هل تريد تركيا ضم جزء من سورية؟
يكتمل مشروع تركيا في السيطرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المناطق السورية الشمالية، ويبدو أنها لا تريد الخروج منها. فقد أقامت مصانع وجامعات ومدارس وشركات اتصال وبريد ومصارف وربطاً كهربائياً، إضافة إلى استخدام للعملة التركية وتعليم اللغة في المدارس.
وثمة من يعتقد ان هذه السياسة التركية تقوم على تقسيم سورية، لأن الرابط الاقتصادي الذي كرسته يدل على اعتبارها الشمال السوري جزءاً لا يتجزأ من الدولة التركية. وكان واضحاً خلال لقاءات الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان ان ثمة خلافاً حاداً برز حول الوجود التركي في سورية.
من عفرين إلى رأس العين، أنشأت أنقرة بنية تحتية تدل على نواياها في البقاء في سورية لمدة طويلة. فقد بدأت أهدافها بالظهور عام 2016 عبر عملية «درع الفرات» مع دخول دباباتها إلى الأراضي السورية للمرة الأولى.
وتبعتها عملية «غصن الزيتون» عام 2018 التي هدفت إلى إنهاء الوجود الكردي في المناطق الحدودية معها. ثم عمليات مثل «درع الربيع» و«نبع السلام»، التي هدفت لوقف تقدم الجيش السوري في اتجاه طريق الـ M5 الرابط بين حلب ومناطق حماة وحمص.
ويردد أردوغان انه يسعى لتأييد حق الشعب السوري في اختيار نظامه ودعم مطالبه. إلا أن غالبية الفصائل الواقعة تحت سيطرته، هي خليط من الجماعات المتطرفة والمقاتلين الأجانب ومعهم «القاعدة» و«داعش»، إضافة إلى أنه لا يوجد أي ميثاق دولي يعطي لأنقرة الحق بالتدخل في أراضي سورية واحتلال أجزاء منها.
وبدأت أنقرة عملية «تتريك» المنطقة، إذ تضمنت ربط المجالس المحلية بولاياتها الجنوبية لترسيخ التعاون والالتحام وتثبيت القيادة التركية كسلطة عليا فوق السلطات المحلية في المناطق الشمالية. وأهم هذه المناطق: عفرين، جرابلس، أعزاز، جنديرس، راجو وشيخ حديد.
وقامت أنقرة بتغيير الكتب المدرسية وتدريس اللغة التركية ورفع علمها بدل العلم السوري، وتغيير لافتات الطرقات والمؤسسات العامة والشوارع لتحمل أسماء تركية بالإضافة إلى العربية، وأطلق اسم «الأمة العثمانية» على حديقة أعزاز. وفي مدينة جرابلس تم تعليق صورة أردوغان على جدار المستشفى الرئيسي.
وتصرف الميزانية التي تجلبها إيرادات المعابر الحدودية بين المناطق السورية بإشراف الإدارة التركية ومندوبيها على عملية الإنفاق والإعمار.
ويبدو أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان فتح شهية تركيا التي تعتقد انه بالإمكان مشاهدة انسحاب مماثل أميركي من سورية، وتالياً تريد حجز موقع لها.
وتبلغ المساحة التي تسيطر عليها تركيا نحو 9000 كيلومتر مربع تضم نحو الف بلدة يوجد فيها أكثر من عشرة آلاف جندي.
وقال أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الماضي، إنه «ينوي القضاء على الهيكل الإرهابي لحزب العمال الكردستاني ووحدات الشعب الكردية وإنشاء ممر للسلام».
وهو يهدف إلى بناء عشرات المناطق والقرى ليسكن فيها أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري، ليشكل هؤلاء المنطلق للقفز بهم إلى الداخل للسيطرة على المزيد من المناطق السورية.
ولا تتوافق، لا روسيا ولا إيران، مع أهداف تركيا، بل تصران على وحدة أراضي سورية وعلى الانسحاب منها. إلا ان أردوغان أثبت تمسكه بالأراضي السورية المحتلة في معركة تحرير الطريق الرابط بين حمص وحماة وحلب المعروفة بالـ M5 وبالطريق الواصلة بين حلب واللاذقية والمعروفة بالـ M4.
وقد خاض الجيش التركي معركة ضارية في سبيل إبقاء سيطرته على مدينة سراقب، كما وإبقاء التهديد على مدينة حلب. إلا أن الهجوم السوري القوي مدعوماً من الحلفاء، أجبر الأتراك على الانسحاب رغم وجود اتفاقية قديمة كان أردوغان وافق عليها في «لقاء سوتشي» مع موسكو وطهران.
وفي اللقاء الأخير، سربت معلومات عن عدم نجاح المحادثات التركية - الروسية بما يختص بقاء القوات التركية في سورية، وهي نقطة لا تريد موسكو التفاوض في شأنها، وتريد المحافظة على الحدود الدولية، كما هي من دون العودة إلى ما بدأ به تنظيم «داعش»، بكسر الحدود واقتطاع أجزاء من الدول المعنية بالدرجة الأولى، وهما العراق وسورية.
ويبدو أن أردوغان لم يفقد الأمل بضم جزء من سورية، وها هي قواته تحتل جزءاً من العراق الذي يطالب أنقرة بالخروج من أقليم كردستان بعدما انتهى خطر «داعش».