على الهواء

اتساع شبه الأمية في مجلس الأمة

تصغير
تكبير

قبل ستين عاماً، وضع هذا الشرط لقبول ترشيح المواطن لمجلس الأمة، أن يُجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها ومرت ستة عقود ولم يتغير هذا الشرط إلى شهادة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية. من الطرائف والمهازل التي شاهدها المجلس، أن رشح نفسه أمي لا يقرأ ولا يكتب دون أن تختبره الجهة المسؤولة في الداخلية، جلس بجانب مَنْ يترجم له الأوراق، ولوحظ عليه أنه لا يُحسن إمساك الورقة فلا يعرف أسفلها من عاليها، حتى اكتُشف حاله وضجّ أعضاء المجلس بالضحك عليه.

وكان المفروض أن يعترض مجلس الأمة في ذلك الوقت ويُحيله إلى الجهة الأمنية المسؤولة عن الترشيح، فانبرى (عبقري) من الأعضاء واقترح بدخول العضو الأمي الى مدرسة محو الأمية المسائي.

وأكمل دورة المجلس، لا هو درس ولا فُصلت عضويته من الجهة الأمنية المسؤولة، واستمر الأعضاء يتندرون بهذه الحالة واستمرت عضوية الأمي.

بعد ستة عقود، ما زال شرط لجنة الانتخابات في الداخلية هو أن يعرف المرشح يفك الخط القراءة والكتابة بصعوبة.

ولا تتأكد الجهة المسؤولة من صحة الشهادات إن كانت صحيحة أو مزورة.

الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، رحمه الله، قام بعمل فريد من نوعه عندما سأل خبراء التعليم كم تستغرق عملية إزالة الأمية من الشعب، قالوا له أربع سنوات حتى تلقي التعليم الابتدائي، فقال لكم ثماني سنوات وبعدها لا يوظف في الدولة أمي واحد، لا في العمال ولا التوظيف حتى أُزيلت الأمية من الشعب كله، لذا نجد الفصاحة في أعضاء مجلس الأمة في تونس، نساء ورجالاً من التعليم الراقي في المراحل الدراسية والجامعات.

في بلاد عربية وعندنا يتخرّج الطالب في الجامعة بلا ثقافة، لذا عندما يُعيّن مسؤولاً تجده يضع له مَنْ يُحرر رسائله ويجلس على طرف من طاولة المسؤول. السؤال، بعد هذا لمَ لا تحصي الدولة والدول العربية قاطبة الأميين فيها؟ كانت الدولة المصرية في العهد الملكي تحصي الأمية في الدولة وفي كل محافظة، وتحصي المدن والقرى، وكما رأيت ذلك في مجلة (الرسالة) التي كان يصدرها أ. أحمد حسن الزيات من أول الثلاثينيات إلى أوائل الخمسينيات.

هل يعرف أحدكم عدد الأميين عندنا في الدولة؟ هذا من سابع المستحيلات! تونس والجزائر كانتا قبل الاستقلال تتكلمان اللغة الفرنسية خاصة في عاصمتيهما وما حولهما... اليوم هاتان الدولتان أفصح من كل البلاد العربية، نرى انطلاقة ألسنتهم في المحافل الدولية وفي البرلمان نساء ورجالاً وفي أجهزة الدولة ورؤسائها.

المشرق العربي لا نجد فيه مسؤولاً يرتجل كلمته. الذين يدرّسون أبناءنا في كل المراحل لا ينطقون في الفصحى هذه الحروف: التاء والذال والظاء والجيم والقاف، ليس في النطق العامي بل في نطق الفصحى وتستعصي عليهم قراءة القرآن الكريم حتى وهم في الجامعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي