No Script

كولن باول... العسكري الناجح والسياسي الفاشل

تصغير
تكبير

توفّي قبل أيّام الجنرال كولن بأول وزير الخارجية الأميركي طوال الولاية الأولى لجورج بوش الابن. شهدت تلك الولاية شن الحملة العسكرية الواسعة على العراق من أجل إسقاط نظام صدّام حسين... قبل ثمانية عشر عاماً.

لولا العراق، لكان كولن بأول نزل في كتب التاريخ بصفة كونه أوّل أسود يشغل موقع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، في عهد رونالد ريغان، ثمّ أوّل رئيس للأركان ثمّ أوّل وزير للخارجيّة من هذا العرق.

مهّد صعود نجم كولن بأول في مرحلة معيّنة إلى طرح إمكان وصوله إلى البيت الأبيض بدل باراك أوباما.

لولا العراق، بقي كولن مجرّد قصة نجاح لرجل أسود من أصول جامايكية استطاع، بفضل المؤسسة العسكريّة الأميركيّة، الترقي اجتماعياً ودخول الجامعة.

امتلك كولن باول تجربة عسكريّة واسعة جعلته في غاية الحذر تجاه أيّ تدخّل عسكري أميركي في أيّ منطقة من العالم. خدم في فيتنام، حيث أبلى بلاء حسناً وأنقذ ثلاثة من رفاقه العسكريين من الموت بعد سقوط طائرة هليكوبتر كانوا فيها.

لكنّ خدمته كعسكري في عهد جورج بوش الأب وكسياسي في عهد جورج بوش الابن تعطي فكرة عن موقع الرجل بين الشخصيات الأميركية التي تحدّث عنها العالم طويلاً في تسعينات القرن الماضي وفي مرحلة ما بعد «غزوتي نيويورك وواشنطن» اللتين كان وراءهما الإرهابي أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

إذا كانت تجربة كولن بأول تدلّ على شيء فهي تدلّ على العقل السياسي الذي كان ينقص الرجل.

عندما توفّر هذا العقل السياسي الذي يقوده، استطاع أن يكون قائداً عسكرياً ناجحاً في خدمة السياسة الأميركية.

في غياب العقل السياسي الذي يعرف المنطقة جيداً، كان كولن بأول مجرّد لاعب ثانوي في إدارة بوش الابن التي تحكّم بها المحافظون الجدد.

على رأس هؤلاء ديك تشيني ودونالد رامسفيلد... وأمثال بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع.

كان ولفويتز أوّل الداعين إلى الردّ على إرهاب «القاعدة»... في العراق.

سارع كولن بأول إلى التصدي له ولكن من دون نتيجة!

بعد جريمة اجتياح الكويت في الثاني من أغسطس 1990، اتخذت إدارة بوش الأب قراراً برفض الأمر الواقع الذي حاول صدّام حسين فرضه.

تولّى الجيش الأميركي بقيادة كولن بأول تنفيذ المهمّة. لم تمض ستّة أشهر، إلّا والكويت محرّرة. الاهمّ من ذلك كلّه، أنّه كان في واشنطن من يعرف المنطقة. كان هناك الثلاثي الذي يضمّ جورج بوش الأب ووزير الخارجيّة جيمس بايكر ومستشار الأمن القومي برنت سكاوكروفت.

أدرك الثلاثة معنى الذهاب إلى بغداد في ضوء إخراج الجيش العراقي من الكويت. كانت طريق بغداد سالكة، لكنّ العقل السياسي الذي كان يتحكّم بالقرار في واشنطن أدرك على وجه السرعة أنّ الذهاب إلى بغداد يعني تسليم العراق إلى إيران.

عرف هذا العقل السياسي النتائج التي ستترتب على ذلك في وقت كانت إيران مستعدة لجني كلّ الفوائد الناجمة عن المغامرة المجنونة لصدّام حسين في الكويت.

نفّذ كولن باول، العسكري الفذّ، المهمّة المطلوبة. كان جزءاً من فريق يعرف الشرق الأوسط والنتائج المترتبة، والتي يمكن أن تترتّب، على إزالة دولة عربيّة مثل الكويت من الوجود.

كان يؤمن باستخدام القوّة العسكريّة الأميركيّة بشكل ساحق خارج الولايات المتحدة.كان يؤمن، في الوقت ذاته، بضرورة الانسحاب السريع متى نفّذ الجيش الأميركي مهمّته.

لم يكن كولن بأول، بعدما تحوّل سياسياً، في مستوى القائد العسكري الذي حقّق نجاحات كبيرة في التصدي للعراق في الكويت وفي أماكن أخرى.

تبيّن في عهد بوش الابن الذي خلا من العقل السياسي، أنّ النجاح لدى العسكري لا يعني بالضرورة نجاحه كسياسي.

سقط كولن بأول في امتحان العراق وذلك في ضوء قرار بوش الابن والمحيطين به شنّ حملة عسكريّة لإزاحة صدّام حسين.

كان مهمّاً التخلّص من صدّام حسين، الذي ارتكب كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها منذ فرض نفسه رئيساً صيف العام 1979، لكنّ الأهم من ذلك كلّه كان معرفة ما العمل في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

تكمن مشكلة كولن بأول في أنّه لم يلعب الدور، الذي كان مفترضاً به لعبه كوزير للخارجيّة. توقف عند التصدي لولفويتز في الاجتماع الذي عقدته القيادة الأميركية في كامب ديفيد مباشرة بعد «غزوتي نيويورك وواشنطن».

اكتفى بأن أكّد لنائب وزير الدفاع، وقتذاك، أن لا علاقة لنظام صدّام حسين بـ«القاعدة» وأن لا رابط بين النظام وأحداث الحادي العشر من سبتمبر.

لم تمض أسابيع إلّا وسار كولن باول في الخط الذي كان مطلوباً منه السير فيه. بدل الاستقالة والإعلان عن موقف واضح، قبل الذهاب إلى الأمم المتحدة لتأكيد امتلاك العراق أسلحة بيولوجيّة وكيماوية، وذلك تمهيداً لعمل عسكري كبير في العراق. كانت تلك كذبة كبيرة.

ما لبث كولن بأول أن تلا فعل الندامة لاحقاً... ولكن بعد فوات الأوان. اعتبر أنّ ما قام به كان «لطخة» في حياته.

ولكن ما نفع الندم بعد تسليم العراق على صحن من فضّة أي إيران؟

تختزل سيرة كولن بأول حياة عسكري ناجح في مهنته تحوّل إلى سياسي فاشل. يعود ذلك بكل بساطة إلى أن من الصعب، إلّا في حالات نادرة، نجاح العسكري في السياسة.

لا يمكن العثور على شخص مثل الجنرال ديغول أو دوايت ايزنهاور كلّ يوم.

الرجلان عملة نادرة مثل فؤاد شهاب في لبنان الذي اختلف عن غيره من العسكريين، الذين وصلوا إلى موقع رئيس الجمهوريّة بانّه كان صاحب رؤية.

مأساة لبنان حالياً في أن رئيس الجمهوريّة ميشال عون يمثّل أسوأ ما في العسكر وأسوأ ما في السياسة. هو عسكري، في حين عليه أن يكون سياسياً... وكان سياسيّا عندما كان مفترضاً به أن يكون عسكريّاً.

امتلك كولن بأول بعض الشجاعة للقيام بعملية نقد للذات ومراجعة لتجربته. عرف متأخّراً انّه ذهب ضحيّة غياب العقل السياسي في واشنطن في عهد بوش الابن وأنّه كان عليه أن ينتفض في حينه. لكنّه لم يفعل!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي