إشراقات النقد / التناص الديني... عند أمل دنقل (3)
| سعاد العنزي |
... وقد فاق استدعاء أمل دنقل لها في نصوصه الشعرية بقية الشخصيات، إذ استدعاها في خمس قصائد، وفي كل قصيدة كان لها توظيفها الخاص، وفي ما يلي نموذج من النماذج التي ورد فيها ذكر السيدة مريم عليها السلام، عبر استخدام آلية اللقب، «العذراء» في قصيدة «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»:
«اسأل يا زرقاء
عن فمك الياقوت عن نبوءة العذراء». (20)
وهو هنا يربط بين شخصية زرقاء اليمامة بالسيدة مريم العذراء، فيخاطبها مرة «أيتها العرافة المقدسة»، ومرة أخرى: «أيتها النبية المقدسة»، ليوضح أهمية رؤية زرقاء اليمامة، التي اخبرت بالحقيقة فكذبها قومها، وجنوا العذاب جراء تكذيبها، لأنها شخصية مؤهلة بما وهبها الله تعالى من قدرة على الرؤية لمسيرة ثلاثة أيام، ما يؤهلها لأن تكون مستبصرة لقومها، ولكن رؤاها لم تلق القبول، ما أودى بهم للهلاك، وهاهو المثقف العربي الذي يستصبر آفاق المستقبل يعيد مرثيته لزرقاء اليمامة، الذي يبكي بين الشخصية التاريخية، التي تتطابق حالته مع حالتها، وتتماس معها، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
كما قد استدعى الشاعر هذه الشخصية في عديد من القصائد: «بكائية الليل والظهيرة»، «الموت في لوحات»، «العينان الخضروان»، «استريحي».
3- شخصية السيد المسيح عليه السلام:
حظيت شخصية المسيح باهتمام كبير من قصائد الشاعر، وكان الاستدعاء عبر آلية اللقب «المسيح»، وليس بالاسم المباشر، وهذا الأمر يراه أحمد مجاهد، بأن دلالة المسيح تحمل معنى التسامح والحزن وقول الحكمة. (21)
وهذا يتجلى من خلال نصين، الأول هو نص: «طفلتها» في ديوان «مقتل القمر»، فيأخذ من دعوة السيد المسيح قومه للإيمان بالله، وإثباته لهم بوجوده بالدلائل والبراهين، فعرض الشاعر للحظة شعورية يلتقي فيها مع المرأة المحبوبة وابنتها، بعد مرور خمس سنوات على الوداع، ويستعير الشاعر، صورة المسيح كرمز للتسامح والمحبة، مخبرا إياها بأنه سامح والدها:
«غير أن الحقد...
كان في صوتك شيء... رقاه
والمسيح المرتجى: قاتله
كان في عينيك عذر برأه...» (22)
أما يهوذا فقد ورد في النص من خلال آلية الدور، إذ يتفق أمل دنقل « مع الشاعر أحمد حجازي، على أن يهوذا هو القاتل الحقيقي للسيد المسيح، وإن خيانته تعد مثلا أعلى للذنب، وإن كان يرى أن كل ذنب مهما عظم- قابل للغفران». (23)
ولا يفوت الباحثة أن تؤكد ان استدعاء كلتا الشخصيتين قد ورد بصورة جزئية، فلم يشغلا القصيدة كاملة، ولا جزءا من القصيدة، بل من خلال مشهد من مشاهد القصيدة.
كما قد أولت قصيدة «العشاء الأخير» اهتماما كبيرا بحادثة المائدة، التي حدثت لعيسى عليه السلام وقومه، وقال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: «نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا للغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير». (24)
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
* المصادر والمراجع:
(20) الديوان، ص121.
(21) مجاهد، أحمد، المرجع السابق، ص32.
(22) «الديوان»، ص155.
(23) مجاهد، أحمد، مرجع سابق، ص118.
(24) رواه ابن الطبري في تفسيره:2/130. انظر: ابن كثير، قصص الأنبياء، مرجع سابق، 505.
... وقد فاق استدعاء أمل دنقل لها في نصوصه الشعرية بقية الشخصيات، إذ استدعاها في خمس قصائد، وفي كل قصيدة كان لها توظيفها الخاص، وفي ما يلي نموذج من النماذج التي ورد فيها ذكر السيدة مريم عليها السلام، عبر استخدام آلية اللقب، «العذراء» في قصيدة «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة»:
«اسأل يا زرقاء
عن فمك الياقوت عن نبوءة العذراء». (20)
وهو هنا يربط بين شخصية زرقاء اليمامة بالسيدة مريم العذراء، فيخاطبها مرة «أيتها العرافة المقدسة»، ومرة أخرى: «أيتها النبية المقدسة»، ليوضح أهمية رؤية زرقاء اليمامة، التي اخبرت بالحقيقة فكذبها قومها، وجنوا العذاب جراء تكذيبها، لأنها شخصية مؤهلة بما وهبها الله تعالى من قدرة على الرؤية لمسيرة ثلاثة أيام، ما يؤهلها لأن تكون مستبصرة لقومها، ولكن رؤاها لم تلق القبول، ما أودى بهم للهلاك، وهاهو المثقف العربي الذي يستصبر آفاق المستقبل يعيد مرثيته لزرقاء اليمامة، الذي يبكي بين الشخصية التاريخية، التي تتطابق حالته مع حالتها، وتتماس معها، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
كما قد استدعى الشاعر هذه الشخصية في عديد من القصائد: «بكائية الليل والظهيرة»، «الموت في لوحات»، «العينان الخضروان»، «استريحي».
3- شخصية السيد المسيح عليه السلام:
حظيت شخصية المسيح باهتمام كبير من قصائد الشاعر، وكان الاستدعاء عبر آلية اللقب «المسيح»، وليس بالاسم المباشر، وهذا الأمر يراه أحمد مجاهد، بأن دلالة المسيح تحمل معنى التسامح والحزن وقول الحكمة. (21)
وهذا يتجلى من خلال نصين، الأول هو نص: «طفلتها» في ديوان «مقتل القمر»، فيأخذ من دعوة السيد المسيح قومه للإيمان بالله، وإثباته لهم بوجوده بالدلائل والبراهين، فعرض الشاعر للحظة شعورية يلتقي فيها مع المرأة المحبوبة وابنتها، بعد مرور خمس سنوات على الوداع، ويستعير الشاعر، صورة المسيح كرمز للتسامح والمحبة، مخبرا إياها بأنه سامح والدها:
«غير أن الحقد...
كان في صوتك شيء... رقاه
والمسيح المرتجى: قاتله
كان في عينيك عذر برأه...» (22)
أما يهوذا فقد ورد في النص من خلال آلية الدور، إذ يتفق أمل دنقل « مع الشاعر أحمد حجازي، على أن يهوذا هو القاتل الحقيقي للسيد المسيح، وإن خيانته تعد مثلا أعلى للذنب، وإن كان يرى أن كل ذنب مهما عظم- قابل للغفران». (23)
ولا يفوت الباحثة أن تؤكد ان استدعاء كلتا الشخصيتين قد ورد بصورة جزئية، فلم يشغلا القصيدة كاملة، ولا جزءا من القصيدة، بل من خلال مشهد من مشاهد القصيدة.
كما قد أولت قصيدة «العشاء الأخير» اهتماما كبيرا بحادثة المائدة، التي حدثت لعيسى عليه السلام وقومه، وقال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: «نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا للغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير». (24)
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
* المصادر والمراجع:
(20) الديوان، ص121.
(21) مجاهد، أحمد، المرجع السابق، ص32.
(22) «الديوان»، ص155.
(23) مجاهد، أحمد، مرجع سابق، ص118.
(24) رواه ابن الطبري في تفسيره:2/130. انظر: ابن كثير، قصص الأنبياء، مرجع سابق، 505.