No Script

كلمة صدق

بين تقرير بنجامين ستورا... والاعتذار

تصغير
تكبير

«الاعتذار لن يحل المشكلة، المهم هو الاعتراف الذي يقود إلى الحقيقة من خلال عمل المؤرخين». الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من خلال تصفح تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، الذي كلفته الرئاسة الفرنسية في الإليزيه بتقديم تقرير عن أحداث الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر وحرب الاستقلال هناك، يبدو واضحاً أن فرنسا تهيم حباً بالأرض الجزائرية، البلاد التي «يمتزج فيها البحر بأشعة الشمس»، لكن هذا الحب قاد إلى اغتصاب عنيف وطويل وممنهج.

يبدو من خلال تصفح تقرير ستورا، تبيان أن فرنسا كانت تعتبر الجزائر أرضاً فرنسية وليست أي مستعمرة من مستعمراتها الأخرى في أفريقيا، بل كانت الجزائر أشبه ما تكون بدرة التاج الاستعماري الفرنسي. ماكرون، كان سباقاً في البداية بالإشارة إلى «جرائم الاستعمار الأوروبي» التي اعتبرها حقيقة تاريخية وجزءاً من تاريخ بلاده وتاريخ القارة، ولكنه إلى الآن أحجم عن الاعتذار عن الجرائم التي مورست من قبل هذا الاستعمار خصوصاً في الجزائر التي تصر على الاعتذار.

تقرير المؤرخ الفرنسي يحوي نقاطاً إيجابية، لكن هل تشكيل لجنة «الذاكرة والحقيقة»، وتوثيق شهادات الناجين، وزيادة التعاون عبر إنشاء أرشيف مشترك، وإزالة السرية عن الأرشيف التاريخي الذي يغطي فترة الاستعمار أو الاحتلال، هل كل هذا يكفي لطي صفحة احتلال دام أكثر من مئة وثلاثين عاماً؟ كل هذه المقترحات جميلة، لكن احتلال بلد ونهب خيراته والتنكيل بالأحرار من سكانه ووقوع الملايين منهم ضحايا، قتلاً وقمعاً وتشريداً، هل كان كل هذا خطأ بسيطاً يتم تجاوزه عبر تشكيل اللجان والتوثيق التاريخي، دون نية للاعتذار؟ لا شك، أن الأوروبيين بشكل عام وقد يكون امتداداً لإرثهم الإغريقي والروماني ميالون إلى التوثيق وكتابة الحقائق التي لا لبس فيها، وهذا أمر يمتازون فيه، لكنهم يمتازون أيضاً في خلق المبررات لسلوكهم أو ممارساتهم التاريخية العدوانية.

لقد وثق الأوروبيون أنفسهم حقب استكشافهم واحتلالهم لأراضٍ بعيدة وجديدة، مثل رحلة كولومبس واستبدال شعوب بشعوب أخرى أوروبية، ورحلة ماجلان جنوباً، وما أعقبها من نهب لكنوز الذهب لحضارة الإنكا في أميركا الجنوبية وصهرها ونقلها لأوروبا حتى صارت لهم سنة «طفحة» من الذهب المنهوب.

لكن ما يميّز الاستعمار الفرنسي للجزائر عن غيره أنه امتد من بداية القرن التاسع عشر وانتهى في نهاية العقد السادس من القرن العشرين، ونتج عنه ملايين الضحايا.

إن أطول مدة لاستعمار واحتلال الجزائر كان في فترات الجمهوريات الفرنسية، وكان أدمى فصوله أيضاً في عهد هذه الجمهوريات التي ترفع شعارات الحرية والعدالة والمساواة. هنا في هذا المقال ليس الغرض نكأ الجراح، لكن إبراز الحاجة الأخلاقية الملحة للاعتذار قبل أو مع تطبيق توصيات تقرير بنجامين ستورا.

إنّ الاعتذار وتحمل المسؤولية هو أبسط عمل أخلاقي، وأول خطوة لأجل عين شعب أبي تعرّضت أجياله لنكبات الاحتلال والاستعمار.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي