No Script

«لستُ قاتلاً مأجوراً... ولم أُنهِ حياة (أحمد) في الرواية»

طالب الرفاعي لـ «الراي»: لا علاقة لهجمات سبتمبر... بـ «خطف الحبيب»!

تصغير
تكبير

- المؤلف يخلق الشخصية ويترك لها حرية الحركة في العمل الفني وفق ما خطّط لها
- «بطل الرواية» شخصية واقعية بقدر انتمائه للواقع... ومتخيّل وفني بانتمائه لها
- يجب التفريق بين صوت الراوي وصوت المؤلف... فأنا لستُ مليونيراً ولا بطل الرواية «يعقوب»!
- يعقوب نموذج للشخصية الإنسانية بتوزعها وتشتتها وألمها بالرغم من كونه مليونيراً وشخصية نافذة
- تربطني علاقات طيبة جداً وكريمة مع مجموعة من الأهل والأقرباء والأصدقاء وجميعهم متدينون

«التوقيت الذي تزامن مع صدور رواية (خطف الحبيب) ليس له علاقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر أو عودة طالبان لحكم أفغانستان»!

هكذا جاء الردّ وبشكل حاسم من قِبل الكاتب والروائي طالب الرفاعي، عمّا إذا كان قاصداً نشر روايته الجديدة بعد يومين فقط من الذكرى الـ20 لهجمات 11 سبتمبر (صدرت في 13 سبتمبر الجاري)، خصوصاً وأنها تستهدف الإرهاب والتطرف الديني، من خلال شخصية المجاهد الكويتي «أحمد».

الرفاعي، أوضح في حوار مع «الراي» أنه يرتبط «بعلاقات كريمة مع أهل وأقرباء وأصدقاء وجميعهم متدينون، ولي معهم وافر الوصل والمحبة»، كما أشار إلى تنازله عن كامل حقوقه المالية، فضلاً عن توقيع عقود مع 14 ناشراً كي ترى روايته النور في جميع العواصم العربية، مؤكداً أنه «ليس في الحياة من راوٍ ينوب عن أحد، فكلٌ مكلّف بقص حكايته، وبهذا أكتب أعمالي الروائية».

• هل تعمدت إصدار روايتك الجديدة «خطف الحبيب» بعد يومين فقط من ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خصوصاً وأنها تستهدف الإرهاب والتطرف بصورة مباشرة؟

- ليس من علاقة البتة بين صدور روايتي وذكرى الحادي عشر من سبتمبر، فقد بدأت كتابة الرواية العام 2016 وأنجزت أكثر من نصفها، ثم لسبب ما توقفت، وانشغلت بأمور كتابية أخرى، وأصدرت روايتي «النجدي»، وبعدها مجموعتي القصصية «رمادي داكن»، وتالياً كتابي الدراسة: «لون الغد... رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا»، وفي منتصف العام 2020 عدت لها لأنتهي من كتابتها بتاريخ 17 يوليو 2021.

ولذا، فليس من علاقة بينها وبين هجمات سبتمبر، ولا بينها وبين عودة طالبان لحكم أفغانستان.

• القارئ للرواية يعتقد أن كاتبها استند إلى أحداث حقيقية من خلال تناوله لقصة شاب كويتي «أحمد» انجرف خلف التيار المتشدد، حتى تقاذفته الأمواج ليصل إلى «عش الدبابير» حيث الجماعات المتطرفة في سورية والعراق وإيران، فهل قمت بنسج الأحداث من وحي الواقع؟

- الفن انعكاس مخايل للواقع، كون الواقع يقدم المادة الخام الخصبة والمتنوعة والطازجة للكاتب والفنان، ولكن انتقال الحكاية الواقعية والمشهد الواقعي إلى الفن يمرّ بعملية معقّدة، ويأتي تعقيدها أساساً من كون المشهد الفني يقوم على خيال ولغة الكاتب، بقدر ما يستند إلى المشهد الواقعي.

لذا، فإن أحداث رواية «خطف الحبيب»، بقدر اتكائها على حكاية واقعية، تنتمي إلى خيالي وتنمو بناء على حركة شخوصها. فالمؤلف يخلق الشخصية، ويترك لها حرية الحركة في العمل الفني وفق ما خطط لها. فعلى سبيل المثال، شخصية «رضا»، لم أكن في الكتابة الأولى قد خططت لوجودها، لكن ومع تدفّق النص، وجدتها تتبلور وتأخذ حضورها ونصيبها في قصِّ حكاية الرواية، فاستجبت لها ولم أقف في طريقها أو أقمعها.

نعم، حكاية «خطف الحبيب» لها جذر من الواقع، وهو جذر معروف وحاضر ومتداول على خارطة الحدث اليومي الكويتي، لكن صياغتها خضعت لما تتطلبه الرواية من خيال ولغة ورؤية فنية.

• لو تحدثّنا عن بطل الرواية «يعقوب»، التاجر الكويتي الذي كرّمه النظام البائد بـ«وسام صدام» إزاء تبرعه للمجهود الحربي العراقي إبان الحرب العراقية -الإيرانية «كما هو مذكور في الرواية»، فهل كان «يعقوب» شخصية حقيقية أم وهمية؟

- كما قلت لكم أعلاه، يعقوب شخصية واقعية بقدر انتمائه إلى جذر من الواقع، وهو متخيّل وفني بقدر انتمائه لفنية الكتابة الروائية.

وهذا يعني، أنك لن تستطيع العثور في الكويت على شخص باسم وحال وغنى وعائلة يعقوب، وكما قدّمته الرواية!

• قد يتساءل القارئ، عن التوزّع الكبير الذي يعيشه «يعقوب»، فهو تارة يكون غارقاً في انجذابه لفتاة إيرانية تدعى «فرناز» من جيل أولاده، وتارة أخرى مضطرباً ومهموماً لانضمام ابنه «أحمد» لجماعة إرهابية في سورية، فما هي الرسالة التي ترتبط بهذه العقدة؟

- ليس من رسالة محددة، سوى بيان الحالة النفسية التي يعيشها بطل الرواية، فهو بانتمائه لأسرته وصداعه بيباس علاقته بزوجته، وضياع ولده في قتال سورية، يجد نفسه فجأة منجذباً لنظرة فتاة إيرانية شابة تعمل في شركته، خصوصاً وشعوره الخفي بأن هذه الفتاة تخبّئ شيئاً ما، وأن سرّاً يربط بينها وبين ولده المجاهد، وهذا ما ينكشف في آخر الرواية.

يعقوب نموذج للشخصية الإنسانية بتوزعها وتشتتها وألمها، بالرغم من كونه مليونيراً وشخصية نافذة في المجتمع الكويتي!

• لماذا تحلّق «فرناز» كالفراشة في بال يعقوب، كلما اشتد حزنه على ابنه أحمد؟

- كلٌ منا ينشد خلاصه حين يشتد به مأزق الحياة، وكلٌ منا يبحث عن طوق نجاة متى ما حاصره الغرق.

وكذلك «يعقوب»، في وسط انكساره وضياعه بخبر أسر وخطف ولده، يرى بحدسه الإنساني المرهف، كرجل تجاوز الستين من عمره، وعجنته أحداث حياته، يرى في «فرناز» طوق نجاة، ويمدُّ إليها أيادي روحه علّها تساعده، وتتتالى أحداث الرواية لتُظهر أن حدسه لم يكن كاذباً، وأن لفرناز التي وصفتها «بالفراشة»، وصلاً كبيراً بحكاية ولده المخطوف.

• برأيك، ما الأسباب الحقيقية وراء سقوط الأبناء في بئر التطرف الديني؟

- الرواية تقدم إجابة عن سؤالك الكريم، وهي تقول بوضوح إن الأسرة هي الحضن الأول والأهم لاحتواء الأبناء، ومتى ما تفكك هذا الحضن، وكان قوة طاردة، فإن جهات كثيرة ستكون مرحبة باستقبال الأبناء، والمساهمة في غسل عقولهم وفق أجنداتها، سواء كانوا جهات أصولية، أو أصحاب مخدرات، أو أيّ نشاط آخر.

وبالتالي، فأنا أرى أن الرباط الأسري والعلاقة الأسرية الحميمة والهادئة هي الحامي الأكبر لأبنائنا من أيّ ضياع يتربص بهم.

• وصفت الرجل الذي يعطي الدروس للأولاد في المسجد بأنه «شيخ سوء»، فما دقة هذا الوصف؟

- بداية، تربطني علاقات طيبة جداً وكريمة مع مجموعة من الأهل والأقرباء والأصدقاء وجميعهم متدينون، ولي معهم وافر الوصل والمحبة... علينا أن نفرّق بين رأي وكلام المؤلف وبين صوت الراوي.

فحين يكون أحد أبطالي قاتلاً مأجوراً وينطق بصيغة ضمير المتكلم، فهذا لا يعني أنني قاتل مأجور.

وحين يكون أحد أبطالي طبيباً جراحاً يقترف خطأً في إحدى العمليات، فهذا لا يعني أنني الطبيب الذي تجب محاكمته، وكذا لو استنطقت خبّازاً أو نجّاراً أو كابتن طيار، فهذا قطعاً لا يعني أنني أي واحد فيهم.

فكما قلت: الشخصيات تنطق بلسانها ومشاعرها، فبطل الرواية الأب يعقوب يصف بحرقة الرجل الذي قاد ولده إلى التعصب وإلى الغلو، ومن ثم حمله لترك وطنه والالتحاق بجماعة تجاهد في سورية، بأنه «شيخ سوء» وهذا يخص وينطبق على شخصية «عبدالشافي» بعينها، ولا يعني تعميماً.

فشخصية عبدالشافي كانت السبب الرئيسي لنفور أحمد من أهله، وكانت السبب المباشر لمقاطعته لأسرته، الأمر الذي يصل حد إهانته لأمه وتهديده لأخته بالقتل، إضافة إلى أنها كانت المحرك الحقيقي وراء ترك أحمد لبيته ومن ثم خروجه من الكويت! وكما ترون، لا يمكن لأب يخسر ولده أن يكنّ ويحمل ودّاً تجاه مَنْ كان السبب وراء ذلك.

الوصف جاء ليُدين شخصية بعينها، وبالتالي يجب ألا يُعمم، وإلا تمَّ استنطاق المشهد وتأويله بما ليس فيه.

• كيف يحب المرء فتاة، ولا يبادلها المشاعر ذاتها في ما يتعلق بأصلها وجنسيتها؟ نقصد علاقة «يعقوب» بالموظفة الإيرانية «فرناز»؟

- بطل الرواية يعقوب متيّم بنظرة الفتاة الإيرانية «فرناز»، وهو لم يتطرّق في أيّ من هواجسه أو خيالاته إلى احتقارها، بل على العكس من ذلك، هو معجب بها. لكنه يقف أمام نفسه بأسئلة كثيرة لا يجد لها إجابات، وعلى رأسها: كيف لرجل في الستين أن يُخطف بنظرة شابة أصغر من ابنته؟ وكيف لرجل وقف مع النظام العراقي السابق ضد النظام الإيراني الحالي أن يعشق فتاة إيرانية؟ وهو في أكثر من موقف، يتبنى موقفها، ويؤنّب نفسه على وصله بفرناز، ويرى في ذلك استغلالاً لسلطته عليها... يعقوب اهتزّت روحه بلقاء فرناز، حتى إنه يصفها بـ«كومة ورود»، وأبداً لم يحتقر أصلها ولا جنسيتها.

• هل يعتبر فارق العمر بين الرجل والمرأة عائقاً في طريق الحب بينهما؟

- كرأي شخصي أرى نعم، فارق السن الكبير يشكّل عائقاً في وجه العلاقة السوية بين الرجل والمرأة، وهذا لا ينفي وجود علاقات سوية وجداً رائعة، لكنني أظن أنها حالات يجب عدم القياس عليها، نظراً للكثير من الحالات التي تشهد عدم وفاق وفراق يصل حد العداوة.

• جسدت الصراع النفسي في أقسى صوره، من خلال معاناة «يعقوب» الذي يخوض صراعاً نفسياً مريراً على جبهتين، أولاهما بسبب فقد ابنه أحمد، وثانيتهما بسبب تعلّقه بفرناز، فكيف يحيا المرء حياته بين الحب والانكسار؟

- أعتقد أن مهمة أيّ عمل إبداعي إثارة الأسئلة أكثر من تقديم إجابات.

وهو في إثارته لتلك الأسئلة، إنما يوجّه اهتمام القارئ إلى الحالة الإنسانية الشائكة، وبالتالي يأخذ به لتمثّلها وعيشها، عله يصل إلى إجابة.

وإن لم يصل إليها، فالواقع وحده كفيل بتقديم الإجابات المتنوعة على مختلف المعايشات الحياتية. يعقوب يعيش توزعه بألمه، ومَنْ تراه فينا لا يعيش توزّعاً بشكل أو بآخر؟ يعقوب ينشد خلاصه، ومن تراه منا لا ينشد خلاصه؟ كلنا يعيش على عارضة اللحظة الشاهقة، وعلّنا نتوازن.

• يُقال إن الحب كفيل بجعل الشيخ الهرم شاباً يافعاً، إلا أن «يعقوب» لم يجد بداً من التفكير بالخضوع لعمليات التجميل وحقن «البوتكس» حتى يحظى بإعجاب «فرناز»، فهل تؤيد عمليات التجميل للرجال؟

- صديق يعقوب هو مَنْ قام بعمليات التجميل، ويعقوب ظل يردد مع نفسه قناعته بأن الإنسان يعيش عمره وأن لا أحد يأخذ زمانه وزمن غيره.

وفي ما يخص إجابتي بقناعتي، فأنا مع التجميل المعاش، التجميل الذي يمارسه الإنسان منذ آلاف السنين عبر نظافته واختياره الصحيح لما يناسبه من ملبس والتأنّق، التجميل الطبيعي المعتمد على المسلك الإنساني، بعيداً عن تجميل يشوّه وجه الإنسان أحيانًا أكثر مما يجمّله.

• «لا أطيق المرأة المحجبة»، عبارة قالها بطل الرواية غير ذي مرة، فهل هذا رأيك ككاتب؟

- كما تفضّلت، هي عبارة وردت على لسان بطل الرواية يعقوب بقناعته، وأعتقد جازماً أن ما يهمّ القارئ هو مدى انسجام يعقوب مع نفسه، وليس رأيي الشخصي أنا ككاتب في الحجاب.

فالأصل في العمل الإبداعي، هو أن تكون الشخصية منسجمة مع نفسها، بعيداً عن أهواء المؤلف.

• لم تكن النهاية سعيدة، بل فضّلت أن تكون حزينة وقاسية، بمقتل الشاب «أحمد» من قبل الجماعات الإرهابية... لماذا؟

- كمؤلف لم أقل بموت أحمد، فالمشهد الأخير يُشير إلى إطلاق رصاصة عليه وسقوطه، ولم يقل بموته.

وإذا كنت قد قرأت المشهد بتأثرك الكريم، وشعرت بموت أحمد وأحزنك ذلك، فهذا رأيك بمشاعرك النبيلة، وأما أنا فتركت النهاية مفتوحة، لقناعتي بأن الواقع لا يقدّم نهاية مغلقة لأيّ حدث إنساني.

تجربة غير مسبوقة

الرواية، وفي مبادرة غير مسبوقة، صدرت في جميع العواصم العربية في الوقت ذاته، وكل ناشر صفّ الرواية على طريقته وأخرجها بتصميم غلاف مختلف.

وعن هذه التجربة، قال الرفاعي إنه «بسبب طبيعة سوق النشر العربي، وعلاقات الناشرين العرب بعضهم مع بعض، وصعوبة انتشار وانتقال الكتاب من قطر عربي إلى آخر، تواصلت مع 14 ناشراً يغطون جميع العواصم العربية، وتبرّعت مُتنازلًا عن كامل حقوقي المالية، في سبيل خوض المغامرة بصدور روايتي في جميع العواصم العربية في يوم واحد، لتكون في متناول القارئ العربي حيثما كان، وسأراقب التجربة عن كثب لمعرفة ما ستتمخض عنه».

«كلٌ مكلّف بقص حكايته»

اعتبر الرفاعي أن «في الحياة ليس من راوٍ ينوب عن أحد، كلٌ مكلّف بقص حكايته، وإذا ما أنبت راوياً في موقف، فعليك أن تتحمّل ما سوف ينطق به، وقد يقول ما يضرّك دون قصد»، مبرراً غياب دور الراوي في «خطف الحبيب»، بحيث أصبحت كل شخصية هي البطلة التي تروي قصتها بنفسها.

وأضاف «أتحاشى أن أنطق بلسان أبطالي، فلهم ألسنتهم التي تبوح بعوالمهم، ولهم هواجسهم وهم أقدر على قولها، وما أنا سوى جسر بينهم وبين القارئ... نعم، أتعمّد في أيّ عملٍ إبداعي لي، سواء كان قصة قصيرة أو رواية، أن أستخدم (ضمير المتكلم) أو (ضمير المخاطب)، وأن أدع لأبطال العمل التحدث بألسنتهم، خصوصاً أن عصر ثورة المعلومات، ومحركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعية، جعلت لكل إنسان حضوراً يخصه، ومكاناً يركن إليه».

وأردف «في الكتابة الإبداعية، وهي المادة التي أدرّسها في الجامعة، ما يُسمّى بـ(زاوية الرؤية -Point Of View)، وهي الصيغة التي يرتضي المؤلف لأبطاله، كل على حدة أن يظهر فيها، وأنا دائماً أختار لأبطالي أن يكونوا على حقيقتهم».

«سور أمان»

بسؤاله، عما إذا كان يعتقد أن تفضيل أحد الأبناء على بقية إخوته، قد ينعكس سلباً على تربيته ويُظهر لنا شخصاً مثل «الإرهابي أحمد»، أكد الرفاعي أن «علاقة متوازنة من الأمهات والآباء ستشكل سور أمان وتوازناً في نفسية الأبناء.

فتفضيل أحد الوالدين لولد أو بنت دون الآخرين، قد يثير ويضايق بقية الأبناء، وقد يكون سبباً كافياً لإفساد الولد المدلل».

واستدرك «لكن، وكما تعلمون، فإن الرواية لا تقول إن تفضيل الأب المليونير لولده أحمد كان وراء انحرافه، بل إن الرواية تذهب إلى أن أحمد يرى في شخصية أبيه عدم السوية الشرعية، وهذا ما يجعله ينقم عليه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي