المجموعة الأكاديمية لفلسطين «بالك» أبّنت الغبرا: الإنسان والثائر والعروبي والمفكر
- حنين الغبرا: والدي أصر على إكمال مسيرته وإحياء ذكراه
- ابتهال الخطيب: للراحل جانب إنساني وعروبي وتناغم بين الهوية الفلسطينية والهوية الكويتية
- سعود المولى: الفقيد ترك أثره الإيجابي في نفوس رفاقه الفدائيين ومختلف الفئات الشعبية
- أحمد عزم: العقلية الخلاقة للفقيد وانفتاحه الفكري والسياسي ساهمت بصقل فكرته
نظمت المجموعة الاكاديمية لفلسطين (بالك) ندوة حول «شفيق الغبرا، الانسان والثائر والعروبي والمفكر» للاحتفاء معاً بالارث الانساني والنضالي والفكري للراحل، عبر تطبيق «زووم» بمشاركة كل من استاذ علم الاجتماع السياسي بمعهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور سعود المولى وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور أحمد عزم و الاستاذة الجامعية في جامعة الكويت والناشطة الحقوقية الدكتورة ابتهال الخطيب والأستاذة في جامعة الكويت بالثقافة و التواصل الدكتوره حنين الغبرا، حيث ناقشت الندوة العديد من الموضوعات منها «شفيق الأب والاكاديمي»، و«شفيق المفكر»، و«شفيق العروبي»، و «شفيق الثائر»، وادار الحوار استاذ النزاعات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور ابراهيم فريحات.
في البداية، تطرق مدير الحوار لذكرياته مع الفقيد وأحاديثه معه في السياسة والفكر. وكيف كان الفقيد يبعث الأمل والهمة في نفوس أصدقائه حتى في فترة اشتداد المرض، مستذكرا إصرار الفقيد على إنجاز كتابه بعنوان «النكبة المستمرة» في آخر أيامه وأوج صراعه مع المرض ليترك هذا الكتاب أمانة للأجيال القادمة، فلقد كانت وصيته الأخيرة هي مراجعة الكتاب، ولقد كانت هذه من أصعب المهام فقرائة المقدمة بحد ذاتها والتي تطرق بها الفقيد لتجربته الشخصية هي تجربة صعبة وعاطفية، فلقد كان الفقيد ينير الطريق للأجيال القادمة وهو على سرير المستشفى.
من جانبها قالت الأستاذة في جامعة الكويت في مجال الإعلام والثقافة والتواصل الابنة الكبرى للفقيد الدكتورة حنين شفيق الغبرا ان الجانب الإنساني للراحل وتجربتي معه كابنة وزميلة أكاديمية، مستذكرة أثره الراحل الإيجابي على حياتي مؤكدة على إصرار والدي على إكمال مسيرته وإحياء ذكراه.
وتابعت: عندما أتحدث عن والدي فلا أتحدث فقط عن أب محب بدون قيود أو شروط، ولا عن ملاذ أكاديمي آمن، فعلاقتي مع والدي تتجاوز الكلمات، فلقد كان الراحل أباً وصديقاً، فلقد كان يحميني وكنت أثق به وأشعر بالأمان بوجوده، أذكر حينما أخطئ في طفولتي وأذكر كيف كان عقلانيا في تفاعله وحنونا في حديثه معي وتبيان خطأي، مستعملا أدوات منطقية، فلم يغضب والدي ولم يستعمل أساليب التهديد والوعيد.
وأشارت الغبرا الي انها عاشت مع والدها في أثناء الدراسة الجامعية عندما كان ملحقا اعلاميا في واشنطن، وفي هذه الفترة غرس في البذور الاكاديمية الأولى بتشجيعه الدائم لي على البحث العلمي، لافتة إلى أنها تدربت معه في المكتب الاعلامي وتعلمت الكثير منه وخصوصا في الشأن السياسي من خلال اجتماعاته مع أعضاء مجلس الكونغرس ومجلس الشيوخ.
وقالت انه في عام 2012 اتخذت قرارًا بالحصول على الدكتوراه من جامعة دنفر بالنقد البلاغي و دراسات التواصل و الثقافة، وانتقل والدي للعيش معي وأخذ تفرغ علمي في جامعتي، وفي هذه الفترة خضت في أول خلاف نظري مع والدي أمام أحد زملائي في الفصل... لقد شكلنا الجدل بشكل كبير فلقد كنت يسارية وكنت أدرس عن نزاعات الاستعمار وما بعد الاستعمار ودراسات البياض، بينما درس والدي في برنامج علوم سياسية محافظ نوعا ما. فلقد كان مؤيدا للديموقراطية وللنظام الغربي وأنا كنت أرى أن الديموقراطية هي ديكتاتورية مبطنة وهنا كانت أول مواجهة فكرية بيننا، فحدثته عن ملاحظاتي على تحرير المرأة من منظور ليبرالي، وهو بدوره أخبرني بأن أفكاره كانت أكثرراديكالية وأنني بحاجة إلى القاء اللوم أيضا علي الأنظمة العربية، قدمت إليه بعض الكتب عن نقد الليبرالية الجديدة، السياسة الحيوية والنسوية لكي يغير رأيه وقدم لي كتب أخرى لكي أعيد النظر.
وأضافت لاحقا بدأ والدي ينتقد الغرب أكثر وبدأت انا أنتقد أنظمتنا أكثر، فلقد علمني ابي الاكاديمي أن الباحث الحقيقي يتطور ويتغير وإن لم نفعل ذلك فلن نتقدم.
ولفتت الغبرا: غرس والدي في مفهوم النسوية الليبرالية القائمة بضرورة مساواة الرجل بالمرأة، ولكن عندما بدأت البحث في النسوية التقاطعية كنت أقول له بأن تقاطعات الهويات من ناحية الوضع الطبقي، الجنسية، التعليم والاصل لا تقل أهمية عن النوع الجنسي.
وتابعت بعدها تزاملنا في جامعة الكويت، وكانت أقسامنا ملاصقة لبعض ولقد كان يزورني لتناول القهوة والمكسرات. لطالما كنا معا... في وظائفنا، أرواحنا وعقولنا، لافتة إلى أنه طلب منها تدريس طلبته لبرنامج الماجستير، قرأ طلابه أجزاء من كتابي، كنت أنتقد الليبرالية وهو كان ينتقدني في المحاضرات بأجواء مرحة ساعدت الطلبة في تعلمهم.
ولفتت الغبرا إلى انه لم تكن مفاجأة حصوله على أعلى جائزة للبحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في يناير 1997. و حصل أيضًا على الكتاب الأكاديمي المتميز جائزة (1989) من «الاختيار للفلسطينيين في الكويت: الأسرة وسياسة البقاء»، حيث ألف تسعة كتب ولديه مئات من المقابلات والمحاضرات والمقالات والصحافية والاكاديمية. وتركني مع كتابين لم ينشرا بعد أحدهما عن النكبة والآخر باللغة الانكليزية على أن ينشرا قريبا، حتى في آخر أيامه كان مهتما بالنشر والكتابة فلقد سلمني جميع كتبه وحلقاته عن القضية الفلسطينية التي تم إطلاقها أسابيع قبل وفاته على منصة يوتيوب في برنامج «السفراء الفلسطينيين».
وأشارت الغبرا إلى أن والدها مرض في بداية عام 2020، واشتد المرض عليه، واعترفت لنفسي بألم أن والدي في أيامه الأخيرة فقررت أن أقدم أغلى قيمة دافع عنها طوال حياته، فلقد كان والدي مناضلا من أجل الحرية ولطالما تصدى لكافة أوجه الهيمنة، فلقد كان مقاوما مع حرية الشعوب، ولم يكن من السهل عليه فقدان السيطرة علي جسده وسلب حريته، فلقد كان يشبه السرطان بالاحتلال، مثل النكبة، وكنت أطلب منه بأن يقاوم، مثلما كان يقاوم طوال حياته. نشرت عملا غنائيا بعنوان «قاوم» إهدائا لنضاله ضد الاحتلال والسرطان وبكينا معا وهو يستمع إليها، كنت أقارن بين مرضه وبين الاحتلال الصهيوني. لقد كان محبا للحياة، ولكن السرطان سلبه حريته، ففي سياسة الموت تكون للهيمنة مؤسساتها وأفرادها لممارسة السيطرة والقوة علي أجسامنا، فما هو مقدار الحرية والاستقلالية الذي نملك في أيامنا الأخيرة؟
وقالت الغبرا إنه في آخر لحظاته كان محاطا بأفراد عائلته، إخوته، والدتي وإخوتي وجميع أفراد العائلة، هذ ما كان يستحقه والدي، الاجتماعي، السياسي، المناضل من اجل الحرية، المعلم والاكاديمي لقد كان اعظم حب بحياتي وسيبقى دائمًا في قلبي و في روحي رحمه الله و غفر له.
قيم الراحل وأثره الإيجابي
من جهته قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بمعهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور سعود المولى ان القيم التي قدمها الفقيد في رحلته وأثره الايجابي في نفوس رفاقه الفدائيين ومختلف الفئات الشعبية الذين كان يرون به نموذج للفدائي الطالب الثائر، وكيف جسد الفقيد هذه المرحلة ومن فيها بمواقفه وسلوكه.
معادلة هوياتية
بدورها أشارت الأستاذة الجامعية في جامعة الكويت والناشطة الحقوقية الدكتورة ابتهال الخطيب إلى الجانب الإنساني والعروبي للفقيد وتناغمه في معادلة هوياتية صعبة بين الهوية الفلسطينية والهوية الكويتية، مستشهدة باقتباسات للفقيد يعبر عنها بارتباكه في طفولته بين مختلف الهويات، وعن التمييز العنصري الذي تعرض له الفقيد وتمنن البعض عليه بسبب أصوله الفلسطينية.
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور أحمد عزم إن فكر الفقيد تناول 6 عناوين رئيسية هي الحل الوطني (فتح) والفكرة الماوية حول التناقضات وخط الشعب أو خط الناس وكذلك شفيق والفعل المباشر وشفيق الباحث الاستقرائي وأخيرا أولوية الدولة وما طرحه الفقيد حول الربيع العربي، مؤكدا ان هذه العناوين تلخص إلى العقلية الخلاقة للفقيد وانفتاحه الفكري والسياسي على توجهات مختلفة ساهمت بصقل فكرته التي لطالما ناضل وتجاوز على نفسه لأجلها، فلقد كانت هذه الافكار هي خلاصة أفكار الفقيد في القضية الفلسطينية وفي مختلف القضايا، فالقضية الفلسطينية كانت هي التناقض الرئيسي الذي كان الفقيد يوحد مختلف الافكار والتوجهات للالتقاء عليها.