ميقاتي يرسم «خريطة طريق» احتوائية... وقرداحي يحبطها سريعاً «لن أستقيل»

لبنان يحاول «تبريد» الأزمة مع الخليج و«حزب الله» يُشعلها

ميقاتي يكرّر مطالبته لقرداحي بـ «تحكيم ضميره» (أ ف ب)
ميقاتي يكرّر مطالبته لقرداحي بـ «تحكيم ضميره» (أ ف ب)
تصغير
تكبير

في اتجاهيْن متعاكسيْن تسير محاولةُ وقْفِ تدَحْرُج أزمة لبنان مع دول الخليج العربي نحو مقاطعة شاملة: واحدٌ احتوائي يقوده رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ساعياً لإطفاء «كرة النار» الديبلوماسية التي انفجرت بين يديه من دون «حرْق» حكومته، وثانٍ يتقدّمه «حزب الله» الذي حوّل «خطيئة» وزير الإعلام جورج قرداحي عنوان «مواجهةٍ» مع السعودية خصوصاً، منتقداً إجراءاتها رداً على مواقف الأخير العدائية ضدّها كما الإمارات، ورَبطها بمجريات الملف اليمني.

ولم يكن أكثر تعبيراً عن تَعَمُّد «حزب الله» تظهير أن «الإمرة الفعلية» له في إدارة ملف الأزمة مع دول الخليج من إمساكه بـ «يد» قرداحي رفْضاً لأيّ استقالة أو إقالة له، واضعاً «رأس» الحكومة على المحكّ، ورافعاً سقف التحدّي لميقاتي قبل سواه باعتباره أن ما يجري هو في سياق محاولة «لي ذراع الحزب» و«التدخل في عمل الحكومة»، وصولاً لمطالبته السعودية «بالاعتذار»، وذلك فيما كانت طهران تطلّ على هذه الأزمة عبر مسؤول رفيع المستوى قريب من مكتب المرشد الأعلى السيد علي خامنئي اعتبر أن الرياض «لن تكون قادرة على عزل حزب الله».

وفي حين رأت مصادر مطلعة، أن اندفاعة «حزب الله» بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم عكست واقع «الأيدي المربوطة» لرئيس الحكومة ولبنان الرسمي في رسْم الخيارات الكبرى الخارجية والدفاع عن مصالح اللبنانيين في دول الخليج، بما يعزّز صدقية «مضبطة الاتهام» لبيروت بأنها صارت «تحت الهيمنة الإيرانية»، فإنّ الأكثر «نفوراً» تمثّل في ما بدا أنه محاولة لجعل ميقاتي «يرفع العشرة» أمام وزير إعلامه من خلال إظهاره «عاجزاً» عن أن «يمون» حتى على قرداحي الذي يمعن في «تحديه» وسط رفْض «عرّابيه» منح أيّ ورقة لرئيس الحكومة ترفْد الوساطات الخارجية ولو بإشارة حُسْن نية تساعد في سحب فتيل الانفجار الكبير مع دول الخليج.

والأكثر دلالة على ما بدا «تطويقاً» لمساعي ميقاتي ومحاولةً لتأكيد أن الأزمة مع دول الخليج تحكم إدارتها في المقلب اللبناني موازين القوى ومقتضيات الصراع في المنطقة و«اللحظة الإقليمية»، تمثّل في «إحباطٍ» غير مفاجئ لـ«خريطة طريق» وضعها ميقاتي غداة عودته من غلاسكو، حيث سمع دعماً غربياً مستمراً لحكومته ودعوةً للقيام بـ«أول خطوة» تجاه الرياض عبر تدبير زاجر بحق قرداحي، وقامت على أن يستقيل وزير الإعلام وينتهي تعطيل مجلس الوزراء (مستمر منذ 3 أسابيع على خلفية موقف «حزب الله» وأمل من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار) ودعوة «حزب الله» ضمناً لوقف أخذ أخذ اللبنانيين «إلى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خصوصاً ومع السعودية تحديداً.

وقبل أن يجف حبر مبادرة ميقاتي التي أعقبت زيارته الرئيس ميشال عون واستبقت زيارةً لرئيس البرلمان نبيه بري والتي كرّر فيها مطالبة قرداحي بـ«تحكيم ضميره وتقدير الظروف واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وتغليب المصلحة الوطنية على الشعارات الشعبوية. ويبقى رهاني على حسه الوطني لتقدير الظرف ومصلحة اللبنانيين المقيمين والمنتشرين، وعدم التسبب بضرب الحكومة وتشتيتها»، عاجَلَه وزير الإعلام عبر قناة «الميادين» بـ «لن أستقيل وموقفي لم يتغيّر».

ولم يكتفِ وزير الإعلام بذلك، بل نُقل عن أوساط قريبة منه أنه «ينتظر اتصالاً من رئيس الحكومة ليطّلع منه على مواقف المسؤولين العرب والأجانب ولمعرفة إذا كانت الاستقالة ستلاقي رد فعل إيجابياً خليجياً، ذلك أن أي استقالة من دون تبدل في الموقف الخليجي من لبنان تبقى من دون أي جدوى».

وترافق ارتسام الأفق المقفل أمام استقالة قرداحي أو إقالته، مع مناخاتٍ عن أن استقالة الحكومة أيضاً غير واردة في ظل «مظلة الحماية» الأميركية - الفرنسية لها، وسط علامات استفهام كبرى طُرحت حول مصير العمل الحكومي في ظل مثل هذا الانسداد، وذلك في ضوء أمريْن:

الأول صعوبة تَصَوُّر التئام مجلس الوزراء (بحال تمت معالجة قضية بيطار) من دون إصدار أيّ موقف مما ارتكبه قرداحي لأن ذلك سيعني «غطاء حكومياً غير مباشر له».

والثاني أن إدارة الظهر للغضبة الخليجية سيُنْذِر بخروج الأزمة بالكامل عن السيطرة «شبه المعدومة» أصلاً عليها من لبنان الرسمي الذي يَمْضي في ارتباكه الكبير بإزاء المأزق غير المسبوق في علاقاته مع الخليج العربي وهو ما عبّر عنه أيضاً «سوء التقدير» الجديد لأبعاد «إشاحة النظر» المتكرر عن إساءات وزير الخارجية عبدالله بوحبيب التي كشفتها تسجيلات نشرتها صحيفة «عكاظ» وجرى التعاطي معها في بيروت وكأنها «لم تُقَل» رغم الأصداء الشديد السلبية التي تركتْها في الرياض بما عَكَسَ أن تجميد الإجراءات التصاعدية بحق لبنان قد يكون اقترب من الانتهاء.

وعلى وقع صمت سعودي رسمي حيال إساءات بوحبيب واكتفاء السفير السعودي في لبنان وليد بخاري بتغريدة معبّرة كتب فيها «تَكْمُنُ الأزمة تحديداً في أنَّ القديمَ يُحْتَضَرُ وَالجديدَ لم يُولدْ بعد... وَفي ظلِّ هذا الفراغِ يظْهَرُ قَدرٌ هائلٌ من الأعْراضِ المَرَضِيَّة...!»، حاولت الخارجية اللبنانية أمس، سكْب مياه باردة على «الهزة» الجديدة على خط العلاقة مع الرياض بإعرابها عن «إدانتها واستنكارها الشديدين للمحاولة الفاشلة للاعتداء بواسطة طائرتين مفخختين على السعودية»، مؤكدة «تضامنها مع المملكة في وجه أيّ اعتداء يطال سيادتها وأمنها واستقرارها ومنشآتها المدنية ومدنييها بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية. كما تؤكد تضامن لبنان الكامل ووقوفه إلى جانب المملكة، شعباً وحكومةً».

وجاءت هذه الإدانة قبل مواقف ميقاتي التي أكد فيها عزمه على معالجة ملف العلاقة مع السعودية ودول الخليج الشقيقة «وفق القواعد السليمة»، مؤكداً «أنه لن يترك هذا الملف أبداً عرضة للتساجل وللكباش السياسي»، وأنه سيسعى «بالتعاون مع جميع المخلصين للعودة عن القرارات المتخذة بما يعيد صفو العلاقات اللبنانية مع امتداده العربي الطبيعي».

وقال ميقاتي بعدما استهجن «نهج التفرّد والتعطيل الذي تعرّضت له الحكومة من الداخل (...) بهدف استدراجها إلى التدخل بأمر قضائي لا شأن لها به»، «فيما كنا في صدد استكمال البحث في سُبل عودة مجلس الوزراء، تعرّضت الحكومة لامتحان جديد هو الأصعب، بفعل مواقف شخصية أطلقها وزير الإعلام قبل توليه الوزارة لكنها أدخلت لبنان في محظور المقاطعة من السعودية ودول الخليج العربي».

وأكد: «لا تدار البلاد بلغة التحدي والمكابرة. ومخطئ مَنْ يعتقد انه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر.

ومخطئ أيضاً مَنْ يعتقد أنه يمكنه أخذ اللبنانيين إلى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي (...) ومخطئ أيضا مَنْ يعتقد أنه، وفي لحظة تحولات معينة لم تتضح معالمها النهائية بعد، يمكنه الانقلاب على الدستور وإعادة الوطن إلى دوامة الاقتتال الداخلي والانقسامات».

وإذ شدّد على «أن مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمناقشة كل الملفات والقضايا التي تعني الحكومة بعيداً عن الإملاءات والتحديات والصوت المرتفع واستخدام لغة الوعيد والتهديد، ولن يكون مجلس الوزراء أبداً مكاناً للتدخل في أيّ شأن لا يخص الحكومة، وتحديداً في عمل القضاء»، اعتبر «أن على جميع الوزراء التزام التضامن الوزاري والتقيد بمضمون البيان الوزاري، وكل ما يقال خارج هذه الثوابت مرفوض ولا يلزم الحكومة بشيء».

وإذ تمنى على قرداحي الاستقالة ضمناً، لمّح إلى «أن أمامنا اجتماعات ولقاءات فاصلة قبل تحديد الكلمة الفصل في كل شأن عقدنا العزم على معالجته بشكل تام. وعلى الجميع ملاقاتنا في هذا العمل الإنقاذي».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي