No Script

الحريري لـ «تعليق المواد الدستورية التي تعطي حصانة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنواب»

لبنان: «رائحة» الإيجابية بتشكيل الحكومة تُسابِق «دخان» السلبية المكتومة

ميقاتي يواصل جهوده لتشكيل الحكومة في لبنان
ميقاتي يواصل جهوده لتشكيل الحكومة في لبنان
تصغير
تكبير

- باسيل: لن نشارك بالحكومة... ورئيس الجمهورية شريك دستوري كامل في التأليف
- «حزب الله» لحكومة من وزراء «ذوي اختصاص وخبرة» وهذه مهمّتها الثلاثية
- هل يستعجل «حزب الله» تأليف الحكومة لاستشعاره بمخاطر عصف الانهيار أم أنه «يبرئ ذمّته»؟
- بين «التيار الحر» و«حزب الله» خلافٌ أو تَفاهُم على... التمايُز؟

في اليوم الثاني لتكليف رئيس جديد تشكيل الحكومة، لم يخرج لبنان من قبضة الأسئلة التي لن تتأخّر الأجوبةُ عنها في التبلور مع اكتمال «الرسم التشبيهي» للتشكيلة، حجماً وتوازنات وحقائب وأسماء، التي يعمل عليها الرئيس نجيب ميقاتي والتي لا تكتمل مراسم ولادتها إلا بتوقيعٍ - مفتاح لرئيس الجمهورية ميشال عون على مرسوم تأليفها.

ورغم «رائحة» الإيجابية التي خيّمتْ على المشهدِ الحكومي في ضوء تسمية ميقاتي، التي تشكّل الجولة الثالثة من معركة التأليف التي أطاحت تشظياتها منذ سبتمبر 2020 بتكليف كل من السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري (استمر مكلَّفاً لنحو 9 أشهر)، فإن أوساطاً مطلعة ترتابُ من «دخانٍ» سياسي بدأ يتصاعد ويُخشى أن يكون مؤشراً إلى «نارٍ» جديدة ستَحْرق مهمةَ ميقاتي أيضاً ومعها آخر فرصة قبل حصول الانفجار الكبير الذي لا يعود ممكناً معه إقفال أبواب جهنّم.

ومع اعتمادِ ميقاتي «استراتيجية الاستعجال» في مرحلة التأليف لاقتناعه بأنه أمام «مهمة طوارئ» تُسابِقُ إطفاء ماكينات «التنفس الاصطناعي» التي تُبْقي البلاد على قيد الحياة بـ «شقّ النفس»، فإن ما رافَقَ المشاوراتِ التي أجراها أمس مع الكتل البرلمانية قبل انتقاله إلى قصر بعبدا لإطلاع عون على خلاصاتها وإطلاقه عملية التأليف «على الورقة والقلم» حَمَلَ استنتاجاً بأن الغالبية العظمى من القوى السياسية تعتبر أن كرة التسهيل أو التعطيل لـ «الخرطوشة الأخيرة» لفرْملة الارتطام المميت هي في ملعب رئيس الجمهورية وفريقه.

ورغم المناخاتِ «البيضاء» التي تشيعها مَصادرُ قصر بعبدا حيال تكليف ميقاتي وأن التعاون بين الرئيسين كفيل بالوصول الى تشكيل الحكومة «ضمن ‏الأصول والقواعد الدستورية المعروفة»، فإنّ الأوساطَ المطلعةَ تعتبر أن هذه الأجواء ستكون على محكّ ثبوت أو إثبات الفصل بين «سلبية» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) تجاه الرئيس المكلف والتي بدأت برفْض تسميته في استشارات التكليف، وبين «نافذة» الإيجابية وإمكان أن تُفْضي للإفراج عن الحكومة بتأخير نحو 11 شهراً.

ومن خلْف كل الكلام الذي أطلقه باسيل أمس، بعد لقائه وكتلته ميقاتي عن عدم ممارسة «الحَرَد والنكد السياسي» و«تقديم كل التسهيلات اللازمة للتشكيل والإنجاز»، فإن الأوساط اعتبرت أن حسْمه أمر عدم المشاركة في الحكومة «وتالياً عدم التدخل إطلاقاً بعملية التأليف» وربْط إعطائها الثقة بما ستكون عليه «التشكيلة وبرنامج الحكومة» بدا مدجَّجاً بعناصر سلبية أقرب إلى «تفخيخ» مهمة ميقاتي رغم إشارة رئيس «التيار الحر» إلى أن «عدم المشاركة في الحكومة يمكن أن يكون عنصراً مُساعِداً».

وإذ اختصر نائب رئيس البرلمان ايلي الفرزلي الأبعاد المثيرة للقلق في كلام رئيس «التيار الحر» بقوله «الأهمّ ألا يكون ختْم الرئاسة (عون) مرتبطاً بباسيل»، فإن ما عزّز هذه الخشية أنها ترتكز على تجربة الحريري خصوصاً المريرة مع رئيس الجمهورية والتي جرى «تلغيمها» بعنوان عدم مشاركة التيار في الحكومة ورفْض منْح الثقة والذي استولد تعقيداتٍ كان باسيل يطلّ عليها علناً في معرض تحديد آلية تشكيل الحكومة ومعاييرها و«مرجعية التسمية»، وهي التعقيدات التي تمحورت في الظاهر حول الثلث المعطّل ورفْض أن يسمي الحريري وزيريْن مسيحيين، في حين كان جوهرها يتصل بحجْز مواقع قوة في حكومة قد تدير الانتخابات النيابية (بحال جرت ربيع 2022) وربما فراغاً رئاسياً يمكن أن يتكرّر مع انتهاء ولاية عون (خريف 2022) الذي يؤخذ عليه أنه «وظّف» عهده لتعزيز حظوظ صهره الرئاسية.

واستوقفت الأوساط نفسها إشارتان انطوت عليهما مواقف باسيل (الذي يطل تلفزيونياً مساء اليوم)، الأولى تأكيده «أن الرئيس ميقاتي يؤمن بفكرة الشريك الدستوري الكامل وهذا الأمر يكفينا»، والثانية تشديده على «أن الرئيس ميقاتي كُلّف من دون تسميتنا له وهذا دليل إضافي على أننا لسنا الأكثرية ولم نكن جزءاً من أي أكثرية في المجلس والحكومات».

وإذ بدا الكلام عن «الشراكة الكاملة» لعون في التأليف استحضاراً لأحد مكوّناتِ الخلاف مع الحريري حول حدود دور كل من رئيسيْ الجمهورية والحكومة في عملية التشكيل كما تعبيراً عن أن ما يريده باسيل ولا يطالب به علناً هو «في الحفظ والصون» عند عون، فإن الأوساط عيْنها لاحظت أن ميقاتي حرص بعيد تكليفه الذي استند الى غطاء و«خريطة طريق» مشتركة مع رؤساء الحكومة السابقين شكّل احترام صلاحيات رئاسة الحكومة إحدى ركائزها، على تأكيد «أنا متمسك بالدستور والطائف وفخامة الرئيس أكد لي الأمر نفسه (تأليف بالاتفاق بين الرئيسين)، ولكن يجب أن يعرف القاصي والداني أن رئيس الحكومة ليس وزيراً أول بل رئيس فريق عمل ينبغي أن يعمل ولا يمكنه ذلك إذا كان كل وزير لديه انتماء لمكان معين، وإذا شعرت بأن تكوين هذا الفريق غير ممكن عندها لا يكون هناك نصيب كي أكمل».

أما حديث باسيل عن موضوع الأكثرية، فسألت الأوساط هل هو بمثابة إعلان «انسحاب» من الغالبية البرلمانية التي بموجبها يتشكّل الائتلافُ الحاكم من «حزب الله» و«التيار الحر»، وهل في الأمر رسالة امتعاض من الحزب الذي لم «يساير» باسيل بالامتناع عن تسمية ميقاتي بل اندفع الى سابقة تسميته، أم أن ما جرى هو في إطار بدء التحضير لـ «توسعة الكوع» والنأي عن الحزب لزوم عُدّة التحضير للانتخابات النيابية و«شدّ العَصَب» المسيحي تحت عنوان التمايز أو ربما أكثر عن «حزب الله»؟

ولم يكن عابراً في السياق نفسه الكلام الذي أعلنه رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد بعد المشاورات مع ميقاتي أمس حيث كرر تلاوة نص ورقة مكتوبة بدت على طريقة «البرقية السياسية» حدّد فيها ما يشبه «البيان الوزاري» للحكومة العتيدة «من وزراء ذوي اختصاص وخبرة» متفادياً ذكر أي إشارة عن مسألة التعاون بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.

وقال رعد: «أما وقد كلف الرئيس ميقاتي، فإن كتلة الوفاء للمقاومة تؤكد تعاونها الجدي للإسراع في تشكيل الحكومة الضرورة لانقاذ البلد. المطلوب الإسراع بالتأليف وتعاون الجميع في هذا الاتجاه، وفي البدء على الحكومة ان تسارع فورا الى طمأنة اللبنانيين في عيشهم وأمنهم الاجتماعي ولا تتركهم فريسة للمافيات وأثرياء وتجار الأزمات، لا في الغذاء ولا في الدواء ولا في المازوت ولا في البنزين».

وأضاف: «ثلاثة هموم متلازمة، يجب على الحكومة ان تعالجها:

اولاً: اختيار الوزراء وخصوصا في مواقع المال والاقتصاد والتربية والوزارات التي تدرّ واردات على البلد بالشكل الذي يعيد تظهير فاعلية الدولة تخطيطاً وادارةً.

ثانياً: العناية الفائقة والرعاية الاستثنائية للشأن الاجتماعي والخدماتي الملح للمواطنين بدءاً بوقف تحكم السوق السوداء مروراً بتأمين الحاجات والمواد الضرورية من مازوت وأدوية وحليب اطفال وصولاً الى الكهرباء ثم تحريك عجلة الحياة لاقتصادية والانمائية وفق خطة ناظمة وممنهجة.

ثالثاً: تسريع إنقاذ القوانين الاصلاحية التي أقرها المجلس النيابي والتي سيقرها والتي تكبح جماح الاحتكارات وتحقق الشفافية والنزاهة في الشراء العام وتتيح المحاسبة والمحاكمة من دون عوائق.

ولم نطلب أي مطلب خاص لكتلتنا وأكدنا أهمية أن تضم الحكومة وزراء ذوي اختصاص وخبرة في ميدان الحياة الاجتماعية العامة وليس فقط في المكاتب وبين الأرقام».

وترافق هذا الموقف لـ «حزب الله» مع مناخاتٍ في كواليس سياسية اطلعت عليها «الراي» وتتحدث عن أن الحزب يستعجل تأليف الحكومة لاستشعاره بأن عصْف الانهيار بات يُنْذر بحرْق الأخضر واليابس ما لم تتشكّل حكومة تكبح السقوط الحر، وأنه وهو الذي صارت العديد من الاحتجاجات في قلب المناطق ذات الغالبية الشيعية وخصوصاً ضد الانقطاع البالغ الخطورة لمادة المازوت وما يمكن أن يرتّبه من تداعيات كارثية تعيد البلد الى «العصر الحجري»، لم يعد معنياً بمداراة أحد في ملف التأليف وتالياً هو سمى ميقاتي وسيوفّر له ما هو قادر عليه لتسهيل مهمته.

ولكن في المقابل، وعلى وقع سؤال البعض في بيروت هل أن تغطية «حزب الله» لميقاتي هي على طريقة «الهدية المسمومة» تجاه الدول العربية، المترددة في غالبيتها أو «غير المهتمة» حتى الساعة، بدعم لبنان قبل أن تلمس تحولات في التموْضع الاستراتيجي تعبّر عنه بدايةً الحكومة العتيدة، شكلاً وعملاً في الإصلاحات السياسية كما الاقتصادية، لم تُسْقِط أوساط على خصومة مع الحزب إمكان أن يكون في الأمر مناورة لسحْب يده من أي تعطيل آتٍ لتشكيل الحكومة و«تبرئة الذمة» تجاه الفرنسيين الذين يُبْقون على صلات معه، تارِكاً للآخرين أن يكونوا في واجهة العرقلة، ولا سيما أن الأفق الاقليمي لا يشي بانفراجاتٍ قريبة وخصوصاً على جبهة الملف النووي الإيراني.

وبأي حالٍ وفيما اكتفى ميقاتي بالقول بعد المشاورات مع الكتل البرلمانية «أن مختلف الكتل أجمعت على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة بهدف انتشال البلاد من الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها» معلناً «أتوجه الى قصر بعبدا لابلاغ الرئيس عون نتائج المشاورات وسأتردد باستمرار الى القصر كي نصل الى تأليف سريع للحكومة» هو الذي كان أكد أنه يمهل نفسه «ليس أياماً ولكن ليس شهراً أو أشهراً لتأليف الحكومة التقنية لتنفيذ المبادرة الفرنسية والإصلاحات»، فإن الساعات المقبلة ستكون كفيلة بكشْف الحقيقي من المناوراتي في المناخات التي أحاطت بالتكليف.

وفي موازاة ذلك، ارتسمت علامات استفهام حول هل ستؤثّر «القنبلة» التي فجّرها الحريري أمس في ملف التحقيقات بتفجير مرفأ بيروت واندفاعه بوجه عون عبر المطالبة بـ «تعليق كل المواد الدستورية التي تعطي حصانة دستورية لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنواب والقضاة والمحامين في قضية مرفأ بيروت» على مسار تأليف الحكومة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي