أبعاد السطور
معتقل في كييف!
عشرة أيام أمضيتها في العاصمة الأوكرانية، منها ستة معتقلاً في سجن، معهد، فندق، مصحة (!)، والأصح، ان الداخل إلى هذا المكان راجلاً وبإرادته يخرج بعدها وكأنه ابن 18.
السجان طبيب، طلع بلدياتنا (عربي قح)، أشرف على (ملفات الفساد) الجسدية وعمل على (غسلها) طبياً.
في ذلك (السجن)، الذي يمتاز بنجومية تفوق الفنادق من حيث الرقي والتعامل، النوم في (زنزانته) الانفرادية مثالية، وتستقبل صباحك في أول يوم ببرنامج تقديم عينات من الدم لإجراء 47 فحصاً مهماً، لينطلق بعدها قطار الوقت، بدءاً من فطور صحي وشهي في آن، ومن ثم إطلاق سراح النزلاء، للتنزه فوق سطح (السجن - المصحة)، واحتساء القهوة، وما أدراك عن القهوة وشاربيها في عموم كييف.
وبعد تنشق نسمات الحرية فوق السطوح، يعاد (اقتيادك) إلى (الزنزانة - الغرفة) الخاصة بك، للبدء بالجدول الصحي في هذا المكان المختص بالخلايا الجذعية.
ويطل عليك (السجّان) الدكتور ناصر البلوشي، وبمعيته فريقه ومنه العربي الآخر، عبدالله محمد، لتمنح الحقن اللازمة والمغذيات والأدوية والمكملات الغذائية، وبعدها مباشرة إلى غرفة المساج، وبعد الفرك والتدليك، يأتي دور العناية بالبشرة في قسم مختص لرعايتها.
وما ان يحين موعد الغداء، فالحرية متروكة بأن يتناوله منفرداً أو مع بقية «النزلاء»، ومن ثم، وبعد استراحة يعود كل منهم الى غرفته الخاصة لاستئناف تلقي الرعاية المجدولة للخلايا الجذعية.
حريتك ليست بيدك، خصوصاً أثناء التنقل بين الأقسام، إذ يواكبك حرس خاص، أو بالأحرى ممرض يشرف على راحتك.
وتسير وتيرة الأيام على منوال الفحوصات والمكملات حتى يحل اليوم الرابع، الذي يتلقى فيها النزيل خلايا المغذي، ومن خلال حقنة تحت الجلد، لا تستغرق أكثر من نصف الساعة من الوقت.
وما ان تنجز تلك (المهمة الطبية)، حتى يعود النزيل إلى معاودة البرنامج الذي سبق، ليطلق سراحه في اليوم السابع مسلحاً بتقرير مطولاً ودقيقاً عن حالته الصحية، وما يحتاجه من علاج إن تطلب الأمر.
بعيد (الاعتقال) التطوعي، والخضوع لجدول صحي، انتقلت إلى جدول فوضوي في العاصمة كييف، مليئاً بالحركة غير المقيدة بأشخاص محددين ولا بساعات محددة، مكتشفاً ما جد من جديد في عالم تلك المدينة (كييف) المتكيفة مع نفسها وأهاليها، متكيفين باحتساء القهوة في المقاهي التي تعج في شوارعها حيث بين كل مقهى ومقهى... مقهى.
فعلاً، تعود وكأنك... ابن 18!
