من عادات أهل الكويت في المجالس عندما يتحدث الكبار، ينصت الصغار، ولا يسمح لهم بالحديث في حضور مَنْ هو أكبر منهم في المجالس، فما بالك عندما يتحدث والد الجميع، كبير المجالس وأمير البلاد. لم تكن مصادفة أن يوجّه سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح في يوم حلول الذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم بدعوة كل القوى السياسية لحوار وطني تحت مظلته ورعايته الكريمة.
دعوة أبوية من أب لأبنائه تهدف لتوحيد صفوف أبنائه وجمع شملهم، لتجاوز الأزمات المعقدة التي امتزجت السياسة فيها بالاقتصاد والتنمية، وأثرت عليهم تأثيراً بالغاً، حيث تستهدف هذه الدعوة تواصل العقول الوطنية بمختلف توجهاتهم لصناعة مستقبل خالٍ من الغيوم التي تحجب رؤية الغد بكل تفاصيله.
الحوار طريق رباني سلكته كل الخليقة، وهو الطريق الوحيد لنزع الخلافات القائمة للوصول للنتائج المرجوة، وعلى كل الأطراف أن تراجع مواقفها السابقة وتحاول في الوقت نفسه تفهم مواقف الطرف الآخر، ولا تعني الدعوة للحوار أن تتنازل المعارضة عن مبادئها الرئيسية التي تؤمن بها.
وفي الوقت نفسه يتحتم على الحكومة ألّا تجعل قرارات الإصلاح الاقتصادي والتنمية على طاولة الحوار الوطني وجعلها جزءاً من المفاوضات، بل نحتاج من أطراف الحوار أن تكون لهم الرغبة الحقيقية في الاصلاح، ووضع حلول عادلة وموزونة ومنهجية بعيداً عن الشحن والتعنت والعناد.
بلا شك، أن هناك أطرافاً مستفيدة من بقاء الصراع واستمراره، ولايمكن أن تبقى وتعيش هذه الأطراف إلا على جراحنا وصراعاتنا، فتعيش وتقتات عليها يوماً بعد يوم، وتضع كل العراقيل في طريق الحوار الوطني لإفشاله، ولن ينجح أيّ حوار وطني ما لم تكن هناك مرونة في التفاوض من كل الأطراف المشاركة، وأن تكون نظرتهم شمولية للمشهد، وأن يتقبل كل طرف ببعض المكاسب وتقديم بعض التنازلات التي تخدم المصلحة العامة.
ولذلك يتعيّن أن يستغل الحوار الوطني الذي تم توجيهه برعاية سامية أفضل استغلال، وهذا يحتاج أن توجه خلاله كل الطاقات والإمكانات لخدمة الهدف الأسمى، وهو مصلحة الكويت التي باتت تئن من تنامي الخلافات وتراكم المشاكل المتجذرة.
وأخيراً ليس بالضرورة في الحوارات أن تكون جميع بنود نقاشها محل توافق بالكامل، والعديد من المحطات التاريخية تشهد بذلك، لكن يبقى أن الحوار الوطني فرصة لاستشراف آراء الطرف والطرف الآخر في أجواء صحية يفترض أن يدعمها الجميع دون استثناء بفكرة حماية وطن، وليس الإبقاء على إشعال الانقسامات والتنافس على صناعة الولاءات خدمة لفكرة ما.