مجرد رأي

الحكومة تحتكر الأراضي

تصغير
تكبير

لعل أكثر ما يحيرني في عمل بعض المؤسسات الحكومية أنها تعيش مع ذاتها المتناقضة بسلام، فبين رؤيتها للتنمية، وهي بالمناسبة معلنة مئات المرات على لسان مسؤوليها، وأفعالها على أرض الواقع، مصدر تناقض، لا ينقطع حيث قام جهاز متابعة الأداء الحكومي باستطلاع رأي الجهات الحكومية وتصوراتها في شأن أراضي التخزين التي بحوزتها منذ سنوات، ونتج عن هذه التوصيات أن كلف مجلس الوزراء أخيراً الهيئة العامة للاستثمار بدراسة مدى الجدوى من تأسيس شركة حكومية مقفلة لإنشاء وإدارة وتشغيل مناطق تخزينية عمومية للمواد الغذائية والدوائية والمستلزمات الطبية وغيرها، وبيان احتياجاتها من الأراضي والمساحات اللازمة، وكذلك كل ما يتعلق بها من خدمات لوجستية وبنية تحتية «الطرق، موانئ، منافذ برية، مواقع خدمية حكومية، وغيرها»، وموافاة جهاز متابعة الأداء الحكومي بتقرير مفصل بهذا الشأن وذلك خلال ستة أشهر من تاريخه.

بالطبع لا يوجد داعٍ لإبراز ما يمثله ذلك من تناقض بين رؤية الحكومة في زيادة مساهمة القطاع الخاص، وتصرفاتها العملية في زيادة الهيمنة على الاقتصاد... ان إنشاء شركة حكومية مساهمة مقفلة لاحتكار أراضي التخزين ينطبق عليه المثل «لا طبنا ولا غدا الشر» لاسباب كثيرة... ادعاء الحكومة بعدم توافر السيولة الكافية للرواتب، فكيف لها بتحمل أعباء توفير سيولة ضخمة لبناء البنية التحتية والمباني لكل أراضي التخزين في الدولة.

أضف الى ذلك أنه لا يمكن لشركة واحدة ان تقوم ببناء كل أراضي التخزين في وقت واحد مما سوف يترتب عليه تأخر انجاز كل تلك المخازن لسنوات طويلة مع ما نعيشه الآن من نقص حاد في أراضي التخزين. وإذا كنت لا أمانع الحضور الحكومي في الحياة الاقتصادية من خلال المحافظة على حصة من الأعمال، إلا أن هذه الحصة ينبغي أن تكون وفقاً للنموذج العالمي والخليجي بقدر ما يناسب الرقابة وللتدخل لتصحيح أي اعوجاج قد ينشأ في المسار العام مستقبلاً.

وكذلك لا ينبغي أن يكون هذا الدور على حساب حصة مساهمة القطاع الخاص الذي يمتلك المال والخبرة الكافيين في إنشاء وإدارة المناطق التخزينية إذا حررت الدولة له جزءاً من الأراضي التي تحتكرها. ولتنامي القيمة المضافة وتحقيق الفائدة المزدوجة، يجب أن تعود الحكومة لفلسفة رؤيتها والالتزام بمستهدفاتها الشفوية، فمن ناحية تكون بذلك منسجمة مع رؤيتها، ومن جهة ثانية تكون مؤمنة بشريكها القطاع الخاص الذي تعيش شركاته على أمل أن تفي الحكومة بوعودها وتشاركه في تحقيق رؤيتها للتنمية، بأفعال وليس أقوالاً.

علاوة على ذلك، تكون الحكومة قد نجحت في ترشيق ميزانيتها بتقليص احتياجاتها المستقبلية من الرواتب وضمنت زيادة توظيف المواطنين في شركات القطاع الخاص من دون تحمل كلفة ذلك. في نهاية الأمر، قد يكون عيش حياة متناقضة عبارة عن سمة حكومية في عمقها، إلا أنني مقتنع بأن هذه السمة صناعة كويتية تحير حتى الحكومات المشابهة في تفاصيلنا الاقتصادية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي