تمر بكل إنسان مواقف صعبة في حياته عندما يتمسك بكلمة حق وأداء الأمانة، ولكنه أحياناً يجد أن غالبية الذين حوله ضده لأسباب متنوعة، فيهتز البعض في تمسكه بالحق وأحياناً ينقلب البعض على نفسه، ولا تبقى غير قلة قليلة تتمسك بالحق يصدق فيهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «يأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر».
ولكن الغالب أن النفس الإنسانية في وسط مجتمعنا، الذي نعيش فيه والمؤثرات الكثيرة حولها، غالباً ما تتوقف تفكر في مآلات تمسكها بالحق إذا كان غالبية الذين حولها ضدها.
وفي ذكرى الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة دروس كثيرة وعبر لا تُحصى تحتاج إلى مجلدات لشرحها، ولكنني أتوقف مع درس مهم جداً يحتاجه كل إنسان في زمننا هذا في عمله وعلاقاته وحياته، ألا وهو معية الله لعبده عندما يلتزم بالحق وما أمر به الله... وقد بيّن القرآن الكريم هذه المعية بألفاظ واضحة بدأت بتبيان موقف الغالبية من رسول الحق ومؤامراتهم من القتل إلى النفي إلى الأسر، وذلك في قول الحق «إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (سورة الأنفال، آية 30).
ثم كانت الهجرة من مكة، والقوم كلهم يجتمعون للفتك برسول الله وصاحبه ويتتبعونهما في كل مكان، حتى دخلا غار ثور، وهنا تتحرك النفس البشرية فيقول أبو بكر: «يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا». فقال له الرسول: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما». وتنصرف الغالبية الحاقدة على الحق مدحورة وينتصر رسول الله. وهنا تنزل الآيات «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم» (سورة التوبة، آية 40). ما أجمل أن الله معنا في المحنة والشدة وما أسعد من تمسك بها، لأن الله لن يخيّب رجاءه أبداً.
ولكن هل هذه المعية العظيمة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه الصديق فقط؟ لا، إنما هي لكل مؤمن تقي صابر صادق، فالآيات نزلت «إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسَِنُونَ» (سورة النحل، آية 128)، و«إن الله مع الصابرين».
فالله سبحانه وتعالى ما كان ليترك عبده أبداً مادام في حالة العبودية له وحده سبحانه وتعالى. والمتمسك بالحق في حال عبودية، لأن الله هو الحق وأمرنا بالحق ولا يضيّع الله صاحب حق أبداً، حتى وإن اشتدت عليه المحنة، فالله لن يضيعه، فقد خرج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من بلده ووطنه مكة، وهي أحب البلاد إليه امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، ولم يتركه أعداء الحق فحاولوا النيل منه بجميع الطرق وأحاطوا به، ولكنه خرج من بين أيديهم سالماً منتصراً بفضل الله.
ويبقى أن صاحب الحق دائماً منتصر، حتى ولو لم يمتثل الناس للحق، فيكفيه أن انتصر على نفسه وثبت على الحق، وذلك أكبر انتصار في زمن انقلب فيه الباطل بالفتنة إلى حق وانقلب فيه الحق بالفتنة إلى باطل.
وأخيراً، ما أعظم هجرة النبي الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) فلو أراد الله أن يحمله ملك من الملائكة من مكة إلى المدينة لحمله بأسرع مما لا يتخيله إنسان، ولكن الله أعطانا درساً عظيماً على يدي الرسول الكريم بتحمل المشاق والمحن والتعب والسفر أياماً وليالي من مكة إلى المدينة في الصحراء القاحلة، حتى وصل إلى المدينة، لنتعلم نحن الصبر على الحق حتى نصل إلى الجنة.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]