باسيل «وحيداً» في البرلمان... وانتخابات 27 مارس في «مرمى الطعن»

نصر الله «صوّب» على الداخل اللبناني بـ 100 ألف مُقاتِل

جانب من الجلسة العامة للبرلمان أمس في بيروت (أ ف ب)
جانب من الجلسة العامة للبرلمان أمس في بيروت (أ ف ب)
تصغير
تكبير

بدت بيروت، أمس، تحت تأثير «رمي» الداخل اللبناني بـ 100 ألف مقاتِل «هدّد» بهم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله حزب «القوات اللبنانية» تحت شعار «اقعدوا عاقلين وتأدّبوا» على تخوم المنزلق الدموي الأخطر في الوضع المحلي الذي شكّلتْه «أحداث الطيونة» يوم الخميس الماضي، والتي اعتُبرت «النسخةَ الساخنةَ» من «الحرب الباردة» التي اشتعلت و«جمّدت» عمل مجلس الوزراء على جبهة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بعد إعلان الثنائي الشيعي (حزب الله - حركة أمل): إلى إقصاء المحقق العدلي القاضي طارق بيطار دُر.

ورغم أن نصر الله، كان يتوجّه في كلامه إلى رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع من ضمن مضبطةِ اتهامٍ بلغتْ حد اعتباره «عدو المسيحيين وكل لبنان والساعي لحرب أهلية، والذي يخترع عدواً وهمياً للمسيحيين هو «حزب الله»، فإن كشْفه للمرة الأولى «أن لدينا في الهيكل ‏العسكري من اللبنانيين فقط من دون الأنصار والكشاف والهيئات، 100 ألف مقاتل مدرّبين ‏ومنظّمين ومسلّحين»، بدا بحسب أوساط مراقبة على خصومة مع الحزب بمثابة إنذارٍ «مدجَّجٍ بالرسائل» برسم مختلف الأفرقاء اللبنانيين، سياسيين وغير سياسيين، عَكَس ما يشبه عملية «ارتداد» إلى الداخل لتأكيد «فائض القوة» في الطريق للانتخابات النيابية التي يُراهَن محلياً وخارجياً على أن تكون «مفتاحاً للتغيير» وعلى ضفاف تحولات في المنطقة ومحاولاتٍ لإخماد أكثر من «حريق» في الإقليم. وفي حين جاء تهديد الأمين العام لـ «حزب الله» في سياق اتهام «القوات» بالتحضير لـ«اقتتال داخلي» طالب جعجع بإزائه بـ«ألا يُخطئ الحسابَ ويكتب عنده (...) وخذوا العِبرة من حروبنا ‏وحروبكم»، فإن الأوساط اعتبرتْ أن المضمون الأول من نوعه للخطاب وتحديداً في مجاهرته بحجم البنية العسكرية للحزب وجهوزيّتها لـ«الانخراط»في الواقع اللبناني والإمعان في تطويع وقائعه، هو بمثابة تحوّل غير مسبوق منذ عمليته العسكرية في بيروت والجبل في 7 مايو 2008 والتي شكّلت تطوراً كاسراً للتوازنات «بالقوة» انتزع معه «فيتو الثلث المعطّل» في الحكومة وكان فاتحة القضم المتدّرج لجمهورية الطائف.

ورأت الأوساط نفسها أن «الإفراطَ» في كشْف الهيكل العسكري العددي لـ«حزب الله» وإعلان «وضْع الإصبع على الزناد» بوجه «القوات» جاء على خلفية أحداثٍ ما زالت ملابساتها غير محسومة ووجد السيد نصر الله نفسه مضطراً - بإزاء ما رافقها وأعقبها من نشر فيديوات - للإقرار بأنها بدأت بإشكال حيث «جرى إطلاق شعارات واستفزازات وهو خطأ» قبل أن يؤكد «لكن بعد ذلك بدأ ‏إطلاق النار وسقوط شهداء برصاص القوات».

ومن هنا اعتبرت هذه الأوساط أن «إعلان الـ 100 ألف مقاتل» عمّق الارتدادات السلبية للخميس الأسود على الحزب، الذي ورغم أن أمينه العام كان في خلفية إطلالته يخاطب جمهوره، وبين يديه 7 قتلى سقطوا في أحداث الطيونة، إلا أن هذا الموقف سيبقى وقْعه شبيهاً بما أعقب وصْفه 7 مايو 2008 بـ«اليوم المجيد».

وفي حين حاول نصر الله «الفصل» بين المسيحيين و«القوات» عارضاً «جردة» بما قدّمه «حزب الله» سياسياً، وبالحماية الأمنية للمسيحيين بوجه «داعش» في لبنان وسورية، فإن أوساطاً متقاطعة ناهيك عن مواقف سياسية معلنة، وبعضها من غير أصدقاء«القوات»، خلصت إلى أن إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» بسقفها الأعلى أكملت النقاط التي يُراكِمها جعجع مسيحياً و«قدّمت له أكبر خدمة» على وقع دخول البلاد مدار الانتخابات النيابية. واستوقف الأوساط عيْنها أن نصر الله خفّف من حدة الموقف فيما خصّ المسار المطلوب لإقصاء القاضي بيطار من دون التراجع عن هذا المطلب، إذ كرر اتهامه بالاستنسابية والتسييس وبوقوف «مرجعيات وسفارات وراءه وهو تحوّل ديكتاتوراً»، داعياً «دولة القانون والمؤسسات بأن.. تصرَّفوا وتحمّلوا المسؤولية، فالوقت انتهى، وحان وقت المعالجة»، وذلك في موازاة تشديده في ما خص «شهداء مجزرة الطيونة أن المسار الصحيح هو التحقيق ومحاسَبة القتلة»، واعداً بأنه«إذا حدث أيّ تسييس في التحقيق، فلكل حادث حديث. ولا نترك دم شهدائنا على الأرض».

ومن دون أن يعلن الأمين العام لـ «حزب الله» ربْط استئناف مجلس الوزراء جلساته بإيجاد الحلّ مسبقاً لمسألة بيطار وبالتحقيق في أحداث الطيونة، فإن مصادر سياسية رأت أن الترابط ما زال قائماً وسط رصْدٍ لِما إذا كان كلام وزير الثقافة محمد مرتضى عن أنه «إذا دعا الرئيس نجيب ميقاتي لجلسة حكومية غداً فسنحضرها وعلى وزير العدل والمؤسسة القضائية إيجاد الحل لمسألة الارتياب من البيطار»، يعكس بداية تراجُعٍ للثنائي الشيعي تحت وطأة استشعار أضرار ظهوره بمظهر مَن «يحتجز» جلسات الحكومة، في الوقت الذي كان رئيسها أكد أنه لن يدعو «حتماً» إلى جلسة «إذا لم يكن هذا ‏المكوّن (الثنائي الشيعي) مُشارِكاً حتى لو توافرت الغالبية الوزارية ولا يمكن أن أستفز ‏شريكي في المواطَنة».

وإذ لم يُعرف ما ستحمله الساعات المقبلة على صعيد «إحياء الحكومة» وخصوصاً بعد «تحدّي» بيطار «جبل» المعترضين على أدائه وتحديده، أمس، موعداً في 29 الجاري لاستجواب الوزيرين السابقين النائبين الحاليين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، من فوق استعادتهما أمس حصانتهما النيابية، يسود اقتناع بأن الاقتراح - المخرج لوزير العدل هنري خوري ‏بإنشاء هيئة اتهامية عدلية استثنائية للاستئناف أمامها في قرارات المحقق العدلي يحتاج إلى وقت لتكوين توافق حوله وتعبيد الطريق الدستورية أمامه.

وعلى وهج هذه التطورات، سارت الجلسة العامة للبرلمان، أمس،«بين الألغام» التي كانت تفجّرت أخيراً على خط «حزب الله»-«القوات»ميدانياً وبين الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر»(حزب الرئيس ميشال عون).

ومرّت الجلسة «بسلام»إجرائياً من دون الجزم بما إذا كان إقرار اعتماد 27 مارس المقبل موعداً للانتخابات النيابية والقفز فوق استحداث 6 مقاعد للمغتربين وإعلاء حقهم بأن يقترعوا للنواب الـ 128 كلٌّ في دائرته، ستكون له تداعيات بعدما حدث «ربْط نزاع»معه يُخشى أن يكون بمثابة«فتيل»يطيح بالانتخابات برمّتها.

فالجلسة التي شهدت أيضاً تعديلات على قانون الانتخاب في ما خص العديد من المهل ذات الصلة بقوائم الناخبين وموعد قفلها وهيئة الإشراف على الانتخابات وغيرها لزوم ملاقاة موعد 27 مارس، إضافة لتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة والميغاسنتر في الدورة الحالية، لم تخْلُ من توتر بين رئيس البرلمان نبيه بري (زعيم «أمل») ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل على خلفية حسم موعد 27 مارس لإجراء الانتخابات وتكريس اقتراع المغتربين وفق الآلية التي اعتُمدت في استحقاق 2018، وسط اعتراض باسيل على تنظيم الانتخابات في فصل الشتاء «وسط العواصف في مارس وأيضاً بسبب صوم المسيحيين». وبَرَزَ أنه بعدما طالب باسيل الرئيس برّي بمعاودة التصويت على إلغاء اقتراع المغتربين لـ 6 نواب، أعيد التصويت سريعاً بالمناداة، قبل أن يُسجّل اعتراض جديد لرئيس «التيار»على أن التصويت لم يكن واضحاً وشفافاً، وهو ما قابله برّي بحزم: «خلص خلصنا كأن أول مرة منعمل جلسة»، فصفّق نواب «القوات».

أما قمة التوتر بين بري وباسيل فكانت بعدما لمّح الأخير إلى اتجاه للطعن بتغيير موعد الانتخابات من قبل السلطة التشريعية (بقي ضمن المهلة الدستورية أي في غضون شهرين قبل انتهاء ولاية البرلمان) وإلغاء المقاعد الستة للمغتربين، وهو ما ردّ عليه رئيس البرلمان بحدة: «ما حدا يهددني كل شي بسمح فيه إلا التهديد».

وفي حين سرت أجواء عن أن رئيس الجمهورية لن يوقّع القانون المتعلق بالتعديلات على قانون الانتخاب وسيردّه إلى البرلمان، وهو ما لم يتم الجزم به، فإن تأكيد باسيل الذي بدا «وحيداً»في البرلمان أنه سيتقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري بعد «المجزرة التي ارتُكبتْ بحق إصلاحاتٍ جوهرية أدْخلناها على قانون 2017 وما حصل تلاعب فاضح»، أثار مخاوف عبّر عنها نواب من كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من إمكان تطيير الانتخابات برمّتها التي يبدو أنها دخلت في سباقٍ مع «صواعق» تنذر بتفاعلات متدحرجة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي