د. سامي ناصر خليفة / كيف نعالج مشكلة «البدون»؟

تصغير
تكبير
مع الخطوات الأخيرة في السحب والإضافة بين المجلس والحكومة في ما يتعلق بملف الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين من فئة «البدون»، والتي قد تخرج من قبل الحكومة على شكل قرارات يتم تطبيقها فوراً، وهذا ما نتمناه بالتأكيد، أو أن يخرج باقتراح قانون من قبل مجلس الأمة ومن خلال الجلسة المقبلة في 24 ديسمبر الجاري، وهذا ما نرجحه كونه أقرب إلى الواقع اليوم. وما يؤسف أن تستمر المعاناة مع استمرار الحكومة في رفض ثلاثة حقوق رئيسة من أصل اثني عشر، وهي حق التملك والإقامة والتنقل، في وقت لا اعتراض لديها بتاتاً على بقية الحقوق التسعة الأخرى، كحق العمل والتعليم وتوثيق شهادات الزواج والطلاق واستصدار شهادات الميلاد والوفاة ورخص القيادة وغيرها.

وبحسبة بسيطة للسيناريوات المقبلة، فإن أسوأ فرضية فيما إذا قُدّم اقتراح القانون المقدم من قبل لجنة «البدون» في الجلسة الخاصة نهاية هذا الأسبوع، لأنه قد يحصل على غالبية النصف + واحداً في مداولته الأولى، ولكن من المستحيل في حال رفضته الحكومة أن يحصل على غالبية الثلثين في مداولته الثانية، وتلك في نظري مخاطرة لا معنى لها وفيها تضييع لوقت المجلس واستمرار معاناة اخوتنا «البدون». وبالتالي لا سبيل إذا ما أراد المجلس تمرير القانون إلا عبر التوافق مع الحكومة ضمن منطق «خذ وطالب»، وهو أمر ليس بصعب في ظل الظروف الحالية ما بعد موقف المجلس من دعم غالبية الأعضاء للحكومة في الاستجوابات الأربعة من جانب، وقبول الحكومة مبدأ إعادة الحقوق المدنية لفئة «البدون» من ناحية الشكل مع تحفظها على بعض من مضامينه.

لذا أحسب من المهم اليوم تشخيص مكمن الخلل في هذا الملف لتبسيط المعالجة، وهو في خلط الحكومة بين عشرات الآلاف من فئة «البدون» الذين سماهم قانون الجنسية ببادية الكويت منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي ومن السهل حصرهم من خلال بعض الثبوتيات القديمة، وعلى رأسها إحصاء عام 1965، وبين بضع آلاف من الذين وفدوا متسللين إلى البلاد بصورة غير قانونية وادعوا زوراً وبهتاناً أنهم من فئة «البدون». وما يؤسف أن العقلية الأمنية رجحت تعاطي الحكومة مع المشكلة ضمن مبدأ عدم التفريق بين الفئتين وتسميتهم جميعاً بمقيمين بصورة غير قانونية، بل واتباع سياسة حرمانهم من الحقوق المدنية كافة منذ أكثر من عقد من الزمن بهدف تصفية «البدون» وتنقيتهم من المتسللين.

نعم هنا مكمن المشكلة وبيت الداء، ولابد أن تبدأ الحكومة أولاً بالنظر إلى سياستها الظالمة التي لم تفرق فيها بين «بدون» ينتمي إلى هذه الأرض وبين «وافد» تسلل إلى البلاد خلسة في غفلة من الضوابط الأمنية والاستحكامات القانونية، ومادامت الحكومة غير قادرة على التفريق بينهم من الناحية العملية فإنها هي وحدها التي تتحمل اليوم المسؤولية الأخلاقية، وعليها أن تواجه حل المشكلة ضمن تلك المفارقة التي جاءت تداعياتها غاية في السلبية على الفئة المظلومة.

لذلك فإن الحل الذي جاء به الدكتور حسن جوهر اليوم يُعتبر حلاً مثالياً يحفظ ماء وجه الحكومة ويقلل من حساسية الملف عبر إعادة الحقوق المدنية كافة لمن لديه ثبوتيات قديمة، وعلى رأسها إحصاء عام 1965، وقبول الاحتكام إلى القضاء الكويتي العادل والنزيه ليبت في أمر ثبوتياته، وما إذا كان مستحقاً أم لا.

أما في حال رفضت الحكومة هذا الحل المنطقي، فلا سبيل للمجلس إلا في تقديم اقتراح بالحقوق المدنية التسعة في جلسة يوم 24 ديسمبر الجاري، ليتم مروره في المداولتين كهدية سريعة لاخوانهم من تلك الفئة، ثم السعي إلى طلب تعديله بإضافة الحقوق الثلاثة المرفوضة حكومياً لاحقاً. والحكمة من تلك الممارسة هي في عدم إعطاء أي ذريعة للحكومة في تعطيل الحقوق المدنية كافة بذريعة تحفظها على ثلاثة منها فقط.



د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي