تناقلت الأخبار عن جريمتين مروعتين خلال الأسبوع الماضي هزت وجدان كل إنسان يخاف الله.
الخبر الأول، جريمة منطقة السالمية - أم تقوم بحبس ابنتها الشابة في غرفة الخادمة، ومن ثم تقتل وتترك جثتها ملقاة في الحمام من سنة 2016 وحتى تاريخ انتشار خبر هذه الجريمة، تحللت الجثة خلال هذه السنوات ولم يتبق منها إلا العظام.
ولكي تبقى الجريمة البشعة طي الكتمان، أغلقت فتحات التكييف المركزي، واستبدلت بوحدات التكييف المنفصلة لئلا تنتشر رائحة الجثة؟
لا شك، انها جريمة مروعة ومفزعة عصفت بمجتمعنا الآمن المسالم.
فكيف تمكن أفراد هذه الأسرة من العيش في هذا المنزل، وممارسة حياتهم اليومية، وبصورة اعتيادية، من دون أي إحساس بفظاعة هذا الأمر وقبحه، والذي يرفضه كل إنسان لديه أدنى شعور إنساني، بل الأدهى والأمر كيف قبلت نفوسهم أن يتناولوا طعامهم ويأووا إلى فراشهم وابنتهم ملقاة في الحمام دون دفن طوال هذه السنين الطويلة؟
الأديان السماوية تحث على أن إكرام الميت دفنه.
الخبر الثاني، جريمة منطقة الرقة، حيث قام المجرم بالتربص ومراقبة الضحية في منزله لأيام عدة، وكان يرصد تحركات الضحية بعد أن عقد العزم على قتله - وبعد أن شاهد المجني عليه يخرج من منزله تحرك بسيارته وبسرعة عالية ليقوم بدهسه غدراً ومن الخلف وبصورة متعمدة قاصداً قتله، ثم يهرب بعد ذلك من موقع الجريمة بعد إتمام جريمته من دون أن تختلج نفسه أي شعور بعظم الجرم الذي ارتكبه، أو ليتدارك جريمته بالوقوف ومساعدة المجني عليه، بل انطلق إلى مستشفى الطب النفسي ليدعي أنه مريض نفسياً ليفلت من العقوبة، والعجيب في الأمر أنه تم قبوله ليرقد في المستشفى.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
حيث وصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء القوم، بأن قلوبهم كالحجارة أو أشد من الحجارة في الصلابة وانتزعت الرحمة من قلوبهم.
ومن خلال متابعة الأخبار، يتضح بأن هناك قصوراً كبيراً من جهات عدة في الدولة.
ففي الجريمة الأولى - حدث انفصال بين الأب والأم فكان الأطفال هم الضحية في ذلك الخصام، الذي وقع بين الزوجين وانتقمت الزوجة من الزوج بحرمانه من رؤية أطفاله، وذلك أنه عندما يحدث الانفصال بين الزوجين تنشأ الكراهية والبغض، وتختفي مشاعر الحب والاحترام الذي كان يربط بين الزوجين، وتحل محلها مشاعر الحقد والرغبة في الانتقام، ثم يبدأ النزاع على حضانة الأطفال ليقوم كل طرف بمحاولة غسل عقول الأطفال وزرع الكراهية في قلوبهم، متناسيين تلك السنوات الجميلة التي قضاها مع بعضهما، وان من الواجب عليهما إبعاد الأطفال عن أي نزاع، وعدم استخدامهم كوسيلة ابتزاز واستفزاز وضغط اتجاه أحدهما مقابل الآخر.
ولتفادي مثل هذه الأمور والسلبيات، يجب سن قوانين وتشريعات تحدد حقوق الزوجين بعد الطلاق، ولتنظيم استقرار الأسرة وحفظ كيان المجتمع دون اللجوء للقضاء ومنها:
- خلال فترة الحضانة للأطفال لا يجب حرمان أحد الوالدين من رؤية أبنائه، ففي كل أسبوع يحق للأب رؤية أولاده يومين مع المبيت، لكي لا تنقطع علاقة الأبناء بوالدهم.
