ماذا وراء تعيين واشنطن لـ هولكشتاين وسيطاً؟

ملامح «تواطؤات» في بيروت لإبعاد الجيش عن مفاوضات الترسيم البحري مع اسرائيل

تصغير
تكبير

عادت قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل الى الواجهة بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكن العودة لم تأت هذه المرة من باب الخلاف مع تل ابيب حول النقاط المتنازَع عليها فحسب، إنما من باب الخلافات اللبنانية الداخلية في أكثر من اتجاه.

وبالنسبة إلى اسرائيل فإن التشابُك الأميركي الاسرائيلي حول استكشاف الغاز في البحر المتوسط أعطى للملف اللبناني أهمية دولية مضاعَفة من زاوية الترسيم البحري الذي بات أحد أبرز خلفيات الحرص على استقرار لبنان دولياً وأميركياً خصوصاً. ولذا جاء اعلان شركة «هاليبرتون» الأميركية حفر من 3 إلى 5 آبار قبالة سواحل إسرائيل، استكمالاً لعمليات حفر 4 آبار بحرية نفّذتها هاليبرتون سابقاً في حقلي كاريش الذي يقع جزء منه (في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل) وكاريش الشمالي، ليعاود فتح ملف انتهاك اسرائيل للسيادة اللبنانية. فبيروت سارعت الى مطالبة مجلس الأمن بالتأكد من «أن أعمال التنقيب لا تقع ضمن المنطقة المتنازَع عليها مع إسرائيل، تجنباً لأي اعتداء على حقوق وسيادة لبنان»، داعية لـ «منع أي أعمال تنقيب مستقبلية في المناطق المتنازَع عليها».

وترافق إعلان الشركة الأميركية مع الكشف عن تغيير واشنطن الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة والامم المتحدة بين لبنان واسرائيل واعتماد آموس هولكشتاين. والوسيط الجديد، ليس جديداً بالمعنى الحرفي، إذ سبق أن كان مسؤولاً عن هذا الملف عام 2016 في إدارة الرئيس باراك اوباما، وهو كان روّج لنظرية توحيد الشركات في عملية البحث والتنقيب عن الغاز وتَقاسُم الدول المعنية أرباح بيعه، وقد جُبهت هذه النظرية برفض لبناني يتعلق بمبدأ السيادة على الاراضي اللبنانية بحراً وبراً وجواً.

واللافت ان هولكشتاين نفسه، عيّنتْه إدارة الرئيس جو بايدن مستشاراً لشؤون الطاقة الدولية، وهو يتحرك كموفد في ملف النفط الروسي وخط النقل عبر اوروبا، وقد حذّر قبل أيام من قلّة إمدادت الغاز في أوروبا على أبواب الشتاء وارتفاع الأسعار. وهذا يعني ان ملف الغاز بالمعنى الشامل بات واحداً من ملفات النزاع في العالم، ليكتسب في منطقة الشرق الأوسط أهمية مضاعفة.

وطرحت عودة هولكشتاين، الاسرائيلي الولادة والذي سبق أن زار لبنان موفداً أميركياً أكثر من مرة والتقى كبار مسؤوليه، أسئلة عدة وخصوصاً في ظل أهمية استشكاف الغاز اقتصادياً في مرحلة الانهيار اللبناني. وهذا يعني أن الوضع المالي والاقتصادي المتعثر قد يكون أحد الأسباب التي ستضطر معها الحكومة اللبنانية الى البحث جدياً في المقترحات الأميركية. (علماً أن هذا من شأنه أن يصبح ملفاً نزاعياً على المستوى الداخلي).

واللافت كذلك أن ملف الغاز عاد الى الضوء تزامناً مع زيارة رئيس الوزراء الاردني بشر الخصاونة لبيروت، وبدء الاستعداد لإمداد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن وسورية، وهو الأمر الذي حرّكه العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني أثناء زيارته واشنطن التي وافقت على زيارة الوفد الوزاري اللبناني لدمشق. كما أن زيارة الوفد الأردني صبّت في اطار توسيع رقعة المفاوضات حول منتدى غاز المتوسط.

لبنانياً، تحوّل الملف سريعاً مادة دسمة لاختلاف الرأي بين القوى السياسية. فالحكومة برئاسة ميقاتي، يفترض أن تتحمل مسؤوليتها في ملف التفاوض وتوقيع مرسوم تعديل الحدود البحرية رقم 6433 (يقضي باعتماد الخط 29 كنقطة انطلاق للتفاوض بما يُوسِّع الرقعةَ المتنازع عليها من 860 كيلومتراً مربعاً وفق ما كان أقره الخط 23 الذي اعترف به لبنان ووثّقه لدى الأمم المتحدة إلى 2290 كيلومتراً يدخل في نطاقها قسم من حقل «كاريش»). علماً أن هذا المرسوم سبق أن شنّ «التيار الوطني الحر» (بقيادة صهر الرئيس ميشال عون النائب جبران باسيل) حملةً على وزير الاشغال (السابق) الذي كان ينتمي الى تيار المردة لضمان توقيعه، في حين ينتمي وزير الأشغال الحالي إلى فريق حزب الله، وهذا يعني أن المرسوم يجب أن يصدر عن وزير الاشغال قبل أن يوقّعه رئيسا الحكومة والجمهورية.

وينظر فريق رئيس الجمهورية بارتياب الى توافق ميقاتي مع رئيس البرلمان نبيه بري حول العودة الى التفاوض، وحول النقاط الواجب اعتمادها، علماً أن بري الذي كان متمسكاً بإدارة هذا الملف تخلى عنه لمصلحة عون، لكنه ظل عيناً ساهرة عليه. وهو أخيراً دان تلزيم اسرائيل الشركة الأميركية حملة حفر من ثلاث إلى خمس آبار لمصلحة شركة Energean، واعتبر هذا العمل انتهاكاً للاتفاق الاطار الذي انطلقت على أساسه المفاوضات غير المباشرة بين بيروت وتل ابيب خريف 2020.

لكن الرئيس عون الذي يرعى التفاوض على هذا المستوى الدولي بحسب الدستور ليس بعيداً عن الفكرة، التي يتردد أن خلفها رئيس التيار الحر جبران باسيل. فهو يريد حصر التفاوض به، وهو كان واضحاً إبان تشكيل الوفد العسكري والخلافات حول رؤية الجيش للحدود البحرية. واليوم تسنح الفرصة لفريق عون للعودة الى موضوع تشكيل الوفد المُفاوض مدنياً، بسبب اقتراب إحالة رئيس الوفد العسكري بسام ياسين الى التقاعد في غضون أسبوع.

ورغم أن قائد الجيش العماد جوزف عون طلب من وزير الدفاع الجديد موريس سليم التمديد ستة اشهر لياسين، كونه الأكثر كفاءة وقدرة مهنية على التفاوض وعدم التفريط بما يراه الجيش سيادة لبنان في المنطقة المتنازَع عليها، ورغم أن التمديد يتم بقرار من وزير الدفاع لوحده، إلا أن موافقة رئيس الجمهورية باتت عُرفاً في كل ما يتعلق بهذا الملف والتفاوض في شأنه، إضافة إلى أن سليم من حصة عون في الحكومة.

وتبعاً لذلك فإن احتمال عدم التمديد لياسين، وعدم تعيين بديل عنه من رتبته وكفاءته، يعني احتمال العودة إلى وفد مدني للتفاوض، وهذا أمر سبق أن رفضه حزب الله بالمطلق ولا سيما أن هناك أصواتاً تتحدث عن نيات وراءها فريق رئيس الجمهورية لتوجيه رسائل تهدئة مع الأميركيين لمصلحة باسيل (الخاضع لعقوبات أميركية منذ نحو عام) عبر التفاوض مجدداً بحسب رؤية هولكشتاين، ما يفترض بطبيعة الحال إبعاد الوفد العسكري الذي كان صاحب نظرية تعديل المرسوم 6433. وهذا في المحصلة لا يتعارض مع رؤية ميقاتي «الاقتصادية»، لكن لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حساباتهما «الأميركية» في تَقدُّم المفاوضات أو وقفها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي