No Script

جودة الحياة

ويبقى الود ما بقي العتاب

تصغير
تكبير

تضطرنا الحاجة لاستمرار علاقاتنا الإنسانية إلى التجاوز والتغاضي عن الهفوات، وألا نلقي بالاً لتوافه الأمور في سبيل استمرار علاقاتنا الاجتماعية في محيط البيت أو العمل وكل ما يجمعنا مع الآخرين، فلا يمكن أن نعيش حياة إنسانية مكتملة الأركان، بمعزل عن علاقات اجتماعية مستقرة مزدهرة ورابط يقوم على التعايش والالتقاء والتقارب مع الآخرين.

ولأن طبيعة البشر أنهم خطاؤون فإن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة من الاتفاق واستدامة الود والصلات، فلكل منا وجهة نظره وثقافته ولن تتطابق وجهات النظر في الغالب مهما كانت درجات التفاهم والانسجام، لذا هناك دائماً حاجة إلى العتاب من أجل تصحيح المسار وإدارة الخلافات لأجل دوام الألفة والصداقة ومشاعر الحب، وهكذا فالحاجة إلى العتاب تنطلق دوماً من الحرص الواعي والحس الإنساني الرشيد، المستند على ضرورة استمرار العلاقات الإنسانية القائمة على الود واحترام الآخرين وخصوصياتهم، فالاختلاف لا يفسد قضية الود أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر، فمجرد الخلاف في الرأي مثلاً أو اختلاف المواقف تجاه مسائل محددة لا يضعف الود ولا يطيح بالعلاقة الإنسانية، وفي تقديري أن العتاب كوسيلة لغاية هي كما أسلفت استمرار الود والعلاقات الإنسانية في أرقى تجلياتها في الحب والصداقة وعلاقات الزواج، ينبغي أن يراعي طرفاه عدة جوانب حتى يكون مثمراً في طي الخلافات واستمرار العلاقات الإنسانية واستقرارها، فلا يمكن أن يكون العتاب في كل شيء اتساقاً مع الحكمة التي تقول «كثرة العتاب تورث البغضاء» أو كما قال الشاعر بشار بن برد:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فما الذي ينتج عن كثرة العتاب واللوم غير التباعد وشحن الأجواء بالتوتر والنفور، وأسباب الفرقة والشتات، وهذا أبعد من أن يحقق مقاصد العتاب وهو ملح الحياة، ولا يمكن أن تستمر دونه، فهو يمنحنا فرصة رائعة لتجديد العلاقات وإثراء أفقها.

فليست ثمة علاقة إنسانية قابلة للاستمرار والعطاء الإيجابي، إذا كانت أطرافها أو طرفاها تتنازعهما الخلافات وتشيع أجواء التوتر والمشاحنات المكتومة بينهما لأتفه الأسباب.

للعتاب إذاً طرق وأسباب ودواعٍ محددة، كما له أوقات ومطالب أخرى لا ينبغي تجاهلها حتى لا يكون سبباً في الفرقة والشحناء، وتوسيع دائرة الخلافات بدل تجاوزها بالكلمة الطيبة والنصائح الهادفة السديدة.

ويجدر بنا طالما كان الحديث عن أهمية العتاب ودوره في ترميم العلاقات الإنسانية، وبث روح الألفة والمودة أن نختار الوقت والطريقة المناسبة لتقديم لمحة عتاب صادقة مؤثرة، فلا يمكن أن نعاتب صديقاً أو أخاً في وجود آخرين، ويجدر بنا أيضاً ألا نحتد في النقاش فترتفع أصواتنا، فالهدف من العتاب وصل الود والتفاهم وليس التعنيف بتوجيه سهام النقد والتجريح، فالأمر ليس حملة تشهير تنصب الشباك الماكرة حول الطرف الآخر لتصيد أخطائه وإحصاء هفواته.

لطالما كانت العلاقات الزوجية مثاراً لكثير من الخلافات والمشاكل، لا سيما في الأيام الأولى لبدء الحياة المشتركة تحت سقف واحد، لذا فإن العتاب ربما كان الطريق الأمثل للحفاظ على العلاقة الزوجية وحماية الكيان الأسري من التفتت والانهيار.

ويكتسب العتاب أهمية قصوى في حياة أي زوجين، فالذي يحب هو من يعاتب، وفي الحياة الزوجية لابد من توخي الرفق واللين في العتاب مع مراعاة مشاعر الطرفين، وأن يكون على انفراد حتى يتقبله الطرف الآخر. فالعتاب ربما يقود لنتائج عكسية تهدم كيان الأسرة والحب متى ما اكتسب صفة العلن والتشهير بالملاحظات والأخطاء، ومن منا بلا أخطاء.

ختاماً العتاب أنا شخصياً أعتبره صابونة القلوب نغسل بها قلوبنا حتى لا تتلوث وتتسخ بالغل والكره والبغضاء، ونتخلص بها من كل بقايا الزعل والخلافات، فالعتب يعني اهتماماً وحباً، ولكن إن زاد عن الحد المقبول وعلى كل صغيرة وكبيرة فبالتأكيد سينقلب ضدنا.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي