القرار الأخير سيعود لمن يستطيع تشكيل الكتلة الأكبر وليس لمن يحصل على المقاعد الفردية الأكثر
الطعن في النتائج... ينتظر فرز صناديق انتخابات العراق
ينتظر العراقيون، ومعهم دول غرب آسيا وأميركا، نتائج الانتخابات في بلاد الرافدين المقررة اليوم، والتي تحدد هوية رئيس الوزراء الجديد الذي سيحكم العراق ويحمل معه الملفات الساخنة، بدءاً من الوضع الأمني، ومكافحة الإرهاب، إلى الوضع الاقتصادي الضاغط، مروراً بالانسحاب الأميركي المعلن عنه في نهاية السنة، إضافة إلى تحقيق التوازن في العلاقة الصعبة بين إيران وأميركا على أرض العراق، وإرساء العلاقات الطيبة التي تهدف إليها بغداد مع دول الجوار كافة من دون استثناء.
وعلى الرغم من أن المرحلة التي ستلي الانتخابات ستكون مرحلة «الطعن» بنتائجها لفترة غير قصيرة، إلا أن العراق سيجد طريق الخروج من النفق في نهاية المطاف عبر عودة الأحزاب الحاكمة إلى دورها المعتاد مع مقاعد أقل أو أكثر بقليل من السابق، لأنها هي من يتصدر اليوم المشهد الانتخابي من خلال التنافس بين بعضهم البعض فلا منازع قوي في وجهها.
وهذا ما يشكّل أزمة للمرجعية الدينية في النجف الأشرف التي تعول على الشعب لانتخاب وجوه جديدة تستطيع خرق الأحزاب القوية المسيطرة. وهذا ما سيكون من الصعب تحقيقه.
وعشية الاستحقاق الانتخابي كان المرجع الشيعي الأعلى في النجف الأشرف السيد علي السيستاني أصدر بياناً حضّ فيه كل فرد عراقي على المشاركة في الانتخابات، متحدثاً عن ضرورة انتخاب فقط الصالح.
وهو ما بدا أقرب إلى «فتوى الجهاد الانتخابي» والتي لا تقل أهمية عن «فتوى الجهاد الكفائي» التي أصدرها وتأسس استجابة لها «الحشد الشعبي»، آنذاك حين احتل «داعش» شمال العراق عام 2014.
إنها «فتوى الإصلاح والتغيير» التي تعتبر أشرس من المعركة ضد «داعش»، ففي رأي المرجعية يجب على الناخب البحث عن «الصالح النزيه» لإخراج العراق من التحديات الكبيرة المقبلة، والتي تشكل عبئاً كبيراً على العراق.
فمرجعية النجف تؤكد أن هذه الفرصة مهمة «لإحداث تغيير حقيقي» وإبعاد «الأيادي الفاسدة»، لأن «طريق الإصلاح ممكن» وأن هناك «أملاً يجب استغلاله لإبعاد غير الكفوئين» عن حكم العراق.
بكلام آخر، فإن المرجعية تحث الشعب العراقي على تغيير الطبقة الحاكمة وتعتقد، أنه في الإمكان فعل ذلك، إلا أن الواقع يقول إن المقاعد الـ 329 ستعود بغالبيتها إلى الأحزاب المسيطرة اليوم.
ويستفحل الخلاق السني - السني والكردي - الكردي والشيعي - الشيعي قبل الانتخابات، لكن ما يحصل حالياً ستزيله النتائج التي ستفرض على جميع الكتل الجلوس إلى طاولة المفاوضات لتقسيم الحصص في ما بينها، كما كان يحصل في كل مرحلة تعقب الانتخابات.
من هنا، فإن التوقعات حيال المرحلة المقبلة مجرد استنتاجات لأن القرار الأخير سيعود لمن يستطيع تشكيل الكتلة الأكبر وليس المقاعد الفردية الأكثر.
فقد استطاع رئيس الوزراء السابق إياد علاوي الحصول على 91 مقعداً في انتخابات عام 2010، لكنه فشل في تحقيق الكتلة التي تملك 165 مقعداً للوصول إلى سدة رئاسة الوزراء. وتالياً فإن الحاكم القادم للعراق سيكون الشخص الذي تنتخبه الأكثرية السياسية المتحالفة.
أما المشكلة الكبرى التي ستلي مرحلة ما بعد الانتخابات فهي الطعن بالنتائج. إن الأوضاع الاقتصادية المتردية وظهور تيار بين العراقيين يريد الإصلاح قد أحدثا خرقاً ولو بسيطاً في اللعبة السياسية لن يستطيع أي مسؤول تجاوزه.
وتالياً سيتسبب هذا التيار ودعوة المرجعية إلى عدم التصويت للفاسدين (وقد اتهمت أكثر الحكومات بالفساد) بخسائر لأحزاب عدة لن تحصل على ما كانت عليه حصتها البرلمانية سابقاً.
وهذا ما سيدفعها للطعن بنتائج الانتخابات.
الطعن المرتقب لن يكون جديداً على العراق.
فقد أعلنت كتل عدة في الانتخابات الأخيرة عام 2018 عن تشكيكها بالنتائج فأتى الرد سريعاً من السيد مقتدى الصدر، الذي حصل حينها على 54 مقعداً، أنه لن يقبل بتغيير نتائج كتلته مهما أعيد الفرز.
وهذا ما أوقف العجلة الاعتراضية وقبل العديد من رؤساء الكتل بالنتائج.
وإذا لم تحصل مفاجآت انتخابية، فإن توزيع المقاعد النيابية لن يتغير تغيراً جذرياً إلا عند الأحزاب، التي اتهمت بالتزوير سابقاً، هذا إذا فشل التيار الصدري في الحصول على مقاعد أكثر من 54.
فالتوقعات ترجح حصوله على العدد الأكبر كحزب واحد وليس ككتلة سياسية تتحالف مع كتل أخرى.
ومهما يكن فإن ثمة تغييراً حقيقياً من المتوقع حدوثه لأن رئيس الوزراء القادم لن يستطيع التغاضي عن التحديات التي يجابهها داخلياً وإقليمياً ودولياً.
وتالياً فإن الانسحاب الأميركي - إذا حصل حقيقة - سيشكل بدء مرحلة نهاية الفصائل المسلحة التي يتعلّق مصيرها بانتهاء الوجود العسكري الأجنبي على أرض العراق.
إنها تحديات كبرى لا تدع الحسد يدخل إلى قلب أي سياسي يصل إلى مركز الرئاسة. فالتوازنات الإقليمية - الدولية مهمة صعبة والتعامل مع الوضع الداخلي - الأمني يعتمد على هذه التوازنات، إضافة إلى دول عدة لها نفوذ داخل العراق وتتصارع على ساحته، وهذا لا ينطبق فقط على إيران وأميركا بل على آخرين لديهم أدوار لا يُستهان بها في بلاد مزقها الاحتلال وأرسى قواعد محاصصة تحكمها.
الانتخابات بالأرقام
- 3249 مرشحاً بينهم 951 امرأة يتنافسون على 329 مقعداً في البرلمان.
- 21 تحالفاً و167 حزباً منها 58 ضمن التحالفات.
- 9 مقاعد مخصصة للأقليات موزعة بين المسيحيين والشبك والصابئة واليزيديين والكرد الفيليين.
- تُجرى الانتخابات وفقاً لقانون انتخابي جديد، يفترض أن يحدّ من هيمنة الأحزاب الكبرى.
- يبلغ عدد سكان العراق 40.2 مليون نسمة، 60 في المئة منهم دون سنّ الـ 25 بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
- يبلغ عدد الناخبين 25 مليوناً يتوزعون على 83 دائرة انتخابية و8273 صندوق اقتراع، لكن 23 مليوناً فقط من يمكنهم التصويت نظرياً كونهم أصدروا البطاقات الانتخابية البيومترية.
- أبرز القوائم الشيعية: «التيار الصدري» بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وتحالف «الفتح» بقيادة هادي العامري، و«تحالف دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتحالف «قوى الدولة الوطنية» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
- تخوض التيارات السنية تنافساً حاداً، خصوصاً بين تحالف «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف «عزم» بزعامة خميس الخنجر الخاضع لعقوبات أميركية على خلفية «فساد».
- بالنسبة للأكراد، يلعب الحزبان الرئيسيان «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة نجل وابن شقيق رئيسه الراحل جلال طالباني، دوراً رئيسياً ويتوقع أن يحصلا على غالبية المقاعد المخصصة للأكراد، فيما تمثّل المعارضة أحزاب أخرى بينها «حزب الاتحاد الإسلامي» و«الجيل الجديد» و«كوران» وتعني «التغيير» باللغة العربية.