تَعاظُم ضغوط «حزب الله» لإطاحة بيطار والانقضاض على جعجع
حكومة ميقاتي «المعلَّقة»... بين «فكيْ كماشة»
- «حزب الله» يريد إحالة أحداث الطيونة على المجلس العدلي لإبقائها «سيفاً مصلتاً» على جعجع
- عون يتفادى ضغوط «حزب الله»... «ما بمون» على بيطار
- اجتماع لمجلس القضاء الأعلى مع بيطار الثلاثاء... فهل يصمد؟
- محاولةٌ لـ «شق صفوف» أهالي ضحايا انفجار المرفأ؟
- لبنان على طاولة الاتحاد الأوروبي غداً والإصبع على زناد العقوبات
- موقف سعودي لافت من الوضع في لبنان
حذّرت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، من المنحى الذي انزلق إليه الوضع اللبناني الذي بات عالقاً بين «ناريْ» العصْف السياسي - القضائي لملف التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، والتشظيات البالغة الخطورة أمنياً لأحداث الطيونة التي يُنتظر أن تتدحرج أيضاً على المستوييْن السياسي والقضائي.
وبدا واضحاً أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صارتْ أسيرة هذين الملفين المتشابكيْن اللذين دهما البلاد مع إطلاق «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري معركة إقصاء المحقق العدلي في «بيروتشيما» القاضي طارق بيطار «مهما كلّف الأمر»، ثم انفجار هذا الملف في الشارع «على الدم» الذي سُفك عند مثلث الطيونة - الشياح - عين الرمانة حيث سقط 7 قتلى ونحو 32 جريحاً في مواجهاتٍ اندلعت على تخوم ما كان يُفترض أن يكون «أول غيث» الضغط الشعبي من الثنائي الشيعي للإطاحة ببيطار قبل أن يأخذ «الخميس الأسود»، أياً تكن ملابساتُ انطلاق «أول رصاصة»، هذه القضية إلى بُعدٍ أصبح بحجم كل تعقيدات الواقع اللبناني وتوازناته ومحاولات ترسيم حدود جديدة للموازين فيه.
وأبدت الأوساط الواسعة الاطلاع مخاوف كبرى من أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة لوقوع البلاد والحكومة بين «فكي كماشة» أزمة المحقق العدلي وأحداث الطيونة لم يعُد بالإمكان تجنُّبها، وهي ستصيب ما تبقى من «خيْط رفيع» كان يحْفظ للقضاء برمّته «خط الرجعة» نحو استقلالية عن السلطة السياسية، كما ستفتح المشهد الداخلي على المزيد من استثمار اندفاعة النار الأخيرة في اتجاهات عدة أبرزها: نصْب «كمائن» وتصفية حسابات تتصل بالانتخابات النيابية كما الرئاسية المقبلة، ومحاولة «الإطباق» على حزب «القوات اللبنانية» في ضوء عملية الـ scanning التي لابد أن تكون حصلت لكيفية إدارته مع أطراف آخرين حاضرين في منطقة عين الرمانة المواجهة التي حصلت والتي تصرّ «القوات» على أنها كانت عبر «الأهالي دفاعاً عن النفس بوجه الاعتداء عليهم» في مقابل تَمَسُّك «حزب الله» خصوصاً بأنها كانت «كميناً معداً من القوات لتجمّع سلمي جرى الغدر به عبر قنّاصة».
ولم يعُد خافياً أن ملفيْ بيطار وموْقعة الطيونة تحوّلا «القفل والمفتاح» في الإفراج عن جلسات مجلس الوزراء بعدما كان الثنائي الشيعي علّق المشاركة فيها الثلاثاء الماضي وفق معادلة «إما الإطاحة ببيطار وإما لا حكومة»، وسط معطيات أن الثنائي «طوّر» شروطه لينضمّ إليها تحويل أحداث الخميس على المجلس العدلي ومحاسبة المقصّرين من أجهزة أمنية وعسكرية.
ولم يكن عابراً الكشف عن اجتماعٍ سيعقده مجلس القضاء الأعلى بعد غد الثلاثاء، مع القاضي بيطار للاستماع إلى رأيه حول مسار التحقيق في قضية المرفأ، وهو الاجتماع الذي كُشف عنه بعد لقاء حصل، أمس، بين ميقاتي ووزير العدل هنري خوري ورئيس «القضاء الأعلى» القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وتم خلال الاجتماع البحث في ملف الأحداث الأمنية التي حصلت في الطيونة وضرورة الإسراع بالتحقيقات الجارية لكشف الملابسات الكاملة لما حصل، وإحالة المتسببين بهذه الأحداث على القضاء المختص. ورغم أن رئيس الحكومة شدد خلال الاجتماع على أن «الملف الكامل لما حصل هو في عهدة الأجهزة الأمنية بإشراف القضاء المختص»، مؤكداً أنّ «الحكومة حريصة على عدم التدخل بأي ملف يخص القضاء، وأن على السلطة القضائية أن تتخذ بنفسها ما تراه مناسباً من إجراءات»، فإن مناخاً ساد بأن رمي «كرة النار» في ملعب مجلس القضاء الأعلى (اكتمل نصابه بعد تعيين الأعضاء الأربعة الجدد فيه) معطوفة على ما كُشف عن أن الرئيس نبيه بري قال لوزير العدل «أريد حلاً سريعاً لإزاحة المحقق العدلي»، يعكس «انغماساً سياسياً» فاضحاً في عمل القضاء.
وعلى وقع تسريبات عن صيغ لمحاصرة بيطار عبر تعيين مساعدين له وحصْر دورهم بملاحقة الموظفين العسكريين والأمنيين والمشتبه بهم من غير رؤساء الحكومة والوزراء على قاعدة أن هؤلاء يُلاحقون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يجري رصْد إذا كان المحقق العدلي سيعمد إلى التنحي بحال استشعر أنه سيصبح «شاهد زور» في ملفٍّ تحوّل قضية حق وحقيقة ورأي عام في لبنان ومحور معاينة لصيقة دولياً.
مع الإشارة إلى أن المحقق العدلي يخسر ابتداء من الثلاثاء، «ورقة ثمينة» مع عودة الحصانة إلى النواب - الوزراء السابقين المدعى عليهم (مع بدء الدورة العادية للبرلمان)، وهو لم يبادر إلى تحديد موعد للنائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق لاستجوابهما قبل 19 الجاري بعدما كان أصدر مذكرة غيابية بحق النائب علي حسن خليل الذي خسر الخميس مع زعيتر طلب ردّ جديداً تقدما به ضد بيطار أمام محكمة التمييز المدنية.
وفي حين ترافقت الاتصالات لمعالجة قضية بيطار مع معلومات عن أن التواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون في شأنها خلص إلى أجواء مفادها أن الأخير «لا يمون» على المحقق العدلي، فإن المناخاتِ التي سادت على جبهة أحداث الطيونة طغت عليها تقارير عن أن «حزب الله» اتخذ قراراً بأن معالجة هذا الملف لا تكون بأقل من إحالتها على المجلس العدلي وصولاً إلى حلّ حزب «القوات اللبنانية».
وفي موازاة بدء التحقيقات في هذا الملف بعدما جرى جمْع الأشرطة من كاميرات المراقبة في مناطق الاشتباكات وتم توقيف نحو 19 شخصاً غالبيتهم الساحقة من «عين الرمانة»، علمت «الراي» أن موضوع «حل حزب القوات» ليس أولوية في «بنك الأهداف»، وأن الإحالة على المجلس العدلي ستتحوّل بمثابة «سيف مصلت» على رئيسه سمير جعجع للمرحلة المقبلة خصوصاً بعدما برز كأحد عناصر «التفلت» من حال الترويض التي حصلت لمجمل الواقع اللبناني وسجّل نقاطاً في الوضعية المسيحية وتنذر أحداث الطيونة بأن تتحوّل «فرصة» لخصومه لمحاولة الانقضاض عليه.
وإذ كان نائب «حزب الله» حسين الحاج حسن يعلن أن «واجب جميع القيادات السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية والقضائية اتخاذ المواقف والخطوات اللازمة تجاه هذا الكمين القواتي الغادر وإنزال العقوبات الشديدة بحق القتلة والمخططين والمسؤولين القواتيين أياً كانوا وصولاً إلى رأس الهرم في هذا الحزب صاحب التاريخ الإجرامي»، فإن رئيس «القوات» نفى أن يكون ما حصل مخطّطاً له حزبياً بل جاء كردّ فعل من الأهالي على «7 مايو» أريد تنفيذه بحق منطقة مسيحية وبدأ باعتداء على آمنين في نقطة بعيدة عن منطقة التجمع التي حُددت للانطلاق منها نحو قصر العدل في بيروت «وبعدها اندلعت الاشتباكات في مكان آخر وظهر مَن كان مدجّجاً بالسلاح».
وفي حين دعا جعجع السيد حسن نصر الله «لأن يتقي الله ويوقف تجييشه للفتنة»، مشككاً بخلفيات اتصال رئيس الجمهورية به يوم الخميس، ومؤكداً أنّ الاتصال «كان سيئاً... وما استنضفتو أبداً إذ ما علاقة(القوات)بما كان يجري»، نفى أن تكون «القوات» بصدد الدخول في أتون أي حرب داخلية «بس ما منقبل حدا يتعدى علينا، وما حصل يثبت أن اللبنانيين ضاقوا ذرعا بحزب الله وممارساته».
وفي موازاة ذلك، وعشية إطلالةٍ للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله غداً على وقع تقارير عن تبايناتٍ ومناخات متوترة بين الحزب و«التيار الوطني الحر» (أطل رئيسه جبران باسيل مساء أمس) على خلفية الموقف من بيطار، وسط تأكيد أوساط عليمة لـ «الراي» أن الأمور لا يمكن أن تتجاوز طابعها «الموْضعي» وأن علاقة الطرفين محكومة باعتبارات «ما فوق تكتية»، فإن المشهد الداخلي انشغل بشريط مصوّر ظهر فيه الناطق باسم أهالي ضحايا انفجار المرفأ إبراهيم حطيط يطالب بتنحي بيطار ويتّهمه بالتسييس والاستنسابية وتنفيذ أجندة أميركية.
وفيما شكّكت وسائل إعلام على خصومة مع «حزب الله» بأن هذا الشريط سُجل تحت التهديد بعدما جرى اقتحام منزل حطيط وأن الأخير ظهر مرتبكاً في الفيديو وأن نفيه تلقي تهديدات مردّه إلى أن عائلته بخطر، متحدّثين عن محاولة من الحزب لشق صفوف الأهالي، خرج ذوو ضحايا بيروتشيما في بيان جدد الثقة ببيطار، متحدثين عن «ظروف مستجِدّة يبدو أنها أدّت بِحطيط إِلى إصدار بيانِه الأخير المستغرَب باسم عوائل الضحايا، علماً أنَّ هذا الموقف لا يمثّلُنا أَبَداً»، ومشددين على «أَن قضيّتَنا أَعَلَى وأسمى مِن زَجّها في التجاذبات السياسيّة والطائفيّة والسلطويّة.
ونؤكد مجدّداً ضرورة امتثال كافّة المطلوبين إِلى العدالة أَمام التحقيق».
وإذ جاء مجمل هذا الصخب عشية الذكرى الثانية لانتفاضة 17 أكتوبر 2019 التي انكفأت تدريجاً، فإن الأوساط المطلعة توقفت عند معاودة المجتمع الدولي في ضوء أحداث الطيونة تأكيد أهمية مضي التحقيق في انفجار المرفأ مع اتهام لـ «حزب الله» بترهيب القضاء وفق ما عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، مؤكداً «القضاة يجب أن يكونوا في منأى عن العنف ومن (...) الترهيب الذي يمارسه حزب الله».
وفي حين برز موقف نقلتْه صحيفة «النهار» عن مصدر فرنسي رفيع وصف لأحداث التي جرت في لبنان بأنها «مريعة»، معلناً أن «باريس ترى أن(حزب الله )يتحمل مسؤولية هذه الأحداث المأسوية، وينبغي أن يذهب التحقيق إلى النهاية»، معتبراً أن بيطار «شجاع وعلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يصمد»، استوقفت دوائر سياسية أول إطلالة سعودية على الواقع اللبناني على خلفية أحداث الخميس.
ولاحظت هذه الدوائر أنه بعد بيان الخارجية السعودية الذي أعلن أن المملكة تتابع باهتمام الأحداث الجارية في لبنان، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع فيه بأسرع وقت، مؤكدة موقف المملكة الثابت وتضامنها مع الشعب اللبناني وأنها «تتطلع إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة» وأن «الشعب اللبناني الشقيق يستحق استقراراً في وطنه ونماءً في اقتصاده وأمناً يبدد الإرهاب»، ذهب وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لاعتبار أن الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان «يتطلب التحرّك الآن»، وأن «أحداث اليومين الماضيين تظهر أن لبنان بحاجة إلى تغيير حقيقي وجدي»، وأن«المسؤولية تقع على الزعماء».
ووسط رصْدٍ لما إذا كان هذان الموقفان يعكسان اتجاهاً من الرياض لكسْر«النأي بالنفس»عن الوضع في لبنان، فإن هذا الوضع سيكون محور اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غداً على وقع إعلان موافقة الاتحاد على«إطار عام لفرض العقوبات على معرقلي العملية السياسية في لبنان»، وتأكيد«فرض العقوبات والبحث بالأسماء»، في موازاة إعراب ناطق باسم الاتحاد أن ما حدث في لبنان كان محزناً،«والعقوبات أداة نستخدمها»، داعياً السياسيين لتحمل مسؤولياتهم وإجراء الإصلاحات.