ودول الخليج العربي ليقترب الوطن الصغير من «احتراق» حبل النجاة الرئيسي له من الارتطام المميت.
هكذا بدا المشهد في بيروت أمس، عشية أسبوعٍ يُتوقّع أن يُضاف إلى «عمر» الأزمة مع الخليج الذي يَمْضي في توجيه رسائل بأن مسار التشدّد مع لبنان ربْطاً بوضعيّة «حزب الله» الحاكمة لواقعه والمتحكّمة بقراراته الداخلية وخياراته الخارجية سيستمرّ بخطوات متدرّجة.
ويسود انطباعٍ متزايد لدى أوساط مطلعة بأن السلطات الرسمية في «بلاد الأرز» فقدت بالكامل زمام المبادرة في هذه الانتكاسة الخطيرة لعلاقاتها مع دول الخليج، وأنها باتت تستخدم وضْع هذه البلدان الإصبع على «أصل المشكلة» بالنسبة إليها لتبرير التلكؤ أو العجز عن معالجةِ «جزئيةٍ» من الأزمة شكّلتْها مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي العدائية للسعودية والإمارات وبعدها التسجيلات المسيئة للمملكة لوزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
وبعد تكرار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في هذا الإطار، أن «لا أزمة مع لبنان إنّما هناك أزمة في لبنان»، معتبراً أنّ «على الطبقة السياسية اللبنانية اتخاذ ما يلزم لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله الذي يستخدم القوة العسكرية لفرض إرادته على الشعب اللبناني»، عكستْ مواقف قادة في «حزب الله» أمس أن مسألة استقالة قرادحي أو إقالته «خارج النقاش» وهو ما يؤشر إلى أمرين:
• الأول أن المناخات التي تشيع أن ثمة «بقعة ضوء» حيال إمكان إفراج الحزب عن جلسات مجلس الوزراء المعلّقة منذ فتْح معركة إقصاء المحقق العدلي في بيروتشيما القاضي طارق بيطار لا ترتكز على معطيات جدية، ولا سيما أن أي اجتماع للحكومة من دون اتخاذ خطوة أو موقف من خطيئة قرداحي سيعني «تجديد الثقة» بوزير الإعلام وهذه المرة من مجلس الوزراء مجتمعاً، في حين أن طرْح مسألة إقالته دونها رفْض «حزب الله» المسبق لمثل هذا الأمر الذي تم ربْطه بـ «فتيلٍ» يودي بالحكومة التي مازال رئيسها نجيب ميقاتي يتمسكّ برفض تطييرها متكئاً على دعم غربي كرره أخيراً وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن.
• والثاني أن المهمة التي يُرتقب أن تضطلع بها قطر عبر وزير خارجيتها الذي يُرجح أن يزور بيروت في اليومين المقبلين مرشّحة لأن تلقى مصير تحرك الجامعة العربية التي لم تنجح في الحصول من لبنان الرسمي على «طرف خيْط» لمحاولة فرْملة تدهور علاقات بيروت بدول الخليج والتخفيف من التهوّر اللبناني في مقاربة هذه «العاصفة الديبلوماسية».
ولاحظت أوساطٌ مُتابِعَة أنه على وهج رَسْمِ الرياض خصوصاً الإطار السياسي الشامل للأزمة بوصْفها في لبنان وأن حلّها في أيدي أبنائه وقادته، فإن «حزب الله» لم يتوانَ عن تظهير تَفَوُّقه الداخلي من خلال ما اعتبره خصومه «عرض قوة» عسكرياً في جرود عين السيمان (جبل لبنان) الفاصلة عن البقاع الشمالي، حيث تحدثت تقارير (وكالة الأنباء المركزية) عن مناورةٍ صامتةٍ أجْراها الحزبُ تُحاكي التطورات اللبنانية الأخيرة من خلال معسكر تدريب أقامه لعناصره وفكّكه (السبت)، وذلك بعدما كان نُقل عن مواطنين أَنَّ عناصر من الحزب بلباس أسود وبكامل أسلحتهم، نفذوا انتشاراً كثيفاً في جرود المنطقة ونصبوا كاميرات مراقبة في المكان وعمدوا إلى إيقاف بعض السيارات من دون معرفة خلفيات التوقيف.
وعلى وقع هذا الأفق المقفَل، رفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السقف إلى أعلى مستوى في ما خص الأزمة مع الخليج، وذلك بعدما كان دخل على خط التمني على قرداحي الاستقالة من دون جدوى.
وقال الراعي أمس: «من المؤسف حقاً أن بعض المسؤولين السياسيين والمتعاطين العمل السياسي، يتلكؤون عن معالجة الأزمة الحادة الناشبة مع دول الخليج. إن استنزاف الوقت يدخلنا في أزمة استنزاف اقتصادية ومعيشية تصعب الحل، ما يضر بمصالح مئات ألوف اللبنانيين ومصالح التجار والصناعيين والمزارعين وقطاعات لبنانية أخرى».
وشدد في غمز من قناة «حزب الله» على أن «حل هذه الأزمة بشجاعة وطنية، لا يمس كرامة لبنان، بل إن تعريض اللبنانيين للطرد والبطالة والفقر والعوز والعزلة العربية هو ما يمس بالكرامة والسيادة والعنفوان. إن تحليق سعر الدولار إلى حد يعجز فيه المواطنون من شراء الحاجيات الأساسية، لا سيما عشية الأعياد المقبلة، هو ما يمس بالكرامة ويذل الناس. الكرامة ليست مرتبطة بالعناد إنما بالحكمة، وبطيب العلاقات مع كل الدول وبخاصة مع دول الخليج الشقيقة، ذلك أن دورها تجاه لبنان كان إيجابياً وموحِّداً وسلمياً، لا سلبياً وتقسيمياً وعسكرياً».
وأضاف: «لا يحق لأي طرف أن يفرض إرادته على سائر اللبنانيين ويضرب علاقات لبنان مع العالم، ويعطل عمل الحكومة، ويشل دور القضاء، ويخلق أجواء تهديد ووعيد في المجتمع اللبناني. ولا يحق بالمقابل للمسؤولين، كل المسؤولين، أن يتفرجوا على كل ذلك، ويرجوا موافقة هذا الفريق وذاك. هذا هو فقدان الكرامة وهذا هو الذل بعينه".
وسأل «أي منطق يسمح بتجميد عمل الحكومة والإصلاحات والمفاوضات الدولية في هذه الظروف؟ إن الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني تريد الخروج من أجواء الحرب والفتنة والصراع، والدخول في عالم السلام الشامل والدائم والتلاقي الحضاري. ما لنا بحروب المنطقة وبمحاورها؟ ما لنا بصراعاتها وبلعبة أنظمتها؟ ما شأننا لنقرر مصير الشعوب الأخرى فيما نحن عاجزون عن تقرير مصيرنا، بل عن اتخاذ قرار إداري»؟
وختم "إذا كان البعض يعتبر الحياد حلاً صعباً، فإننا نرى فيه الحل الوحيد لإنقاذ لبنان. لقد بات متعذراً إنقاذ الشراكة الوطنية من دون الحياد. وكلما تأخرنا في اعتماد هذا النظام كلما تضررت هذه الشراكة ودخل لبنان في متاهات دستورية لا يستطيع أي طرف أن يحدد مداها».
وفي موازاة ذلك، شكّلت الحرائق الهائلة التي اندلعت في الجنوب قبل إخماد غالبيتها أمس لتستعر أخرى في بيت مري (المتن) والتي ظهّرت إمكانات الدولة شبه المعدومة للتصدّي لأي كوارث طبيعية، عنوانَ تجاذُب سياسي «موصول» بـ«التوتر العالي» في علاقة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والذي انفجر الأسبوع الماضي، الأمر الذي عزّز الاقتناع بأن «التدافُع بين مكوّنات الحكومة والذي انفجر على خلفية ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مازال يُرْخي بثقله على أي مساعٍ لمعاودة تفعيل عمل مجلس الوزراء، هذا قبل الحديث عن المأزق الأكبر الذي بات لبنان بمواجهته في أزمته مع الخليج».
فالرئيس بري وفي معرض تعليقه على الحرائق في أكثر من منطقة لبنانية خصوصاً التي أتت على مساحة شاسعة من المناطق الحرجية في قرى قضاء صور وعلى ضفتي نهر الليطاني، قال «قبل أسابيع في أكروم وجرود عكار وقبلها في الجبل وجرود الهرمل والشوف واليوم يحط مسلسل الحرائق في احراج الجنوب وهي في زمانها وجغرافيتها وتوقيتها تطرح جملة من التساؤلات نضع الاجابة عنها برسم الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة التي يجب أن تسارع لإجراء تحقيقاتها وتحديد المسؤليات والأسباب التي أدت لحصول هذه الكارثة، اذا لم نقل هذه الجريمة».
وأضاف في تصويب على عون من دون تسميته: «في الوقت الذي تكاد ألسنة النيران تلتهم آخر ما تبقى من مساحات خضراء في لبنان من خلال حرائق عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق، ألم يحن الوقت للاقتناع بأن تحصين الوطن وحفظ ما تبقى من ماء الوجه الوطني وطبعاً ما تبقى من ثروة حرجية يكون بالإقرار بتعيين مأموري أحراج خارج القيد الطائفي؟ إن أخطر الحرائق التي لا يمكن إخمادها هي الحرائق المذهبية والطائفية المندلعة في النفوس».
يُذكر أن قصة مأموري الأحراج تجترّ منذ ديسمبر 2016 حين أعلنت نتائج مباراة أجراها مجلس الخدمة المدنية لتوظيف مأمورين، إلا أن مرسوم تعيين الفائزين لم يُوقَّع من رئيس الجمهورية بداعي«مقتضيات الوفاق الوطني» وفقدان التوازن الطائفي.