No Script

من الآخر

السياحة... نفط جديد

تصغير
تكبير

من المرّات القليلة، بل من النوادر، أن تتفق السلطتان، التشريعية والتنفيذية، على تحقيق ما لا يريده المواطن، لكن هذا النادر حضر بقوة في ملف يعد من أكثر الملفات أهمية ألا وهو ملف «الاستثمار السياحي».

لقد بات القطاع السياحي من أهم القطاعات التي تعول عليه حكومات الدول لزيادة مواردها المالية، بل تحوَّل إلى محرك أساسي لاقتصاد بعض الدول ومورد مالي لا يقل أهمية عن الموارد الطبيعية، مثل: النفط والغاز والذهب وغيرها من الثروات. ويكفي القول إن السياحة باتت قطاعاً اقتصادياً عالمياً ضخماً، حتى انه يمثل نحو 12 في المئة من الناتج المحلي لدولة الإمارات، و10 في المئة من الناتج القومي لدولة مثل فرنسا التي لا تملك سوى 3 في المئة من الآثار التاريخية العالمية!

لقد لجأت دول العالم إلى صياغة استراتيجياتها السياحية للتنافس على جذب السياح، والفوز بجزء من هذه الكعكة، وتحقيق العوائد المرجوة، أما الكويت، فحدّث ولا حرج، المواطن يريد الاستغناء عن السفر وقضاء عطلته في بلده، بدل أن يذهب للسياحة بالخارج، لكن الاستراتيجية غائبة، والرغبة السياسية منعدمة، أو لنقل غير قادرة على حل هذه المسألة؛ إما لغياب الكفاءات التي تستطيع العمل على هذا الملف، وإما لأن هذا الملف ليس على سلم أولويات السلطتين، وإما لعدم وجود هذا الملف من الأساس!

نحن ما زلنا نعتمد على الاستهلاك وعلى المشاريع التي تموّلها الحكومة وتدعمها عائدات النفط، ويجب علينا إيجاد محفزات اقتصادية حقيقية لا تعتمد على النفط بشكل مباشر، أو غير مباشر، من خلال إشراك المواطنين بشكل حقيقي في هذه الجهود، وأخذ العِبرة مما حدث بسبب جائحة كورونا، وما صاحبها من تباطؤ اقتصادي عالمي، وانخفاض أسعار النفط إلى 23 دولاراً في بعض الأوقات!

إن السياحة تخدم ما لا يقل عن 35 قطاعاً يمكن أن تلعب أدواراً مهمة في تحقيق الأهداف التنموية وإنعاش الاقتصاد، خصوصاً إذا علمنا أن الكويتيين ينفقون مليار دينار سنوياً على السفر، وأننا سنكون الرابح الأكبر في حال تحويل بوصلة هذه الأموال إلى الداخل. وأن الحكومة تنشئ مطاراً تزيد كلفته على 4 مليارات دولار، فكيف يمكن أن تتحقق الاستفادة القصوى من هكذا مشروع وليس هناك أي استثمار للسياحة في البلد؟!

لقد اطلعت على القانونين المُقدَّمَين أخيراً إلى مجلس الأمة بهذا الشأن، ولي ملاحظات عدة عليهما أعتقد أنها مهمة:

أولاً: إن العامل المشترك الذي يجمع هذين القانونين هو أنهما يفتقدان لخبرة أهل الشأن. ورغم أن لدينا قطاعاً للسياحة في وزارة الإعلام، لكننا لم نرَ أي أثر لتلك الاستراتيجية «الجبارة» التي أعدها القطاع في العام 2005 في عهد الوكيلة المساعدة السابقة الأستاذة نبيلة العنجري: أين ذهبت هذه الاستراتيجية؟ وهل تم قياس مدى التقدم في تنفيذها؟ إن كانت الحكومة جادة في تنفيذ هذا المشروع فعليها الرجوع لهذه الاستراتيجية، التي ذكرت ما ذكره النواب اليوم، بعد 16 عاماً من خروجها إلى النور، ومن اقتراحاتها المهمة إعادة هيكلة شركة المشروعات السياحية لا تصفيتها.

ثانياً: يجب أن يكون المُنطلَق واضحاً بالنسبة لصاحب القرار: هل السياحة نشاط إعلامي أم أنها صناعة؟ لقد أسلفت القول إن الدول المتقدمة تعتبر السياحة رافداً اقتصادياً وصناعة لها أبعادها على مختلف السلع والخدمات، ولغرفة التجارة والصناعة ورقة موجزة قدمتها في العام 2009 تطرح من خلالها مفهوم «سياحة الأعمال»، وأنه عملية استقطاب المستثمرين وإنعاش الأعمال والمشاريع المتعلقة بالسياحة، وأكدت هذه الورقة (التي جاءت تعقيباً على استراتيجية قطاع السياحة في وزارة الإعلام المذكورة أعلاه) أن السياحة صناعة أكثر منها نشاطاً إعلامياً وترفيهياً.

ثالثاً: لقد تقدم أحد نواب مجلس الأمة في العام 2013 بمقترح لإنشاء «الهيئة العامة للسياحة»، ورفضته اللجنة التشريعية آنذاك بحجة الظروف الاقتصادية، وبعد هذا الرفض يقر مجلس الأمة إنشاء هيئتين مستقلتين تكلفتهما السنوية تعادل كل مشاريع هيئة السياحة التي كانت ستقدم مردوداً مادياً وعائداً مادياً جيداً لميزانية الدولة! كيف يفكر النواب؟ وهذا لا يعني أننا مع التطبيق السيئ للهيئات المشهرة من تجاربنا الأخيرة، وإنما مع الصورة المثالية التي تنهض بالسياحة وتشرف على الاستراتيجية السياحية!

إن انعدام الفكر الاستثماري في السياحة، والجهل بحاجة المجتمع إلى أهمية النشاط السياحي هما ضربة قاصمة لإيجاد مصادر بديلة للدخل وعلاج ناجع لسد عجز الميزانية، في ظل هدر فاضح لأراضي الدولة وأملاكها غير المستثمرة، والمتوقف بعضها منذ سنوات بحجة الصيانة!

لا تهربوا من المسؤولية بمشاريع الخصخصة وتنفيع بعض التجار، ادفعوا إلى إصلاح الهياكل المنظمة وقنّنوها وقيّدوها بالقوانين الصارمة إن تطلّب الأمر، واستفيدوا من جهود السابقين، لعلنا نلحق بالركب، ونعوّض القليل مما فاتنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي