مناخاتُ الصِدام الداخلي تظلّل مفاوضات لبنان مع صندوق النقد
حجبت التطورات المستجدة على «الجبهات» السياسية والأمنية والقضائية، جزئياً، مآسي الأزمات النقدية والمعيشية العاتية في لبنان والتي استعادت سريعا قوة التدحرج السلبي إلى مستويات قعرية جديدة تشي بتبديد كامل الآمال المتواضعة المعلّقة على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بعدما تحولت هيكليتها «خط تماس» لنزاعات مفتوحة من داخلها وضمن نطاقها الحيوي الذي تمثّله السلطة التشريعية.
وتَبيّن، بحسب المراقبين والخبراء، أن ارتداد سعر صرف العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها عند عتبة 21 ألف ليرة لكل دولار، هو بمنزلة الانذار المبكر لاستعادة موجات الفوضى النقدية الكفيلة بدفع الأوضاع المعيشية الى ذروة التأزم تحت ظلال الانحرافات الداخلية التي رهنت مهمات الحكومة واجتماعاتها بملف قضائي شائك، بعدما بثت مخاوف حقيقية من تجدد مشاهد الاشتباكات الدامية وتفلُّت السلاح غير الشرعي.
ويبدو، بحسب مصادر اقتصادية مواكبة، أن «إسقاطاتِ» المناخات الرديئة المستجدة عقب أحداث «الطيونة» يوم الخميس الماضي وما يتصل بها على الجبهة القضائية، ستُفضي حكماً إلى «فرملة» الرهانات الإنقاذية التي سعت الحكومة الى تثبيت ركائزها عبر إعادة هيكلة خطة التعافي وتحديد الموعد المبدئي في نهاية الشهر الحالي لاستئناف جولات المفاوضات مع ادارة صندوق النقد الدولي، ومحاولة الحصول على جرعة دعم لا تقل عن ملياري دولار قبل نهاية السنة من ضمن برنامج تمويلي لثلاث او خمس سنوات يتم عقده رسمياً بعد انجاز استحقاق الانتخابات النيابية في 27 مارس المقبل.
وستمثّل الزيارة التي بدأها المدير التنفيذي في الصندوق وممثل المجموعة العربية محمود محي الدين لبيروت، استطلاعاً ميدانياً لإمكان معاودة تصويب المسارات الداخلية ومدى التوافق بين المكونات الرئيسية على خطة إنقاذية شاملة تتضمن حكماً التزامات اصلاحية واضحة ومحددة. علماً أن محيي الدين أكد قبل وصوله لوكالة «أنباء الشرق الأوسط»، أن «وجود حكومة كاملة الصلاحيات هو شرط أساسي لبدء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد»، وأن «التوصل لاتفاق بين الدولة اللبنانية والصندوق يعني حصول لبنان على تمويل، كما يفتح أمامها الباب للحصول على تمويل آخر من جهات ومؤسسات دولية، ويعيد الثقة في الاقتصاد اللبناني وقدرته على التحرك، ويفتح المجال للاستثمار والتجارة بشكل منتظم والتشغيل للمتعثرين».
وما يُخشى منه بحسب تقديرات الاقتصاديين والمحللين هو إمكان دخول البلاد في مرحلة مراوحة سلبية تتغذى من الهواجس الكبيرة التي خلّفتْها التطورات الدراماتيكية المستجدة بوقائعها السياسية والأمنية. فهذه الوضعية ستستهلك حتماً الوقت الضيّق المتاح أمام الحكومة لتفعيل ما بدأه الفريق الاقتصادي فعلياً لجهة تحريك المحادثات الأولية مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصّل إلى إتّفاق على برنامجِ تعافٍ إقتصادي يستحصل على دعم المجتمع المالي الدولي، ما يهدّد تالياً بضياع فرصة عزْم الحكومة على إعادة إطلاق المفاوضات الرسمية بشكل عاجل، بعدما تمّ تشكيل فريق عمل متجانس لهذه الغاية، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي وعضوية وزير المال يوسف الخليل ووزير الإقتصاد أمين سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ويلفت مسؤول اقتصادي في حديث مع «الراي» إلى أن المؤسسات المالية الدولية، وخصوصاً صندوق النقد والبنك الدولييْن، تتابع عن كثب مجريات الأوضاع الداخلية. وثمة إشارات أولية بزيادة منسوب الريبة لديها حيال إشهار حق «الفيتو» وحقيقة تَوزُّعه على أطراف متعددة، ما يضع قدرات السلطة بمكوّناتها كافة على التحكّم بإدارة الدولة ومنظومة الشؤون العامة في الداخل والخارج في موضع الشكوك، وبما يشمل خصوصاً التزاماتها التي سترِد، مُسْنَدَة بضماناتٍ مطلوبة من السلطتين التنفيذية والتشريعية، في البرنامج الإصلاحي الذي يعكف الفريق الاقتصادي الحكومي على إنجازه بسريّة تامة وبإشراف الرئيس نجيب ميقاتي شخصياً.