قضية «وديعتيْ» مؤسسة التأمينات ممنوعتي الصرف تثير حقيقة مزدوجة وصادمة
هذه حال أموال المودعين... في بنوك لبنان
- تدهور سعر العملة قلّص قيمة ودائع الليرة المحررة أكثر من 90 في المئة
حرّكتْ مطالباتٌ مستجدة بالكشف عن مصير أموال مودعة في البنوك اللبنانية لمصلحة مؤسسات عامة كويتية، قضيةً شائكة تتصل بحجم مبالغ تصل حالياً إلى نحو 26 مليار دولار مصنَّفة تحت بند ودائع غير المقيمين، والذي يشمل مجمل الحسابات الادخارية للبنانيين عاملين في الخارج ومغتربين كما يشمل حسابات توظيفات لأفراد ومؤسسات من غير اللبنانيين، وغالبيتها يعود لخليجيين وسوريين وعراقيين ويمنيين وسواهم.
وبمعزل عن إثارة ملف وجود وديعتين لم تستطع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية استردادهما حسب التقرير السنوي لديوان المحاسبة، وما يصاحبه من تساؤلات في شأن خلفية توظيف استثمارات في مصرف لبناني خاص، تبدو الإجابة البديهية موحدة بتعذر التسييل والتحويل العادي لكل أصحاب الحسابات الادخارية في مصارف لبنان، من مقيمين وغير مقيمين والبالغة حاليا نحو 137 مليار دولار، حيث تخضع جميعها لقيود تبدأ بسقوف يبلغ متوسطها 10 ملايين ليرة شهريا ( نحو 475 دولارا حالياً بسعر السوق الموازية لتصريف العملات)، وتمر بتخصيص المستفيدين ( بناء لموافقتهم ) بـ800 دولار شهرياً موزعة مناصفة بين صرف الدولار النقدي والاستبدال بالعملة الوطنية بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار.
وتمثل في الخلفية التقنية ربْطاً بواقع العمليات الخاصة بالسحوبات، حقيقة مزدوجة وصادمة في ما خص تسييل المبالغ المتاحة من الودائع. فكل الودائع المحررة بالليرة خسرت فعلياً أكثر من 90 في المئة من قيمتها بفعل تدهور سعر العملة الوطنية.
وبذلك، فإنه بالقياس «النظري»، يتم تقدير قيمة هذه المدخرات بنحو 32 مليار دولار، أي بنحو 23.5 في المئة من إجمالي ودائع الزبائن المقيمين وغير المقيمين، باحتساب سعر الصرف الرسمي البالغ 1507 ليرات لكل دولار، كما هي موقوفة بنهاية الفصل الثالث من العام الجاري. بينما تقلصت في قيمتها الواقعية أو السوقية إلى نحو 2.3 مليار دولار فقط وفق سعر الدولار الرائج.
في المقابل، تخضع السحوبات من الحسابات الدولارية البالغة حالياً نحو 106 مليارات دولار إلى اقتطاع بنحو 82 في المئة من قيمتها عند تنفيذ عمليات السحب التي تجري بالليرة ضمن سقوف محددة لا تتعدى 5 آلاف دولار شهرياً وبسعر 3900 ليرة لكل دولار.
مع التنويه باستثناء نسبي للمستفيدين من الحصص الشهرية، وفق تعميم البنك المركزي رقم 158 الذي بوشر بتنفيذه منتصف العام الجاري، والبالغ عددهم نحو 130 ألف مودع، حيث يتاح لهم سحب 400 دولار نقداً كل شهر وحصة مكافئة تصرف بالليرة باقتطاع تصل نسبته 43 في المئة.
أما الودائع المندرجة ضمن فئة غير المقيمين، فهي تتحرك بوتيرة أقلّ اضطراباً، باعتبار أن نحو 91 في المئة منها محرَّرة بالعملات الصعبة، ويؤُثر غالبية أصحاب الحسابات، كما كبار المودعين من المقيمين، التريث في إجراء سحوبات تخضع للقيود والاقتطاعات، باعتبار أن أي تقدُّم تحققه الحكومة في الاتفاقية الموعودة مع صندوق النقد سينعكس تلقائياً على العمليات المصرفية والسحوبات والتحويلات ولو ضمن مندرجات مشروع القانون الخاص بتقييد الرساميل ( كابيتال كونترول). علماً أن كثيرين منهم لجأوا إلى إجراء عمليات تقاص لسداد ديون قائمة أو سحب شيكات لشراء عقارات وأسهم بهدف ضمان جزء من الاستثمار.
الجهاز المصرفي مغلول في لبنان
وفق مسؤول مصرفي تواصلت معه «الراي» يبقى التيسير الجزئي للسيولة من الودائع «المحبوسة» بعد سنتين ونيف من انفجار الأزمتين النقدية والمالية ووقوع البلاد في أتون انهيارات اقتصادية ومعيشية عاتية دفعت بنحو 80 في المئة من السكان إلى ما دون خط الفقر، بمنزلة الإشارة ليس إلا بأن الجهاز المصرفي ما زال «حياً» إنما مغلول اليد والقدرة على استعادة أنشطته ما لم يتم اعتماد خطة حكومية للانقاذ والتعافي توطئة لعقد اتفاقية برنامج تمويلي موعود مع صندوق النقد الدولي.