«النووي الإيراني»... مفاوضات مستحيلة على «اتفاق ميت»

حوادث السفن بين إيران والولايات المتحدة تصاعدت في الآونة الأخيرة  (ا ف ب)
حوادث السفن بين إيران والولايات المتحدة تصاعدت في الآونة الأخيرة (ا ف ب)
تصغير
تكبير

- جولة 29 نوفمبر الأولى بالمنظار الإيراني والسابعة بالمعايير الأميركية
- البرنامج النووي يمضي بلا كوابح وكثير من التزامات 2015 لم يعد موجوداً في 2021
- المفاوضات في مأزق كبير لأن الوقت ليس في صالح الطرفين
- أي اتفاق جديد قد يتعدّى البرنامج النووي إلى رسم خريطة النفوذ في المنطقة

ما بين نهاية يونيو ونهاية نوفمبر، خمسة أشهر توقفت خلالها المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، لإعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015.

هذا المسار الذي بدأته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ الربيع الماضي، يهدف لإعادة قطار الاتفاق إلى سكته، التي خرج عنها في مايو 2018، بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن الإفرازات المتراكمة منذ ذلك الحين تجعل من شبه المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

حتى في الشكل، التضارب جليّ بين الطرفين، فإيران تتحدث عن «انطلاق» مفاوضات فيينا في 29 نوفمبر الجاري، فيما ترى واشنطن (ومعها الثلاثي الأوروبي الموقع على الاتفاق: بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، في الاجتماع المرتقب «استئنافاً» للمحادثات التي جرت مع حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.

وهذا يعني أن الجولة المقبلة هي الأولى بالمنظار الإيراني، فيما هي السابعة بالمعايير الأميركية - الأوروبية.

وتالياً، فإن أي تقدم «مُفترض» أحرز في المفاوضات السابقة مع فريق روحاني، لن يعترف به فريق الرئيس إبراهيم رئيسي.

في المضمون، يبدو المشهد أكثر تعقيداً وتشابكاً، فإدارة بايدن تؤمن بأن إحياء الاتفاق هو السبيل الأمثل للسيطرة على البرنامج النووي الإيراني، وتعرض في سبيل ذلك التخلي عن جزء كبير ومهم من العقوبات المفروضة على إيران، لكنها في المقابل غير مستعدة لرمي كل أوراق القوة دفعة واحدة والتخلي عنها، كما تطالب طهران، قبل حسم الملفين الآخرين المرتبطين ببرنامج الصواريخ البالستية والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

في المقابل، تريد طهران ضمانات مهمة أولها أن أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يسقط بخروج الرئيس الحالي من البيت الأبيض، وثانيها أن تحصل الشركات الغربية والآسيوية على تطمينات أميركية جدية وعلنية بأن دخولها السوق الإيراني آمن ولن يجرّ عليها عقوبات يوماً ما.

بين ما تريده واشنطن وما تطالب به طهران، هناك واقع بدأ يرتسم منذ بداية العام 2020، وتعزز في العام 2021، وهو أن البرنامج النووي يمضي قدماً بلا كوابح، وأن التزامات كثيرة واردة في اتفاق 2015 لم يعد لها وجود في 2021 (درجة تخصيب اليورانيوم - مخزون اليورانيوم - عدد ونوعية أجهزة الطرد المركزي...) ما يطرح تساؤلات جدية عن جدوى إحياء اتفاق 2015 في 2021.

وهذا يعني، أنه عندما تدخل المفاوضات في العمق، سيجد فريقا التفاوض أمامهما معضلة يصعب القفز عنها، وهو ما سيحتم عليهما، سلوك أحد مسارَيْن: الأول يتمثّل بإبرام اتفاق جديد يكون اتفاق 2015 جزءاً أساسياً منه، ومرتكزاً أساسياً له.

الثاني أن يعودا إلى طهران وواشنطن بخفي حنين، ما يعني طي صفحة الديبلوماسية، والذهاب إلى المواجهة.

أمام هذا الواقع، تبدو فرص نجاح مفاوضات فيينا توازي فرص فشلها.

وعلى الرغم من الرغبة الشديدة للطرفين بالوصول إلى تفاهم، لأسباب مختلفة، فإن التشدد الذي تبديه الحكومة الإيرانية الجديدة وعدم قدرة واشنطن على رفع كامل العقوبات دفعة واحدة وتقديم الضمانات التي تطالب بها طهران، يجعل المفاوضات في مأزق كبير، لا سيما أن الوقت ليس في صالح الطرفين. فمن جهة تريد طهران الإسراع في إنعاش اقتصادها المتداعي، ومن جهة ثانية ترغب واشنطن في تجنب «الخيارات الأخرى» لكبح البرنامج النووي، على رأسها الخيار العسكري، لتداعياته الكبيرة وتعارضه مع استراتيجيتها الجديدة (الانسحاب من الحروب والتفرغ لمواجهة الصين).

بعد أشهر قليلة، ومع استمرار التقدم في البرنامج النووي سيصبح اتفاق 2015 منتهي الصلاحية، ما يعني حتمية إبرام اتفاق جديد بين واشنطن وطهران، ربما لا يقتصر هذه المرة على البرنامج النووي بل يتعداه لرسم خريطة النفوذ في المنطقة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي