ثمرة دراسة بحثية رائدة أُجريت تحت قيادة بروفيسور مصري بجامعة «شيفيلد» البريطانية

اكتشاف «مسار شامل»... لمعالجة الأمراض السرطانية والعصبية


البروفيسور الخميسي متوسطاً عدداً من فريق الباحثين بجامعة «شيفيلد»
البروفيسور الخميسي متوسطاً عدداً من فريق الباحثين بجامعة «شيفيلد»
تصغير
تكبير

تحت قيادة بروفيسور مصري الأصل يعمل أستاذاً للطب الجينومي ورئيساً لقسم الأبحاث بجامعة «شيفيلد» البريطانية، نجح فريق بحثي بريطاني في تحقيق سبق علمي في مجال الهندسة الوراثية، حيث اكتشفوا مساراً شاملاً مشتركاً تعمل من خلاله 3 بروتينات معاً لترميم وإصلاح التلفيات التي قد تصيب الحمض النووي الوراثي (DNA) البشري، وهو الاكتشاف الذي يكتسب أهميته من كونه يمهد الطريق لتصميم أدوية فعالة وشاملة لكثير من الأمراض المستعصية، بما في ذلك السرطانات والأمراض العصبية.

وفي سياق ورقة بحثية نشرتها دورية «نيتشر كومينيكيشنز»، أوضح البروفيسور شريف الخميسي وزملاؤه الباحثون أن المسار الجديد الذي اكتشفوه ينطوي على إمكانية توظيفه لحمايتنا من أمراض خطيرة كالسرطانات والتنكس العصبي (بما في ذلك الخرف وأمراض الشيخوخة الأخرى)، كما يتيح فرصاً علاجية جديدة لتلك الأمراض التي تشكل تحديات وتؤثر على حياة أعداد كبيرة من سكان العالم.

نسلط الضوء في التالي على ذلك الاكتشاف البحثي الواعد...

نظرة عامة

في جميع الأنشطة والعمليات التي يتشارك فيها أعضاء فريق واحد، يكون النجاح ثمرة للانسجام بين جهود أعضاء الفريق. وتنطبق تلك القاعدة على خلايانا البشرية التي تتعاون معاً وتعمل بروح الفريق الواحد لحمايتنا من الأمراض.

فجسم الإنسان يتعرض باستمرار لكثير من العوامل المتلفة لتركيبة الحمض النووي (DNA)، وهي العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بسلسلة من الأمراض.

لكن مكونات الخلايا تقوم بدور بطولي من خلال إصلاح معظم تلك التلفيات، إذ يمتلك الجسم البشري أنظمة معقّدة تعيد تنظيم وتوازن الحمض النووي بشكل صحيح، بما في ذلك أن كل خلية جديدة تحصل على نسخة كاملة تبقى ثابتة التركيب.

ولكن في حال فشل ذلك النظام في أداء مهمته لأي سبب، فإن اضطرابات تحدث في تسلسل الحمض النووي (تسمى «طفرات جينية»)، وتنجم عنها مشكلات صحية خطيرة لأن تعطيل مسارات إصلاح الـDNA أو تحريرها يؤدي إلى إلحاق ضرر بتركيبة الجينوم وبالتالي الإصابة بأمراض مستعصية من بينها السرطانات والاضطرابات العصبية.

اكتشاف مسار جديد

وفي سياق السعي إلى فهم أفضل لتلك العملية المعقَّدة، نجح فريق بحثي بريطاني تحت قيادة البروفيسور شريف الخميسي في اكتشاف مسار جديد للعلاج الجيني، وهو الاكتشاف الذي يمهد لتطبيق آلية تنظيمية غير مسبوقة للحفاظ على صحة الجينوم (صحيفة المحتوى الوراثي البشري) والوقاية ضد سلسلة واسعة من الأمراض المستعصية.

وعلى مستوى التفاصيل الدقيقة، أوضح الباحثون أن خلايانا «تقرأ» شيفرات الحمض النووي (DNA) خلال عملية بناء البروتينات، لكنها قد ترتكب أخطاءً خلال عملية القراءة، وهذا يؤدي بدوره إلى إلحاق تلفيات بجينومنا البشري، وتكون نتيجة ذلك هي إصابتنا بأمراض مستعصية.

وراقب الباحثون الآلية التي تقوم من خلالها الخلايا بإصلاح الضرر الذي يحصل في الحمض النووي، حيث قاموا بإجراء مجموعة من التجارب على خلايا سرطانية وأخرى سليمة.

وفي تلك الأثناء اكتشف الباحثون دوراً مهماً جداً تقوم به 3 بروتينات تعمل معاً كفريق واحد في مسار تسلسلي لإصلاح ذلك الضرر.

وأوضح الباحثون أن تلك البروتينات الثلاثة تُعرف علمياً بـ (USP11) و(KEAP1) و(SETX) وأنها تتلقى تعليمات تقوم بموجبها بتوجيه وظائفها بتناغم ملحوظ للحفاظ على صحة وسلامة الحمض النووي.

أهمية الاكتشاف... والخطوات التالية

البروفيسور شريف الخميسي قال موضحاً نتائج الدراسة: «بفضل فهم كيفية حماية الخلايا لنفسها من تلك الأخطاء - وبالتالي منع الأمراض - نستطيع تعديل سلوكيات هذه البروتينات لحماية الجسم من الإصابة بالأمراض المستعصية.

وعن أهمية الاكتشاف، قال الخميسي: «نتائج هذه الدراسة ستمكّن العلماء من تطوير اختبارات تشخيصية للكشف المبكر عن أنواع معينة من السرطانات والأمراض العصبية.

ونحن نتوقع أن يؤدي تنظيم مستويات واحد أو أكثر من هذه البروتينات إلى فتح الباب لتطوير علاجات جينية جديدة لمثل تلك الأمراض».

وعن الخطوات التالية، قال البروفيسور الخميسي إن هذه النتائج تعتبر بداية لطريق جديد، وأنه بدأ هو وأعضاء فريقه البحثي في إجراء تجارب مختبرية بهدف تصميم علاجات تعتمد على الاستفادة من نتائج دراساتهم، وهي خطوة ضرورية تسبق التجارب السريرية على البشر.

إشادة... وتفاؤل

ومن جانبه، أشاد الدكتور محمد سلامة - الأستاذ المشارك في معهد الصحة العالمية والبيئة البشرية بالجامعة الأميركية بالقاهرة – بنتائج هذه الدراسة لأنها «رصدت بشكل عملي وللمرة الأولى نقطة الالتقاء بين السرطان والأمراض العصبية من حيث آلية الحدوث وإمكانيات العلاج»، مشيراً إلى أن «ما يميز الدراسة هو أنها رصدت نقطة التقاء أضرار الحمض النووي ونشوء الخلايا السرطانية، وحددت الآلية التي يمكن من خلالها التحكم فيهما.

وإذا نجح الفريق في تصميم علاج فعال يتحكم في هذه الآلية فإنه سيضرب بذلك عصافير كثيرة بحجر واحد من خلال معالجة مجموعة من الأمراض العصبية والسرطانية».

وأضاف البروفيسور سلامة متفائلاً: «هذه النتائج تجعلنا نسير في اتجاه إيجاد علاج شامل يمكننا توجيهه ضد عدد من الأمراض التي تتقاطع مساراتها في نقطة مشتركة، وليس علاجاً واحداً لكل مرض على حدة كما هو الحال حاليّاً»، مشيراً إلى أن مثل ذلك العلاج «لا يركز على تقليل أعراض المرض، بل يهدف إلى التصدي للمشكلة في مهدها، وهو الأمر الذي ما زلنا نفتقده في علاجات وأدوية الأمراض العصبية والسرطانية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي