عبد الغني الماوري / عندما تتحوّل الحرية إلى عدو!

تصغير
تكبير
في اليوم التالي للانتخابات اللبنانية، التي جرت في السابع من يناير الماضي، نشرت صحيفة «السياسية» التي تصدر عن الوكالة الرسمية اليمنية صورة لرجل وعروسه، وهي في ثوب الزفاف، وهما يدليان بصوتيهما في مدينة بيروت. وقد حصلت هذه الصورة على إعجاب كثيرين من القراء، لكن جهات دينية متشددة عبرت عن غضبها، وهددت برفع هذا الامر الى القضاء ما لم تعتذر الصحيفة، وتعاقب الصحافي الذي قام باختيار الصورة، وقد حصلت هذه الجهات على ما تريده، فقد اعتذرت الصحيفة، وتم إيقاف المسؤول عن ذلك لمدة شهر، ومنعه من الدخول إلى مبنى الوكالة أثناء فترة العقوبة. ورغم انه قد تم التراجع عن هذا القرار الا انه يكشف بوضوح مدى تأثير هذه التيارات الدينية، خصوصاً تلك التي لديها موقف معادٍ من الحرية على من يفترض انهم طليعة المجتمعات وهم الصحافيون.

كثيرون استغربوا اثارة عاصفة على صورة عادية بثتها وكالات الأنباء ونشرتها صحف عربية مختلفة، خصوصاً ان صحيفة «السياسية» اليمنية تعودت نشر صورة كبيرة في الصفحة الاخيرة على غرار صحيفة «الحياة» اللندنية وصحيفة «القدس العربي»، وغالباً ما تكون هذه الصور لنساء وهنّ في كامل أناقتهن.

في الحقيقة، ان الاعتراض الذي ابداه المتشددون الدينيون على الصورة لم يكن فقط بسبب ما قيل إن فستان العروس فاضح! وانما لان الصورة تحرّض على القيام بعمل اكثر فضاحية، أي الانتخابات، التي تُعد، حسب هؤلاء، اغتصاباً لحق الله في الحكم والتشريع. لذلك، وحسب اهم علماتهم، «لا يصح اسلام المرء حتى يكفر بالديموقراطية».

تكمن خطورة هذا الفكر انه يجعل من الحرية عدواً يجب مواجهته، في حين ان الحرية تعادل الحياة، وهي معنى في غاية الاهمية التفت اليه المفكر الإسلامي الكبير ابن باديس عندما قال: «ان حق الانسان في الحرية كحقه في الحياة، فمقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية».

قبل نحو عامين، اعطاني احد زملائي مشروع كتاب قام بتأليفه احد اصدقائه، من اجل ان اطلع عليه واسعى إلى نشره في المكان الذي اعمل فيه.

قرأت الكتاب، وصُعقت، فقد كان الكتاب يتحدث عما اسماه الاعيب يهودية، وكان من ضمن هذه الالاعيب الحرية التي تمثل، حسب وجهة نظره، سلاحاً يهودياً لتدمير الاسلام والسيطرة على العالم.

قلت لزميلي: «قل لمؤلف الكتاب، لقد بذلت جهداً جيداً، لكن عليك ان تترك هذا الفكر المتشدد الذي يتعامل مع القيم الإنسانية، مثل الحرية والمساواة باعتبارهما مؤامرات يهودية، وسيكون اليهود في غاية السعادة اذا تم إلصاق هذه التهمة بهم»!

وفي هذا الصدد، قد يكون من المناسب التذكير بأن الكتب المعادية للحرية التي تصدر في العالمين العربي والاسلامي اكثر من تلك التي تنادي بها، وهي مسألة محيرة فعلاً، وتحتاج الى نقاش هادئ وعميق، فهذا السبيل الاكثر صواباً لفهم الاسباب الحقيقية التي جعلت الحرية تتحول من مطلب حضاري وانساني الى مؤامرة خارجية.

لا يكفي القول إن الخلط الواضح والمتعمد بين الحرية والانحلال، هو السبب وراء هذا الانقلاب في التفكير الاسلامي، رغم ان الحرية هي أحد المبادئ الاساسية التي دعا اليها الاسلام، ولا تزال مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب «متى استعبدتهم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً» تملأ المكان.

اليوم يوجد داخل التيار الاسلامي وخارجه من يحاول رد الاعتبار للحرية، لكن هؤلاء يواجهون خصماً لديه ارث من التسلط يستند على قداسة دينية، قادر على تحوير النصوص المقدسة لمصالحه الضيقة، وبسب الامية العلمية والدينية، على حد سواء، تزيد قدرة هذا الطرف على التأثير على البسطاء الذين يتعامل معهم بقسوة وتعالٍ.

قبل اشهر عدة، سعى بعض رجال الدين في اليمن الى تكوين هيئة للدفاع عن الفضيلة، على غرار هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد توقف المشروع موقتاً، اذ لم تسمح الظروف التي تمر بها البلاد بتمرير هكذا مشروع. ثمة اتجاه لدى هؤلاء للوصاية على الناس الذين غالباً ما يثقون بهم.

في المقابل، هناك من يصمم على التفاؤل، ويعولون على تطور المجتمعات العربية، وعلى رجال الدين البارزين الذين يملكون فكراً متحرراً، واجتهادا مغايراً للسائد، لكن غالبية هؤلاء يريدون الحرية من اجل استخدامها كمطية للوصول الى التحكم بالسلطة والناس. الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي احد هؤلاء الذين يشار اليهم بالبنان عندما يتعلق النقاش بالتجديد الديني، وقد طالب أخيراً باطلاق الحريات العامة بين افراد الشعوب الاسلامية، معتبراً ان ذلك امرٌ مقدمٌ على تطبيق الشريعة. وهو رأيٌ تشاركه فيه الكثير من المرجعيات الاسلامية المختلفة التي تحاول اعطاء الحرية معايير خاصة جداً تتفق وافكارهم التقليدية، تحت حجة رفض الافكار الاتية من الغرب الكافر، ما يعني اننا قد نحتاج الى زمن طويل، حتى نغيّر من افكارنا تجاه الحرية التي تُعد بحق اهم القيم الانسانية على الاطلاق.



عبد الغني الماوري

صحافي وباحث يمني، وهذا المقال يُنشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»

www.minbaralhurriyya.org
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي