No Script

ألغت حكم «الاستئناف» بحبسهما 7 سنوات ورأت أن ما قدمته النيابة مجرد قرائن لا تطمئنّ إليها

«التمييز» تبرّئ فيصل الصباح وناصر الطيار من «تسريبات الصندوق الماليزي»: لا يجوز الاستناد إلى اعتراف صدر حال فقدان الإرادة وتحت التهديد

تصغير
تكبير

قضت محكمة التمييز في جلستها برئاسة المستشار عبدالله الجاسم، أمس، في قضية التسريبات الأمنية من جهاز أمن الدولة بقضية الصندوق الماليزي، بإلغاء حكم محكمة الاستئناف القاضي بحبس المتهمين الضابطين في وزارة الداخلية العقيد ناصر الطيار والعقيد الشيخ فيصل الصباح، 7 سنوات مع الشغل والنفاذ، والقضاء مجدداً ببراءتهما.

واعتبرت المحكمة، في حيثيات حكمها، أن ما قدمته النيابة من أوراق، لتعزيز أدلة الثبوت ومنها كشوفات أنظمة دخول منتسبي جهاز أمن الدولة، ونظام حركة بطاقات العمل داخل الجهاز المذكور، ونظام الدخول والخروج بوزارة الداخلية، ونظام حركة اتصالات أجهزة الهواتف، والصور الملتقطة للتعليقات، وأطراف التسجيلات والمستندات المنشورة على الحسابات المسجلة بأسماء، تم النشر من خلالها على موقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك مجرد قرائن لا ترقى إلى دليل إدانة، وترى أنها لا تبلغ حد الكفاية لإثبات ارتكاب الاتهام المنسوب، مشيرة إلى أن أقوال ضابط المباحث مرسلة ولا تصلح وحدها كدليل، ولا تعدو أن تكون رأياً لقائلها يحتمل الصدق والكذب ما لم يكشف عن مصدرها.

وشددت على أنه لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع، مؤكدة أنه لا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حال فقدان الإرادة كما لو كان تحت تأثير أي فعل أو وعيد أو ما شابه ذلك.

وذكرت أن اعترافات المتهم الأول وليدة إكراه، فيما تلتفت عن أقوال المتهم الثاني، فيما جاء بحق المتهم الأول من أنه علم منه بقيامه حال مغادرته إدارة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالحصول على ملفات إلكترونية محفوظة على نظام شبكة المعلومات الداخلية الخاصة بتلك الإدارة عن طريق نسخها على شريحة ذاكرة حفظ المعلومات الإلكترونية وأنه يحتفظ بها لديه، لعدم اطمئنان المحكمة لصحة هذه الأقوال، وترى أنه لدفع الاتهام عن نفسه بعد أن زج به باتهامات خطيرة، من قبل ضابط المباحث وماجاء باعترافات باطلة من قبل المتهم الأول في حق نفسه وحق الثاني، فضلاً عن كونه مجرد قول مبهم لايبين منه تفاصيل تلك الواقعة، وظروف إدلاء المتهم الأول له بتلك المعلومات ومدى صحتها.

شهادات بلا تفاصيل... ومعلومات متاحة للجميع

أفادت المحكمة أنها بعد أن استعرضت الأدلة التي ركنت إليها سلطة الاتهام، في خصوصية التهم المنسوبة لجميع المتهمين التي ساقتها النيابة العامة كأدلة لثبوت الاتهام، وهي شهادة الشهود من الثاني إلى الخامس، تبين لها أن هذه الأدلة لا تصلح أن تكون سنداً لإدانة المتهمين وأن دليل ذلك وشاهده أن شهادة الشهود المذكورين جميعهم خلت من بيان تفاصيل الوقائع والأفعال التي قارفها المتهمان والمثبتة لارتكابهما تلك الجرائم بعناصرها القانونية، فلم ينسب أي من الشهود المذكورين أي اتهام للمتهمين سواء المتهم الأول والثاني أو حتى الآخرين لا من قريب أو بعيد بارتكابهم الواقعة.

وأضافت ان ما هو ثابت من التحقيق الإداري الذي قامت به إدارة أمن الدولة، ولجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل وزير الداخلية، عدم اتسام نظام حفظ المعلومات المشترك بالسرية حيث يتيح النظام لجميع الضباط ومنتسبي الإدارة الاطلاع على المعلومات، وان الأوراق والمعلومات والتسجيلات التي يتم تسليمها لإدارة في مبنى أمن الدولة من الإدارات الأخرى، يتم وضعها في مشترك خاص بالإدارات جميعها، ويمكن لأي شخص الاطلاع على ما فيه من معلومات وبيانات مادام يعمل داخل هذه الإدارة، وحتى ولو كان من غير العاملين بالإدارات المختصة، فإنه يمكنه الاطلاع على تلك المعلومات ومنها الإدارة القانونية المتواجدة في ذات المكان.

وبينت أن التسريب ممكن أن يكون من الإدارة التي تحتفظ بالملفات، مثل إدارة المراقبة، بما يجعل الاتهام شائعاً بين العاملين لدى تلك الجهات، فلا يمكن حصره بشخص معين، فضلاً عما ثبت من أن التسجيلات سلمت قبل نشرها الى أحد العسكريين لإيصالها لأحد الضباط من العاملين في إدارة غسيل الأموال بناء على طلبه، ولم يكن بناء على طلب من المتهم الأول ولم تسلم إليه، كما زعم ضابط المباحث بما يكذبه، بما يكون من الجائز أن يكون أحد غير المتهم الأول هو من قام بنسخ تلك المعلومات وتسريبها والتسبب بنشرها، خصوصاً أن هناك من الوقائع حسبما ثبت من التحقيقات تتعلق بذات الموضوع تم نشرها بتاريخ سابق على الواقعة. وقالت المحكمة إنه لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع.

شهادة ضابط المباحث رأي بلا دليل... وأقرب إلى الكذب

رأت المحكمة أن ما قدمته النيابة من أدلة في حق المتهمين لا تعدو مجرد قرائن، أسمتها النيابة العامة أدلة، لا تطمئن إليها المحكمة، وتری أنها لا تبلغ حد الكفاية لاثبات ارتكاب المستأنف ضدهم لما نسب إليهم من اتهام، ولم يبق بعد ذلك سوى أقوال الشاهد الأول ضابط المباحث من أن تحرياته، أكدت أن المتهمين قد ارتكبوا الجرائم المنسوبة إليهم، وهي أقوال مرسلة لم تتأيد بأي دليل آخر صحيح، ولا تصلح وحدها كدليل يمكن معه الأخذ بها في إدانة المتهمين، ولا تعدو أن تكون رأياً لقائلها يحتمل الصدق والكذب، ما لم يكشف عن مصدرها ويحدده، حتى يمكن لهذه المحكمة أن تبسط رقابتها على الدليل المستمد منه وتقدر قيمته القانونية في الإثبات.

وقالت إنه لما كان الضابط مجري التحريات قد أمسك عن الكشف عن مصدرها، وبما تنتهي معه المحكمة إلى أن هذه المعلومات المجهلة المصدر هي مجرد أخبار تحتمل الصدق والكذب وتكون إلى الكذب أقرب، إذا صدرت عن واش أو ممن يهدف إلى إيذاء المتهمين والكيد بهم، فإن المحكمة تطرح أقوال الضابط وتحرياته، كما تلتفت عما جاء بأقواله من أن المتهم الأول اعترف له بارتكابه الواقعة لبطلان ذلك الاعتراف على نحو ما سلف بيانه ولعدم اطمئنانها لهذه الأقوال، وترجح دفاع المتهمين الأول والثاني اللذين اعتصما بالانكار أمام جهة التحقيق وأثناء المحاكمة، ولا تقيم وزناً لأقوال الضابط بخصوص اعتراف المتهم أمامه أو أمام جهة التحقيق بعد أن نال من اعتراف المتهم الأول البطلان وفق ما سبق سرده، ومن ثم فإنها تتشكك في صحة الاتهام الموجه إلى المتهمين، وتلتفت عن أدلة الثبوت التي ساقتها النيابة العامة وترى أنها غير صالحة أو كافية للاستدلال بها على ثبوت الاتهام في المستأنف ضدهما، وكانت الأوراق من بعد خلوها من أي دليل يمكن التعويل عليه في إدانة المستأنف ضدهم بالوقائع المنسوبة إليهم. وإذ خلص الحكم المستأنف إلى ذلك، وقضى ببراءة جميع المتهمين مما نسب إليهم، فإن قضاءه بذلك يكون سليماً.

تحقيق غير حيادي... وتعسف وتهديد

تطرق الحكم إلى تحقيق لجنة تقصي الحقائق المشكلة بقرار من وزير الداخلية، إذ الثابت من أقوال أكثر من ضابط، سئل بتحقيق اللجنة أن التحقيق الإداري الأول الذي أجري بمعرفة هيئة من ضباط أمن الدولة تم تشكيلها، للكشف عن مصدر تسريب البيانات والتسجيلات، وفحوى ما تم تسريبه أن التحقيق الإداري كان موجهاً ضد المتهم الأول من قبل ضباط آخرين، بين أحدهم خلاف مع المتهم المذكور، ووصف التحقيق من قبلهم بأنه غير حيادي واتسم بالتعسف مع المتهم الأول بغرض اتهامه بالواقعة، وهذا القول فيه ما يحمل على الاعتقاد بصحة دفاع المتهم الأول، من أن ذلك من الأسباب التي أدت إلى انهياره نفسياً ومحاولته الانتحار، والذي على إثره تم نقله إلى المستشفى الأميري ثم مستشفى الطب النفسي، وهو ما يشير أيضاً إلى أن المتهم الأول كان خاضعاً لإكراه مادي ومعنوي وفق ما جاء بدفاعه.

ورأت ان ما يؤيد ذلك أن المتهم الأول عندما سئل بالتحقيق الإداري كان ينفي تماماً علاقته بالتسريبات، أو معرفته بمن قام بذلك، ولم يعترف بشيء حسبما تبيّن من تحقيقات لجنة تقصي الحقائق والتحقيق الإداري الأول، إلا بعد أن تم تهديده بأهله كي تنتزع اعترافات منه، وأيضاً ما جاء بدفاعه أمام هذه المحكمة من أن ما أدلى به من أقوال أمام النيابة العامة، والمباحث كانت نتيجة لتهديده، ما أدى إلى تعرضه لضغوط نفسية أثرت في إرادته.

وأوضحت أن ما يؤيد دفاع المتهم الأول في شأن خضوعه لإكراه من قبل المباحث للإدلاء بأقواله بالتحقيقات سواء أمام النيابة العامة أم المباحث، والتي عدل عنها لاحقاً، ما جاء بأقوال ضابط المباحث في تحقيقات النيابة العامة في الصفحة رقم 170 من أوراق التحقيق الذي أجرته، رداً على السؤال الموجه إليه من النيابة العامة «بماذا تعلل ما قرره / ناصر بدر الطيار بالتحقيقات؟» وكان ذلك عند مواجهة الضابط بأقوال المتهم الأول بمخالفة أقواله للضابط وإنكاره لما ذكره الأخير من وقائع، فكان رده على السؤال: «بما أنه ضابط تحقيق ويعمل بالبحث والتحري ولديه القدرة الكافية والعلم بأن ما يتم إقراره أمامي يستطيع أن يتم إنكاره أمام النيابة العامة... للإفلات من العقاب»، وهو قول من الضابط يثير الشبهة حول صحة اعتراف المتهم أمامه فكأنه يعني به أن المتهم لم يكن بإمكانه الإنكار أمامه بينما يستطيع الإنكار أمام النيابة العامة.

حكم «أول درجة» صدر بأسباب سليمة

رأت المحكمة صحة الحكم المستأنف الصادر من محكمة أول درجة وسلامة الأسباب التي بني عليها، وكفايتها لحمل قضائه ببراءة المتهمين جميعاً، مما أسند إليهم وإنها تقره وتأخذ بأسبابه وتحيل إليها، وتعتبره كأنه صادر منها وفيما لا يتعارض مع أسباب هذا الحكم، وتضيف إليه دعماً له ورداً على استئناف النيابة العامة، أن من المقرر قانوناً أن أصل البراءة يعتبر قاعدة أساسية في النظام الاتهامي، لا ترخّص فيها، تفرضها حقائق الأشياء وتقتضيها الشرعية الإجرائية وحماية الفرد في مواجهة صور التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل جاد قاطع، يبلغ مبلغ الجزم واليقين ولا يدع مجالاً لشبهة انتفاء التهمة أو الشك فيها، ومن دون ذلك لا ينهدم أصل البراءة.

كما أنه من اللازم في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤد إلى ما رتبه عليه من نتائج، في غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل والمنطق، ولمحكمة الموضوع تقدير الأدلة واستخلاص ما ترى أنها مؤدية إليه، من براءة أو إدانة من غير معقب عليها في ذلك، مادام هذا الاستخلاص سائغ. كما أنه من المقرر أن الأحكام في المواد الجزائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا يؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة.

وكان دفاع المتهمين قد قام على بطلان الاعتراف المنسوب إلى المتهم الأول في حق نفسه، وفي حق الثاني، لصدوره وليد إكراه مادي ومعنوي مورس عليه من قبل المباحث، ولصدوره عنه وليد إرادة منعدمة غير واعية وتحت تأثير الاضطراب النفسي، وكان من المقرر أنه ينبغي في الاعتراف لكي يكون صحيحاً، ويمكن الاستناد إليه كدليل في الحكم، أن يكون المتهم أدلى به وهو في كامل إرادته ووعيه، فلا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حالة فقدان الإرادة، كما لو كان تحت تأثير أي فعل أو وعيد، وما شابه ذلك أو أي مواد تسلبه إرادته، ذلك أن الاعتراف هو سلوك إنساني، والقاعدة أنه لا يعتبر سلوكاً إلا ما كان يجد مصدراً في الإرادة.

وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها ألا تعول عليه ولو كان صادقاً متى كان وليد إكراه، كائناً ما كان قدره أو تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع، وكانت المحكمة تطمئن إلى هذا البطلان وفق ما جاء بأسباب حكم أول درجة ولما تكشفت عنه الأوراق.

فريق الدفاع: أثبتنا دلائل البراءة بالإخلال الجسيم في استدعاء الشهود وضابط الواقعة

بعد صدور الحكم، عبر فريق الدفاع عن المتهمين، المحامي عبدالمحسن القطان والمحامي عامر الشحومي، عن «الشكر للقضاء الكويتي الشامخ والنزيه على الحكم التاريخي والمنصف بالعدل، بعدما أثبتنا للمحكمة الدلائل بالبراءة للمتهمين من خلال بطلان اعترافاتهما والاخلال الجسيم بطلبات استدعاء الشهود وضابط الواقعة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي