رجعت إلى المنزل وقت الظهيرة بعد الانتهاء من العمل، فدخلت على والدتي وسلمت عليها، وبعد الاطمئنان على صحتها استأذنتها، لكنها قالت: أريدك في موضوع!
قلت: آمري، فقالت: اشتاقت نفسي لمكة وأريد الذهاب للعمرة!
فسكت لحظات ثم قلت لها: إن وضعك الصحي لا يساعد على السفر - لأنها تعاني من فشل كلوي ومشاكل في الجهاز التنفسي وأمراض أخرى - ومن الصعب أن تذهبي للعمرة.
فحاولت إقناعي مرات عدة بأنها تستطيع الذهاب وأنه لا خطورة عليها، ولكن لمعرفتي بوضعها الصحي أخبرتها بأنه من الصعب أن تسافر، وأن في ذلك خطورة على حياتها، فلما يئست من إقناعي، تفاجأتُ بالدموع تترقرق في عينها ثم تنساب على خدّيها!
فقلت في نفسي كيف السبيل للتخفيف عنها؟
فتذكرت بعض المواقف التي لو ذكرتها لها، فلربما خففتُ شيئاً من حزنها.
فذكرت لها قصة الصحابة الذين أرادوا الخروج للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه اعتذر عن أخذهم معه لأنهم لا يملكون دابة تحملهم، ولا يستطيع أن يوفرها لهم، فرجعوا والدمع ينهمر من عيونهم، حزناً على عدم المشاركة.
وذكرت لوالدتي الغالية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، عندما خرج مع أصحابه في إحدى الغزوات فقال لهم: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ، وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر).
وقلت لها إذا نوى الإنسان عمل الخير، وحالت الظروف دون القدرة على القيام به، فإن الله تعالى يكتب له أجر ذلك العمل وإن لم يفعله، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام (إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كُتبَ لَهُ من العملِ ما كانَ يعملُهُ وَهوَ صحيحٌ مقيمٌ).
وكلما كان العبد صادقاً مخلصاً في نصرة الحق وأهله، ولم يتمكن من فعل شيء بسبب الظروف التي تحيط به فإن الله يكتب له الأجر، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَن سأَل اللهَ الشَّهادةَ بصدقٍ بلَّغه اللهُ منازلَ الشُّهداءِ وإنْ مات على فِراشِه).
فسكنت نفسها وكفكفت دموعها، واستبشرت خيراً.
أحببت أن أورد هذا الموقف تسلية وتخفيفاً عن ملايين المسلمين الذين تنكسر قلوبهم وهم يرون إخوانهم المستضعفين في الهند والصين وسورية وغيرها من البلاد، وهم يُسامون أشد أنواع التعذيب ويتعرضون لأبشع صور التنكيل، ثم لا يملكون من وسائل نُصرتهم سوى الاستنكار أو الدعاء - لأسباب خارجة عن إرادتهم - فأقول لهؤلاء المخلصين سيكتب الله تعالى لكم أجر النُصرة على قدر نياتكم.
Twitter: @abdulaziz2002