No Script

محاولة عراقية لاستعادة الدور والبلد

تصغير
تكبير

حصل العراق، اقلّه نظريّاً، على الدعم الذي يطلبه من دول الجوار ومن المجتمع الدولي وذلك من خلال «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» الذي انعقد أخيراً في عاصمته بمشاركة الرئيس ايمانويل ماكرون.

بدا واضحاً أنّ انعقاد مثل هذا المؤتمر كان نجاحاً شخصياً لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ولنظرته إلى الدور المتوازن المُفترض للعراق حاضراً ومستقبلاً بغية استعادة البلد.

لكنّ الواضح أيضاً، من خلال الكلمة التي القاها وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبداللهيان في مؤتمر بغداد، أن مسافة بعيدة ما زالت تفصل بين طموحات رئيس الوزراء العراقي والواقع التي تصرّ «الجمهوريّة الاسلاميّة» على فرضه في العراق وذلك على الرغم من أن مصطفى الكاظمي سياسي واقعي لا يكنّ أي عداء من ايّ نوع لإيران.

كانت المشاركة الواسعة في المؤتمر لافتة، كذلك الاحتضان العربي للعراق والكلام الصادر لاحقاً عن الرئيس جو بايدن، وهو كلام مشجّع للعراق ودوره. حضر إلى بغداد، إضافة الى الرئيس الفرنسي، الملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ونائب رئيس دولة الإمارات العربيّة المتحدة الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، ورئيس الوزراء الكويتي الشيخ خالد الصُباح ووزراء خارجية السعودية وايران وتركيا وممثلون للمنظمات الإقليمية، من بينها جامعة الدول العربيّة ومجلس التعاون لدول الخليج العربيّة.

كذلك، كان لافتاً غياب سورية، حيث نظام اقلّوي يشنّ حرباً على شعبه منذ ما يزيد على نصف قرن. أخذت هذه الحرب بعداً جديداً في العام 2011 في ضوء انتفاضة الشعب السوري التي تعكس رغبة في التخلّص من نظام يعتدي على مواطنيه ويقتلهم ويهجرهم ويدمّر بيوتهم وقراهم ومدنهم بواسطة الميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران... والقصف الروسي!

اكّد الغياب السوري انّ المجتمع الدولي ما زال يرفض الامتثال لرغبات ايران وما زال يمتلك ذرة من الإنسانية والضمير الحي والوعي السياسي. يعني الوعي السياسي هنا انّ النظام السوري القائم لا يستطيع لعب ايّ دور بنّاء في الداخل السوري أو على الصعيد الإقليمي.

أكثر من ذلك، يعرف المجتمع الدولي أن النظام السوري كان ممثّلا في مؤتمر بغداد بواسطة إيران التي تمارس فعلاً دور الوصيّ عليه، خصوصا انّ حربه على شعبه مستمرّة بفضل ما تقدّمه له «الجمهوريّة الاسلاميّة» من مساعدات عبر أدواتها المعروفة.

تميّز المؤتمر ببيان صدر عنه يؤكّد دعم العراق في كلّ مجال من المجالات عبر خلق تعاون معه من جهة ومساعدته في استعادة دوره المتوازن في المنطقة من جهة أخرى.

هذا الدور «المركزي» الذي يدعو اليه العاهل الأردني والذي يعمل من اجل تحقيقه مصطفى الكاظمي. إنّه الدور الذي لمح اليه رئيس الوزراء العراقي في الخطاب الذي افتتح به مؤتمر بغداد.

يمكن اعتبار ذلك الخطاب الذي القاه مصطفى الكاظمي بمثابة استكمال للقمم الثلاثية المصرية - الاردنيّة - العراقية وللاتفاقات بين السعودية والعراق والعلاقات القويّة التي تربط بغداد بكلّ من أبو ظبي والكويت.

ما كشفه «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» أنّه سيتوجب على العراق في الأشهر القليلة المقبلة مواجهة تحدّيات قديمة وجديدة في الوقت ذاته.

يعود ذلك الى انّ الطموحات القديمة لإيران اخذت نفساً جديداً في ضوء الانسحاب الأميركي المذلّ من أفغانستان.

عكس الخطاب الذي القاه وزير الخارجية الإيراني بالعربيّة رغبة في تأكيد أنّ وفد «الجمهوريّة الاسلاميّة» جاء الى بغداد من موقع المنتصر وهو مقتنع بانّ لإيران أجندة خاصة بها تستطيع فرضها على الآخرين، بما في ذلك دول المنطقة.

هناك تناقض تام بين ما يصبو اليه العراق والدول المحيطة به والمجتمع الدولي من جهة وبين ما تريده ايران من جهة أخرى.

الأكيد، من خلال كلمة عبداللهيان، انّ فكرة «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» لم تعجب، أصلاً، طهران التي تبدو مستعدة لملء أي فراغ تتركه أميركا في ايّ مكان في المنطقة.

من هنا تشديد وزير الخارجية الإيراني على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من العراق ومن المنطقة وتذكيره بتصفية الاميركيين لقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» وأبو مهدي المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي» لدى مغادرتهما مطار بغداد في الثالث من يناير 2020.

تجاهل عبداللهيان كلّيا ان ايران كانت شريكاً في الحرب الأميركية على العراق في العام 2003 وأنّ الميليشيات المذهبيّة العراقيّة التابعة لها عادت الى بغداد على دبّابة اميركيّة....

يرى وزير الخارجية الإيراني، العراق من زاوية واحدة هي زاوية الهيمنة التي يمارسها بلده على هذا البلد الذي سلّمته إدارة جورج بوش الابن الى «الجمهوريّة الاسلاميّة» في 2003. لا يستطيع الاقتناع بان العراق هو العراق وان ايران هي إيران.

لا يستطيع الاقتناع بانّ شكوى دول المنطقة هي من سياسة تقوم على نشر الميليشيات المذهبيّة في العراق وسورية ولبنان واليمن.

مثل هذه السياسة لا يمكن ان تبني ثقة مع إيران التي حضرت مؤتمر بغداد حاملة راية النصر على اميركا في أفغانستان.

كان «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة» محاولة أخرى لاستعادة العراق لدوره الطبيعي في المنطقة.

ستذهب ايران بعيداً في منعه من استعادة هذا الدور.

سيتوقف الكثير على ما اذا كانت ميليشيات «الحشد الشعبي»، وهي في اكثريتها ايرانيّة، ستنجح في حكم العراق، كما يحكم «حزب الله» لبنان، ام لا؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي