المرجع الحائري يهزّ شِباك الانتخابات... والتيار الصدري
أصدر المرجع العراقي آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري المقيم في إيران، بياناً في شأن الانتخابات البرلمانية الخامسة في العراق، هز خلاله شباك الانتخابات بقوة، ما يُتوقع أن يؤثّر على سير النتائج أو على الأقلّ ضعضعة التيار الصدري، الذي يُتوقع أن يحصل على عدد أكبر من المَقاعد النيابية من أي حزب أو تكتل آخر.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكتابات وغرف مناقشة هدفها إضعاف السيد مقتدى الصدر أو على الأقل ضربه تحت الحزام. وهذا يدل على أن جميع الوسائل أصبحت متاحة لفرض واقع سياسي مستقبلي لن يكون مختلفاً بل إن المحاصصة ستعود لتفرض نفسها على المشهد العراقي من جديد.
اغتال صدام حسين المرجع الأعلى السيد محمد باقر الصدر الذي عُرف بالشهيد الصدر الأول وتبعه اغتيال المرجع الأعلى السيد محمد صادق الصدر الذي عُرف بالشهيد الصدر الثاني. وقبل استشهاده، قال السيد محمد صادق الصدر (والد مقتدى) لأتباعه بوجوب اتباع مرجعية السيد كاظم الحائري من بعده. وقد أعطى السيد الحائري وكالة نيابية للسيد مقتدى الصدر لأشهر عدة، بعد سقوط صدام وسَحَبها منه بعد ذلك ليعلن السيد مقتدى انه يتبع مرجعية والده. إلا أن التيار الصدري بقي على اتباع مرجعية السيد الصدر ومرجعية السيد الحائري ومرجعيات أخرى يتبعها في أصول دينية لا تؤثر على أداء التيار بشكل عام. وبالتالي فقد اعتبر أن أكثر مقلدي السيد الحائري هم من التيار الصدري.
وهذه المقدمة ضرورية لأن صدور بيان السيد الحائري اعتُبر من الكثير من العراقيين موجّهاً «تحديداً» للتيار الصدري على الرغم من أن لغة المرجعية لا تعني أبداً شخصاً ما أو تياراً معيّناً بل تتجه بأكثرها نحو العمومية ليستنبط القارئ ما يفهمه هو من البيان.
وتضمّن البيان اتهامات متعددة الاتجاه نحو جميع الحكومات العراقية التي ترأسها سياسيون لا يزالون يملكون قوة سياسية ويشارك العديد منهم بالانتخابات الخامسة المقرَّرة هذا الأسبوع في العراق. وهاجم المرجع الديني هؤلاء الذين «لم يقدموا الخدمات الضرورية» واتهمهم «بالمفاسد» وان «نتائج الانتخابات الماضية مخيبة للآمال وغير مُرْضية» لأن السبب كان «عدم إيصال الأعداد اللازمة من الصالحين للبرلمان» الذي سمح «للأيادي الصهيونية - الأميركية العبث بأمن ومقدّرات الشعب العراقي».
وقدم السيد الحائري أربع نقاط، تلقّف مناصرو الأحزاب الشيعية السياسية البند الرابع منها فقط، وجزءاً من هذا البند دون غيره، ليوجه الضربة التحريمية القاصفة «لكل مَن ينصب العداء لقوى الحشد الشعبي حماة الوطن والقيم، او مَن يستتر خلف دعاوى دمج الحشد مع القوات الأمنية لتضعفه أو تمييعه، سعياً وراء إرضاء الأجانب والأعداء الفاسدين الذين يعدون العدة للمكر بالعراق ومحاربة قيمه ومجاهديه وأهله الصالحين».
وهنا قامت الدنيا ولم تقعد في العراق حيث اعتبر خصوم السيد مقتدى الصدر أنه هو المعني بهذا البند دون غيره وأن البيان موجّه لمقلدي السيد الحائري وبالتالي للتيار الصدري. ويعود سبب هذا الموقف من مناصري الأحزاب السياسية الشيعية خوفهم من حصول السيد مقتدى وتياره على أكبر عدد من المقاعد مما سيخوله - بنظر هؤلاء - اختيار رئيس الوزراء المقبل. وهذا ما لا يريده العديد من هؤلاء القادة السياسيين الذين يطمحون للعودة إلى كرسي رئاسة الوزراء وعلى رأس هؤلاء نوري المالكي زعيم «دولة القانون» ورئيس الوزراء السابق ويعود سبب هذا الهجوم إلى التصريحات السابقة للزعيم الصدري التي دعا فيها إلى حل الحشد الشعبي وسرايا السلام (القوات الصدرية) والباشمركة (الكردية) والتي اعتبر فيها في مقابلة مع قناة الشرقية انهم جميعهم «ميليشيات» (مقابلة بتاريخ 6 يناير 2021).
إلا أن خصوم التيار الصدري لم يلتفتوا إلى كامل جملة البند الرابع الذي كتبه السيد الحائري عندما اشترط التحريم لمن يدعو «لدمج الحشد مع القوات الأمنية سعياً وراء إرضاء الأجانب والأعداء والفاسدين». فلم يكن السيد مقتدى يوماً «يسعى لإرضاء الأجانب» بل كانت قواته في «جيش المهدي» أو مَن قاتلت أميركا والقوات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك فإن التيار الصدري يملك قوات داخل الحشد الشيعي تحت مسمى ألوية 313 و314 و315. وبالتالي فإن القوات الصدرية تُعتبر في رأي العراقيين أول مَن حمى مدينة سامراء، عاصمة أبو بكر البغدادي الذي سعى لاحتلالها عام 2014 وفشل بسبب القوات الصدرية أولاً والتي حمت الطريق الرئيسية في بغداد إلى سامراء وقتل منهم العديد بمعارك شرسة قبل استعادة القوات الأمنية العراقية تنظيمها وعافيتها.
وبالتالي فإن بيان السيد الحائري شمل التيار الصدري عندما قال انه يُحرم انتخاب مَن يعد العدة للمكر «بمجاهدي العراق وأهله الصالحين»، ومن المؤكد أن المرجع الأعلى لم يقصد عكس ذلك لأبناء التيار الصدري في مدينة الصدر وباقي المحافظات الجنوبية والذين يشكلون أكبر قاعدة شعبية في العراق وأكثرهم تعصباً لقائدهم.
وتعمّد خصوم السيد الصدر السياسيين التغاضي عن البند الثالث في بيان المرجع الحائري الذي أفتى «بتحريم إعطاء الصوت والتأييد لكل مَن يدعو لبقاء قوات الاحتلال على أرض العراق أو لا يدعو إلى إخراجها». وهذا يشمل أولاً أكراد العراق الذين يطالبون الأميركيين بالبقاء وعدم الخروج وأكثر الأحزاب السياسية الشيعية الذين يوافقون على بقاء قوات «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) الذي تقوده أميركا.
إنها حرب انتخابية ضروس يُسمح فيها الضرب في حلبة شرسة مفتوحة لا حدود ولا ضوابط فيها. ان السيد مقتدى الصدر لم يكن يوماً على موقف سياسي واضح أو ثابت، والاختلاف مع مواقفه السياسية سهل جداً، إلا أنه لم يكن يوماً إلا عراقياً وطنياً يرفض التدخلات الإقليمية والأجنبية في العراق على طريقته المباشرة المتشددة المثيرة للجدل.
ولم يلتفت العراقيون - خوفاً من وصول التيار الصدري إلى استلام السلطة - ان لا حزب ولا تكتل يستطيع انتخاب رئيس الوزراء وحده لأنه لم يحصل أحد على 165 مقعداً برلمانياً يخوله اختيار المقاعد الرئاسية العراقية.
وبالتالي فإن الأحزاب ستضطر للتحالف فيما بينها. لكن ما يحاول خصوم الصدريين القيام به هو تقليل المقاعد النيابية للسيد الصدر كي لا يفرض عليهم شروطه وينشئ تحالفات دونهم. إن دمج الحشد الشعبي ضمن الأجهزة الأمنية الأخرى لا يمكن أن يحصل إلا من خلال قانون برلماني تتفق عليه أكثرية الكتل النيابية لأنه أنشئ من خلال قانون برلماني. ولن يتم حل الحشد إذ قَبِل السيد الصدر ومعه كتلة الفتح التي يترأسها هادي العامري بإعادة آلاف المنتسبين الذين استبعدوا إلى صفوف الحشد بموافقة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وتخصيص الميزانية اللازمة لهم.
كان حل الحشد ولا يزال المطلب الأميركي الأول لأنه يرى فيه قوة عقائدية تحمي العراق ويتهمها بالتبعية إلى إيران. إلا أن للحشد عشرات الألوية التي تتبع لعشرات الفصائل المختلفة، منها المرجعية المتمثلة بالسيد علي السيستاني.
لقد أوجد بيان السيد الحائري شرخاً أكبر في الهوة القائمة أصلاً في التيار الشيعي الذي يملك القوة الأكبر في العراق ليزداد تشرذمه وتتسع الهوة بين هذه المكوّنات ويَضعف العراق، الذي من الممكن ألّا تكون على جدول أعمال الدول وحدته واستقراره واستعادة قوته وعافيته. إلا أن الشعب العراقي يبدو أنه المُساهِم الأكبر بتشرذم صفوفه من خلال صراعاته الداخلية التي يبدو أنه أَتْقَنَها.