مذكرة توقيف بحق نائب والملف الى مكاسرة كبيرة
«حزب الله» للمحقق العدلي في «بيروتشيما»... «كش برّا»
- «الشيعي الأعلى» يلاقي نصر الله «لتصحيح المسار قبل فوات الأوان»
- «لغم» الهجوم على بيطار والدعوة للإطاحة به كاد يفجّر جلسة الحكومة ونقاشات حادة سادتْها
لم يكن أحدٌ يتصوّر بعد 14 شهراً ونيّف على «بيروتشيما»، الذي «زَلْزَلَ» لبنان وبلغتْ ارتداداتُه العالمَ، أن دويَّ التحقيقات في هذه الجريمة لن يقلّ صخباً بعدما اكتملتْ عناصرُ محاولة «الإطباق» على المحقق العدلي القاضي طارق بيطار والمسار الذي يعتمده، ما يُنْذِر باستقطاباتٍ داخلية حادة يتشابك فيها السياسي بالقضائي والطائفي ويُخشى أن يتم معها «إغراقُ» الملف عبر تحميله أبعاداً بخلفياتِ الصراع الداخلي بامتداده الخارجي وتالياً إحباط كشف «الصندوق الأسود» لانفجارٍ سقط فيه 218 ضحية ونحو 6500 جريح ودمّر نصف العاصمة.
ولم يكن عابراً أن تتحوّل «المواجهةُ» مباشرةً بين كبير المحققين في القضية وبين «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصر الله، الذي وجّه أقسى «مضبطة اتهام» بحق بيطار «الذي يعمل باستنسابية وباستهدافات سياسية وكأنه حاكِم بأمره وسيأخذ البلد إلى كارثة بحال أكمل بهذه الطريقة»، ومطلقاً تحت عنوان أن ما يقوم به المحقق العدلي «خطأ كبير جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً جداً حتى ينقطع النفس» معركة الإطاحة به، ومتوجّهاً في هذا الإطار إلى مجلس القضاء لمعالجة الموضوع و«المطلوب من مجلس الوزراء أن يحلّه فهو أحال القضية على المجلس العدلي وسنثير الأمر على طاولة الحكومة، فمن حقّنا أن تستمعوا لنا وما فينا نكفّي هيك».
وإذ جاء هجوم نصر الله الأعنف على بيطار على خلفية استدعائه وادعائه على رئيس حكومة سابق (حسان دياب) و4 وزراء سابقين بينهم 3 نواب حاليون وقادة أجهزة أمنية وإصداره مذكرات إحضار وتوقيف غيابية بحق بعضهم وسقوط محاولاتهم ردّه عن الملف، فإن رفْع الأمين العام لـ «حزب الله» سقف «المعركة» مع «هيدا القاضي» اكتسب دلالاته الأبرز لأنه أعقب التقارير عن «تهديد بالواسطة» وجّهه رئيس لجنة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا قبل أسابيع قليلة للمحقق العدلي بـ«منقبعك».
وفيما استحضر خصوم «حزب الله» رداً على «استشراسه» في «تهشيم» صورة المحقق العدلي ما رافق التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تساءلوا عن سرّ هذه الاندفاعة المتدحرجة بوجه التحقيق وخلاصاته التي لم تُكشف بعد خصوصاً لجهة سبب الانفجار في العنبر رقم 12 ولمَن كانت شحنة نيترات الأمونيوم التي انفجر نحو 500 طن منها ومَن غطى تخزينها لنحو 7 سنوات وتهريب نحو 2250 طناً منها على مدى أعوام، ومتوقفين عند اتهام إعلامٍ قريب من «حزب الله» بيطار «بالتورط في مشروع سياسي كبير يهدف إلى تخريب لبنان».
وعلى وقع ملامح «محاصرته»، حرص القاضي بيطار على الردّ بالثبات نفسه بل هو ذهب أبعد في إصراره على ملاحقة الوزراء السابقين - النواب الحاليين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق (ومعهم يوسف فنيانوس الصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية) أمام القضاء العدلي وليس «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء»، فباغت خليل الذي كان حدد له موعداً أمس لاستجوابه ولم يحضر بإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، اعتُبرت مؤشراً لِما ينتظر زميليْه اليوم وإلى أن المحقق العدلي ماضٍ في المسار القضائي نفسه ما دام على رأس هذا الملف.
وجاءت مذكرة التوقيف في «الوقت المستقطع» بين ردّ الغرفة الخامسة المدنية في محكمة التمييز (أول من أمس) طلب الردّ الذي كان تقدم به خليل وزعيتر بحق بيطار، وبين تبلَّغ المحقّق العدلي أمس طلباً جديداً منهما تحت العنوان نفسه قدّماه إلى الغرفة الأولى في «التمييز»، ما أدى إلى كف يده تلقائياً وموقتاً عن القضية، وهو ما يحصل للمرة الثانية بعدما كان خليل وزعيتر ومعهما المشنوق سلكا المسار عيْنه أمام محكمة الاستئناف في بيروت، التي أسقطت طلبات الردّ لعدم الاختصاص النوعي.
وكان بيطار عقد صباح أمس، جلسة كانت مخصصة لاستجواب خليل، وخلالها طلب محاميه مهلة زمنية لتقديم دفوع شكلية ومستندات، إلا أن المحقق العدلي رفض هذه الطلبات وأصدر مذكرة التوقيف الغيابية.
وبعد انتهاء الجلسة، تبلغ بيطار دعوى الرد الجديدة المقدمة ضده من وكلاء خليل وزعيتر، ما استدعى تعليق التحقيق ووقف كل الجلسات.
وسرعان ما اتجهت الأنظار إلى ما إذا كان القاضي ناجي عيد سيصدر قراره ويبت طلب الردّ الجديد (الذي يُنتظر ألّا يخالف ما خلصت إليه الغرفة الخامسة لجهة عدم الصلاحية) وذلك قبل الموعدين المحددين لاستجواب المشنوق وزعيتر، ابتداءً من العاشرة من قبل ظهر اليوم بما يُبْقي عليهما، أم أن الأمر سيتأخّر بما يوجب جدْولة موعديْن جديدين، وسط سباقٍ محموم مع الوقت دخله بيطار الذي يحاول استكمال إجراءاته بحق المشنوق وزعيتر قبل استعادتهما حصانتهما النيابية الثلاثاء المقبل مع بدء الدورة العادية للبرلمان.
وفور صدور مذكرة التوقيف بحق خليل، محدِّدَةً الجرم بـ «القتل والإيذاء والحرق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي»، ساد ترقُّب لمدى إمكان تنفيذها، وسط اقتناعٍ بأن وزارة الداخلية لن توعز بذلك في ضوء المناخات السياسية المشحونة المحيطة بهذا الملف. علماً أن المذكرة نصّت على «أن كل مأمور قوة مسلحة مكلف بتوقيف الشخص المدرجة هويته أعلاه وسوقه بلا إبطاء الى دائرة السجن المتوافر»، و«يمكن عند الاقتضاء الاستعانة بالقوة المسلحة الموجودة في الموقع الأقرب لمحل إنفاذ المذكرة التي هي نافذة في جميع الأراضي اللبنانية وعلى مَن ينفّذها إحضار الموقوف في مهلة أقصاها 24 ساعة إلى جانب النائب العام المختص تحت طائلة المسؤولية».
وفيما ترافق هذا التطور مع عدم منْح المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد برئاسة الرئيس ميشال عون الإذن لملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، أعطى بيانٌ أصدره المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولاقى فيه هجمةَ نصر الله على بيطار مؤشراً إلى المنحى التصاعدي الذي ستتخذه المكاسرةُ مع المحقق العدلي وإلى أن الإطاحة به باتت هدفاً أوّل ستُستخدم فيه كل «الأسلحة» السياسية والطائفية.
فقد حذّر «الشيعي الأعلى» بعيد صدور مذكرة التوقيف الغيابية بحق خليل (هو وزعيتر من كتلة الرئيس نبيه بري شريك حزب الله في الثنائية الشيعية) من تسييس «هذه القضية الوطنية والإنسانية بتحويل القضاء أداة للانتقام السياسي الذي يحرف العدالة عن مسارها».
ورأى أنه «انطلاقاً من حرصه على العدالة، ومن خلال مواكبته ومتابعته للرسم البياني لأداء قاضي التحقيق في هذه القضية، فهو يوماً بعد يوم يبتعد كلياً عن مسار العدالة من خلال الاستنسابية والمزاجية اللتين كرستا الارتياب به وبعمله»، مستهجناً «الصمت المطبق الذي يخيم على الهيئات القضائية العليا»، ومتسائلاً «عمن يغلّ ايديهم حيال الإسراع بتصحيح المسار قبل فوات الأوان والوقوع بما لا تحمد عقباه جراء غياب العدالة وسيادة الغرائز لدى مَن يفترض أنه مؤتمن عليها مستسلماً للأحكام المسبقة والمستورَدة».
وفي موازاة ذلك توجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان لبيطار في بيان جاء فيه: «القضاء يبدأ برؤوس الأفاعي وليس بالعمل للأفاعي، وكشْف الحقيقة لا يكون بتكوين شهادات عابرة للبحار بل بالكشف عن مخالب اللاعب العابر للبحار بمرفأ بيروت.
ونصيحتي لك بكل حرص: ابدأ بما يخالف واشنطن وتل أبيب تصل للحقيقة، وما دونها خيانة شهداء وضحايا وضياع قضاء وحرق أوطان».
وبإزاء هذه المناخات الساخنة، عبّرت أوساط سياسية عن خشيةٍ من أن يطبع هذا العنوان، الذي يخضع لمعاينة دولية لصيقة، المرحلة المقبلة في لبنان ويتحوّل «لغماً» بوجه الحكومة المثقلة أجندتها بملفاتِ الانهيار الشامل الذي استعاد عصْفه على وهج ارتفاعاتٍ متجددة لسعر صرف الدولار الذي لامس 20 ألف ليرة أمس، في السوق الموازية، وبكيفية التعاطي مع محاولاتِ «تشبيك» لبنان بإيران اقتصادياً من بوابة ملف الكهرباء بعدما اكتملت عناصر إلحاقه بها بالتموْضع الإقليمي وعبر تحكُّم حلفائها بمفاصل القرار السياسي في بيروت.
ولم تتأخّر تشظيات مذكرة التوقيف ومجمل إجراءات المحقق العدلي في إصابة جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت عصر أمس في القصر الجمهوري حيث أشارت المعلومات إلى أن نقاشات حادة جداً سادتْها على هذه الخلفية بعدما أثار الوزراء الشيعة مسألة أداء القاضي بيطار تحت سقف ما سبق أن أعلنه نصر الله و«الشيعي الأعلى»، وسط تقارير تحدثت عن «أن الأمور مفتوحة على احتمالات عدة».