أكثر من 330 من قادة دول وسياسيين ومشاهير أخفوا تريليونات الدولارات في ملاذات ضريبية
تسريبات «وثائق باندورا»... تسونامي جديد يكتسح سرية عالم الـ «أوفشور»
تسريبات «وثائق باندورا» هي نتاج أضخم تحقيق أجراه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين حول عالم شركات «الأوفشور»، ويهدف لفضح الأسرار المالية لنخب من السياسيين وذوي النفوذ والمليارديرات حول العالم.
وصل إجمالي عدد الوثائق إلى 11.9 مليون مستند متنوع، جرى تسريبها من 14 شركة خدمات «أوفشور» مختلفة، في دول منها قبرص وبيليز وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين.
تحقيق «وثائق باندورا»، الذي ساهم فيه نحو 600 صحافي وسلط الضوء على أكثر من 29 ألف شركة «أوفشور»، يكشف حجم التشابك العالمي بين السلطة السياسية وتمويل «الأوفشور» السري، ويظهر أن الكثير من قادة الدول والسياسيين والمشاهير أخفوا ملايين الدولارات عبر شركات خارجية (أوفشور) في ملاذات ضريبية.
ومن حيث الحجم والمدى، تعتبر هذه التسريبات الأكثر اتساعاً في ما يتعلق بملفات الملاذ الضريبي، حيث تكشف عن الصفقات السرية والأصول المخفية لأكثر من 330 سياسياً ومسؤولاً حكومياً رفيع المستوى في أكثر من 90 دولة.
كما تظهر في التسريبات أسماء سفراء ووزراء ومستشارو رئاسة وجنرالات ومحافظ بنك مركزي.
وتكشف الملفات المسربة عن ممتلكات ومقتنيات سرية في ملاذات «أوفشور» لأكثر من 130 مليارديراً من 45 دولة، بما في ذلك 46 من النخبة الأوليغاركية الروسية.
وورد ذكر نحو 35 من القادة والمسؤولين الحاليين والسابقين في الوثائق، في إطار ادعاءات تراوح بين الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي.
وأقام الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين روابط بين أصول في شركات «أوفشور» و336 من قادة الدول والمسؤولين السياسيين الكبار، من بينهم سفراء ووزراء، أنشأوا نحو ألف شركة، أكثر من ثلثيها في جزر فيرجين البريطانية.
واعتبر مدير الاتحاد جيرارد رايل في مقطع فيديو أن التحقيق «يظهر أن الأشخاص الذين يمكنهم وضع حد لسرية الشركات الأوفشور، لوضع حد لما يجري عبرها، يستفيدون منها أيضاً»، مضيفاً أن «الأمر يتعلق بتريليونات الدولارات».
أما الباحثة في منظمة الشفافية الدولية مايرا مارتيني، فقد رأت أن التحقيق يمثل «دليلاً جديداً واضحاً على أن أوساط الأوفشور تسهل الفساد والجرائم المالية وتعرقل العدالة»، مضيفة أن «هذا النموذج الاقتصادي» القائم على السرية المالية «لا يمكن أن يستمر».
وشدد الاتحاد على أنه في غالبية الدول لا تعاقب القوانين على هذه الأفعال. لكن على صعيد القادة السياسيين، أورد الاتحاد خطابات البعض منهم المتعلقة بمكافحة الفساد في مقابل استثماراتهم في ملاذات ضريبية.
لماذا «باندورا»؟
للوهلة الأولى قد يختلط الأمر على البعض، فيظنون أن كلمة «باندورا» تعني ثمار «البندورة» (الطماطم)، لكن حقيقة الأمر هي أن اسم «باندورا» مقتبس هنا من أسطورة إغريقية شهيرة تعرف بـ«صندوق باندورا» (Pandora›s box).
ووفقاً لتلك الأسطورة المستندة إلى معتقدات إغريقية بائدة، فإن «باندورا» كانت أول امرأة أمر الإله زيوس بـ«تخليقها»، وكانت تحمل صندوقاً سرياً منحها زيوس إياه، وهو الصندوق الذي كان يحوي في داخله جميع أصناف شرور البشرية، كالجشع والغرور والافتراء والكذب والحسد والوهن والوقاحة وغير ذلك من الصفات الذميمة.
وعندما فتحت «باندورا» ذلك الصندوق، انطلقت منه كل تلك الصفات وانفضح أمرها، لكن شعاعاً من الأمل خرج من الصندوق في نهاية المطاف.
أبرز الثروات المخفيّة...
من السياسيين إلى شاكيرا وكلوديا شيفر
وذكرت «بي بي سي» أنه تم شراء العقار الواقع في وسط لندن العام 2009 من قبل شركة واجهة مملوكة لصديق عائلة رئيس الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، قبل أن يتم نقل الملكية إلى ابنه.
• أظهر التحقيق أن رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس لم يصرح بامتلاكه شركة استثمار «أوفشور» استخدمت لشراء قصر بقيمة 22 مليون دولار في جنوب فرنسا.
• كشف التحقيق أن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي أطلق حملة ضد الفساد ومن أجل الشفافية المالية، يمتلك سراً مع ستة من أفراد عائلته شبكة من 11 شركة «أوفشور» قيّمت أصول إحداها بـ30 مليون دولار.
• أظهرت وثائق أوردها التحقيق أن أفراداً من أوساط رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المقربة، بينهم وزراء وعائلاتهم يملكون سراً شركات وصناديق تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
ورحب عمران خان بالتقرير واعداً بـ«إجراء تحقيق» حول كل الباكستانيين الواردة أسماؤهم في الوثائق وبـ«اتخاذ الإجراءات المناسبة» في حال ثبوت التهم عليهم.
• لم يرد ذكر اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة في الوثائق، إلا أنه يرتبط عبر شركاء بأصول في موناكو لا سيما دارة على الواجهة البحرية اشترتها امرأة روسية يقال إنها أنجبت طفلا من بوتين، على ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».
• جاء في الوثائق أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حوّل قبيل انتخابه رئيساً للبلاد في 2019، حصته في شركة أوفشور سرية.
• أظهرت الوثائق أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي كان يشن حملة على الملاذات الضريبية، اشترى مع زوجته مبنى في لندن بسعر 8.8 مليون دولار في العام 2017 من خلال شراء الشركة التي تملكه ومقرها في جزر فيرجين البريطانية.
وبموجب القانون البريطاني تجنبا من خلال ذلك دفع ضرائب تبلغ مئات آلاف الدولارات.
• وردت في التحقيق أسماء أخرى، من بينها رؤساء الإكوادور وتشيلي وجمهورية الدومينيكان والوزير الفرنسي السابق دومينيك ستروس كان.
• إضافة إلى السياسيين، ضمت لائحة الشخصيات المرتبطة بأصول في شركات «أوفشور» المغنية الكولومبية شاكيرا وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر ونجم رياضة الكريكت الهندي ساشين تندولكار.
وأكد محامو النجوم الثلاثة للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن الاستثمارات مشروعة ونفوا أي تهرب ضريبي.
في لبنان، حيث يدور صراع بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، تظهر تسريبات «وثائق باندورا» وجود شبهات حول شخصيات سياسية ومالية لبنانية بارزة قد تكون لجأت إلى ملاذات «أوفشور» خارجية.
وعلى رأس هؤلاء جاء رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي، وسلفه حسان دياب، وكذلك محافظ البنك المركزي اللبناني رياض سلامة الذي تدور تحقيقات في شأنه في فرنسا حالياً بتهمة تتعلق بغسل الأموال.
كما يظهر في التسريبات اسم مروان خير الدين - وزير الدولة اللبناني السابق رئيس مجلس إدارة «بنك الموارد» - والذي كان قد قام في العام 2019 بتوجيه توبيخ إلى زملائه البرلمانيين السابقين لتقاعسهم عن العمل وسط أزمة اقتصادية حادة، بينما كان نصف السكان آنذاك يعيشون في فقر ويكافحون من أجل العثور على الطعام بعد أن أغلق كثير من متاجر البقالة والمخابز أبوابها وتوقفت عن العمل.
وقال خير الدين آنذاك: «هناك تهرب ضريبي وينبغي على الحكومة معالجة ذلك الأمر».
وكشفت الوثائق أنه من المفارقات أن خير الدين قام في ذلك العام بتوقيع وثائق بصفته مالكاً لشركة «أوفشور» في جزر بريتش فيرجن، وهي شركة لها ممتلكات عدة، من بينها يخت بقيمة مليوني دولار.
وقال يحيى مولود، المالك السابق لليخت، لصحافيين إن ذلك اليخت أعطي لخير الدين كضمان لقرض.
وأشار معدو التسريبات إلى أنه من المفارقات أيضاً أن «بنك الموارد» كان واحداً من بنوك عدة في لبنان فرضت قيوداً على سحب العملاء بالدولار الأميركي تحت ذريعة كبح موجة الذعر الاقتصادي.
واستشهد معدو التسريبات بمواطنة لبنانية تدعى وفاء أبو حمدان، وهي أرملة تبلغ من العمر 57 عاماً، باعتبارها واحدة من اللبنانيين العاديين الذين ما زالوا غاضبين من طبقة النخبة السياسية والاقتصادية في بلادهم.
ونقل التقرير عن حمدان قولها لمؤسسة إعلامية شريكة للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين إن مدخرات حياتها تراجعت بسبب التضخم الجامح مما يعادل 60 ألف دولار أميركي إلى ما يعادل أقل من 5000 دولار فقط.
وفي رد مكتوب، قال سلامة إنه يفصح عن أصوله وإنه امتثل لالتزامات الإفصاح بموجب القانون اللبناني، فيما أكد دياب في بيان أصدره مساء أمس أنه شارك في تأسيس الشركة التي ورد في الوثائق أنه يحمل 17 سهماً من ملكيتها، في العام 2015 لكنها لم تقم بأي عمل منذ تأسيسها، وإلى حين قدم استقالته منها، وتنازل عن أسهمه فيها بالعام 2019.
من جانبه، قال ماهر نجل ميقاتي إن من الشائع أن يستخدم الناس في لبنان شركات «الأوفشور» «نظراً لسهولة عملية تأسيس الشركات، وليس بدافع التهرب من الضرائب».
الديوان الملكي الأردني: المعلومات بعضها غير دقيق... وبعضها وُظّف بشكل مغلوط
وأفاد الديوان، في بيان أمس، أنه تابع «تقارير صحافية نشرت أخيراً حول عدد من العقارات لجلالة الملك عبدالله الثاني في الخارج، احتوى بعضها معلومات غير دقيقة، وتم توظيف بعض آخر من المعلومات بشكل مغلوط، شوه الحقيقة وقدم مبالغات وتفسيرات غير صحيحة لها».
وأضاف أن «الملك يمتلك عدداً من الشقق والبيوت في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وهذا ليس بأمر جديد أو مخفي»، مشيراً إلى أنه يستخدم بعض هذه الشقق أثناء زياراته الرسمية ويلتقي الضيوف الرسميين فيها، كما يستخدم وأفراد أسرته البعض الآخر في الزيارات الخاصة، وتتم إتاحة التفاصيل المتعلقة بهذه الممتلكات للجهات المعنية عند الإعداد للزيارات الرسمية أو الخاصة والتنسيق الأمني بخصوصها.
وأوضح الديوان أن عدم الإعلان عن العقارات الخاصة بالملك «يأتي من باب الخصوصية وليس من باب السرية أو بقصد إخفائها، كما ادعت هذه التقارير، إذ إن إجراءات الحفاظ على الخصوصية أمر أساسي لرأس دولة بموقع جلالة الملك. وعلاوة على ذلك، فهناك اعتبارات أمنية أساسية تحول دون الإعلان عن أماكن إقامة جلالته وأفراد أسرته، خاصة في ضوء تنامي المخاطر الأمنية، ولذلك فإن ما قامت به بعض وسائل الإعلام من إشهار لعناوين هذه الشقق والبيوت هو خرق أمني صارخ وتهديد لأمن وسلامة جلالة الملك وأفراد أسرته».
وأشار إلى أنه «تم تسجيل شركات في الخارج لإدارة شؤون هذه الممتلكات وضمان الالتزام التام بجميع المتطلبات القانونية والمالية ذات العلاقة».
وأكد الديوان في بيانه أن «كلفة هذه الممتلكات وجميع التبعات المالية المترتبة عليها تمت تغطيتها على نفقة جلالة الملك الخاصة، ولا يترتب على موازنة الدولة أو خزينتها أي كلف مالية، كما هو الحال فيما يتعلق بالمصاريف الشخصية الخاصة بجلالة الملك وأسرته»، مشيراً إلى أن «كل الأموال العامة والمساعدات المالية للمملكة تخضع لتدقيق مهني محترف، كما أن أوجه إنفاقها واستخداماتها موثقة بشكل كامل من قبل الحكومة، ومن قبل الدول والجهات المانحة، فجميع المساعدات التي ترد للمملكة تأتي بشكل مؤسسي ضمن اتفاقيات تعاون خاضعة لأعلى درجات الرقابة والحوكمة من الدول والمؤسسات المانحة».
وأضاف أن «أي ادعاء يربط هذه الملكيات الخاصة بالمال العام أو المساعدات يشكل افتراء لا أساس له من الصحة، ومحاولة مسيئة لتشويه الحقيقة...».
وختم الديوان بـ«استهجان كل التقارير التي شوهت الحقيقة واحتوت تضليلاً وإساءات تفندها الحقائق»، مشيراً إلى أنه «يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة».
توزيع الشخصيات حول العالم
تفضح تسريبات «وثائق باندورا» نحو 330 شخصية بارزة من نحو 90 دولة ومنطقة حول العالم، وتكشف عن امتلاكهم شركات «أوفشور» في ملاذات ضريبية سرية.
وفي التالي تفصيل لعدد السياسين في كل منطقة:
- الأميركيتان: 92
- أوروبا: 90
- آسيا: 68
- أفريقيا: 49
- الشرق الأوسط: 37