- أن تكون هناك متابعة ميدانية من الاخصائيات الاجتماعيات للأطفال، وفحصهم طبياً بصورة منتظمة في المنزل للتأكد من سلامتهم عند الحاضن.
- هناك البعض من ضعاف النفوس يطالبون بمستحقات باطلة مثل (بدل إيجار شقة / تأثيث / خادمة / مدارس / سائق) بالرغم من سكنهم في منزل ذويهم، ولذلك يجب تحديد مبلغ النفقة وتكون واضحة للجميع ولا تترك مفتوحة.
- يجب تطوير وتحسين التشريعات، فالزوج يعاني من دفع أكثر من ثلث راتبه نفقة، علماً بأن الدولة حددت علاوة الطفل بمبلغ 50 ديناراً فقط، ولذلك المطلوب عدم المبالغة في النفقة.
- عدم إنهاك السلطة القضائية في قضايا الأسرة.
- اللجوء إلى القضاء في حالات الضرورة فقط عند سوء سلوك الحاضن.
أما في الجريمة الثانية فالمطلوب والواجب:
- عدم إعطاء المبررات للمريض النفسي للإفلات من العقاب بعد ارتكابه لجريمته بحجة أن لديه ملفا في الطب النفسي، وأنه يعاني من الأمراض النفسية.
- تحديد الضوابط لمن يحق له فتح ملف في الطب النفسي.
نلاحظ في هذه الجريمة أن المجرم الذي ارتكب جريمة الدهس، قام بجريمته عن سابق إصرار وترصد، حيث قام بالتخطيط لجريمته وترقب المجني عليه، ثم قام بدهسه وهرب من موقع الجريمة واتجه إلى مستشفى الطب النفسي ليتنصل من جريمته، فهل من يقوم بهذه التصرفات شخص مجنون أم أنه عاقل يدرك ويعي كل تصرفاته وهو مسؤول عنها.
إلى متى يستمر مسلسل العنف والقتل دون رادع؟
لنسأل أنفسنا عن السبب في تكرر مسلسل العنف والقتل في المجتمع، ثم نقوم بعد ذلك بوضع الخطط والدراسات لمنع هذه الظواهر الشاذة والتي تهدد كيان المجتمع.
لا شك أن هذه الجرائم مخاطرها جداً كبيرة، حيث وصل العنف إلى درجة يهدد السلم الاجتماعي والأمن الوطني واستقرار البلاد، هذه المظاهر التي تدل على انعدام الإنسانية وانتشار القسوة المفرطة غير الطبيعية والعنف غير المبرر، ووحشية دمرت الأخلاق والمشاعر الإنسانية.
- وهذه الأحداث المؤسفة ترافقت للأسف الشديد مع تفشي البطالة بين الشباب، وانتشار المخدرات بينهم، وغياب أماكن الترفيه التي يستهلك فيها الشباب طاقاتهم، وهذا ناشئ من عدم اهتمام الدولة بشؤونهم ورغباتهم في هذه السن الحرجة والحساسة من العمر، كل هذه الأمور تؤدي إلى العنف الأسري والمجتمعي بمختلف أنواعه، إضافة إلى غياب دور الأسرة في الرقابة على أبنائها وعدم تفعيل القوانين وتطبيقها.
- تتكرر هذه الجرائم والحوادث المأسوية والتي تروح ضحيتها أنفس بريئة بسبب عدم تطبيق العقوبات الصارمة بحق مرتكبيها، في حين أن المطلوب هو ضرورة معاقبة كل مجرم أياً كانت جريمته، وعدم إطالة زمن التقاضي في الجرائم خصوصاً في جرائم القتل ليتحقق الردع المطلوب، ويرتدع من تسول له نفسه الإخلال بالأمن أو ارتكاب جريمة ما.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.