رؤية ورأي

طُلب العفو ولم يُفرض

تصغير
تكبير

في الأيام الأولى من عمر المجلس الحالي، تراكمت تصريحات نوّاب المعارضة في شأن عدم شرعية رئيس المجلس الحالي السيد مرزوق الغانم، وكانوا يُصرّون على أن النائب بدر الحميدي هو الرئيس الشرعي للمجلس. وفي الوقت ذاته كانوا مُصمّمين على محاسبة رئيس الحكومة الأولى في المجلس الحالي سمو الشيخ صباح الخالد وطالبوه بدفع ضريبة دوره المعادي لإرادة الأمة – حسب زعمهم – في انتخاب رئيس المجلس.

وبعد استقالة الحكومة الأولى، حاد مجموعة كبيرة من نوّاب المعارضة عن موقفهم المعادي للرئيسين وأعلن بعضهم في أكثر من مقابلة متلفزة – أوضحت تفاصيل اثنتين منها في مقالي قبل السابق – عن استعدادهم لتحصين رئيس الحكومة صراحة ورئيس المجلس ضمناً، إذا وافقت الحكومة الحالية – التي كانت مرتقبة آنذاك – على الأولويات المتعدّدة التي أوردوها في بيانهم في شأن «استحقاقات الحكومة القادمة». ولكن الحكومة رفضت عرضهم، وانكشف ضعفهم. حيث إنهم، بل كامل كتلة المعارضة فشلت في جميع مواجهاتها ضد الحكومة، بدرجة أن الكتلة عجزت عن تعطيل أو تأخير جلسة فض انعقاد الدور التشريعي الأول.

ثم جاءت الدعوة السامية من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه – إلى حوار وطني يجمع السلطتين التشريعية والتنفيذية، واعتبرها مجموعة من النوّاب الحاليين والسابقين طوق نجاة لمشروعهم الأساس، وهو العفو الأخضر الذي يسمح للمعفي عنهم العودة إلى الكراسي الخضراء.

في جلسات الحوار الوطني، الفريق المعارض كان يعاني من ضعف مركّب، ولم يكن ندّاً للفريق الموالي. والشواهد على ضعفه كثيرة، من بينها مضمون وتوقيت البيان في شأن ملف العفو الذي أصدره مجموعة من النوّاب السابقين والسياسيين المقيمين في تركيا. وحسب وصف مراقبون، جلسات الحوار كانت أشبه بمحاضرات إملاء أحادي الاتجاه. وأرجعوا ضعف الفريق المعارض إلى سببين رئيسين: أولهما هشاشة كتلة المعارضة بعد خسائرها المتتالية، والثاني تمثيله الناقص لكتلة المعارضة بعد أن أعلن عدد من نوّاب الكتلة بأنهم غير مُمثّلين في الحوار.

من أجل ترميم صورة الفريق المعارض التي تضرّرت كثيراً بسبب تناقضاته، نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تغريدات وتصريحات مجهولة المصدر تؤكد قبول الحكومة والسلطة جميع مطالبات الفريق، ولكن لم تذكر فيها ماهيّة تلك المطالبات. وهذه أيضاً اعتبرها مراقبون من الشواهد على ضعف الفريق المعارض. حيث إنه وبالرغم من الغضب العارم لدى المواطنين من التغيِيب الذي مورس ضدهم، ما زال الفريق المعارض ممتنعاً عن التصريح عن تفاصيل النقاط التي تم الاتفاق عليها.

ويرى مراقبون أن هذا الامتناع غايته رفع الحرج عن الفريق عند قبوله لاحقاً ما هو دون الذي تم الاتفاق عليه في الحوار، لأن الحكومة سبق أن غيّرت موقفها من تفاهماتها سابقاً مع الفريق.

أحدث الشواهد على ضعف الفريق المعارض هو توقيع أعضائه على بيان الالتماس بإقرار العفو الموجه إلى سمو الأمير. فقد وثّق هذا البيان تحصين الفريق الرئيسين اللذين كان يتهمهما بالفساد، حيث جاء في البيان أنه «صدر بتفويض من رئيس مجلس الأمة» وأن إقرار العفو «سيؤدّي إلى استقرار سياسي دائم». المراد أن الفريق المعارض اضطر إلى «التماس» العفو بعد أن عجز عن فرضه بتشريع قانون للعفو الشامل أو بالتهوّر لزعزعة الاستقرار السياسي.

إلى جانب ضعف الفريق المعارض، بيان «تحصين الرئيسين» كشف تناقضات الفريق وزيف شعاراته. صحيح أن العمل السياسي يتضمّن توظيف أدوات ومهارات المناورة والتفاوض، إلا أن ذلك التوظيف مُؤطر بقواعد الحوكمة الرشيدة. فالمنظومات الديموقراطية تجرّم المناورة السياسية المبنيّة على تلفيق التهم بالفساد للخصوم، وفي الوقت ذاته لا تجيز تحصين من ثبت فساده... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي