خياران كلاهما مرّ... رفع العقوبات أو الذهاب إلى القوة النووية

بلغت إيران «التمكين»... فماذا سيختار الغرب؟

إيرانيون يتسوّقون في سوق مولافي جنوب طهران (أ ف ب)
إيرانيون يتسوّقون في سوق مولافي جنوب طهران (أ ف ب)
تصغير
تكبير

بلغت إيران مستوى «التمكين» بوصول إبراهيم رئيسي إلى أعلى الهرم في السلطة التنفيذية كرئيس للجمهورية، ليبلغ التناغم أشده مع السلطة الأعلى المتمثلة بولي الفقيه السيد علي الخامنئي والسلطة التشريعية برئاسة رئيس مجلس الشورى السيد محمد باقر قاليباف، وهو الأمر الذي يمنح البلاد قوة لم يسبق لها مَثيل في تاريخ الثورة الإسلامية في إيران.

تضاف إلى هذه القوة، قدرة إيران النووية والصاروخية والعسكرية المتطورة والمتقدمة وقدرات حلفائها في الشرق الأوسط وغرب آسيا، ما يجعلها تالياً قادرة على وضع الغرب أمام خيارين لا ثالث لهما وكلاهما صعب.

منذ عام 1980 وانتخاب أول رئيس للجمهورية الحسن بني صدر ووصوله إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع من دون موافقة ولي الفقيه وقائد الثورة الإمام الخميني (من دون الإعلان عن ذلك إلا بعد حين)، كانت إيران تنوء تحت العقوبات الأميركية الأولى والتي تبعتها الحرب التي أعلنها صدام حسين وفرضها على «الجمهورية الإسلامية».

ولم تتمكن إيران من الوقوف على أرجلها لسنوات طويلة حتى بعد الحرب، التي استخدم فيها صدام الأسلحة الكيماوية، لأن العقوبات تتالت، ولأن العالم الغربي وحتى الاتحاد السوفياتي حينها أرادا معاقبتها.

وعندها بدأت فكرة التصنيع العسكري، الذي أدخلت إليه إيران تكنولوجيا أُخذت من روسيا والصين وكوريا وطورتها بعد أن استنسختها... وأتت هذه الحاجة عندما إفتقدت طهران أبسط الأسلحة للدفاع عن نفسها إلى حد ان قوافل من الشباب كانوا ينتظرون سلاح من سقطوا على الجبهة، ويذهب المسنون المتطوعون للسير في حقول الألغام لإفساح المجال أمام الشبان للهجوم والتقدم لإستعادة الأرض.

ولم يكن أدل على الحاجة إلى السلاح من الطائرات التي أتى بها المبعوث الأميركي روبرت ماكفرلين المحملة بالسلاح إلى إيران مقابل الإفراج عن الرهائن الغربيين المحتجزين في لبنان عام 1985، بما عرف حينها بـ«أزمة الرهائن» و«إيران كونترا».

وعلى مر السنين، طوّرت إيران أسلحتها وصواريخها بعد أن أقرت أنها لن تستطيع بناء قوة جوية تكون بمثابة سلاح ردع مناسب يجابه القوة الجوية الأميركية أو القوة الجوية لحلفائها. وفي حرب لبنان - إسرائيل عام 2006، استنتجت طهران العبر اللازمة من المعادلة التي فرضها أحد أقوى حلفاء إيران، «حزب الله» وهي الضربات الصاروخية مقابل الضربات الجوية.

واستطاعت إيران «خطف» الطائرة المسيرة المتطورة الأميركية الصنع، ليبدأ عمل الخبراء باستنساخها وتصنيع مثلها وحتى تطويرها لتتناسب مع المهمات التي تلزم الحرس الثوري وحلفاء طهران، كل حسب طبيعة الجغرافيا التي يتمركز فيها.

وقد اتبع قطاع غزة في حربها الأخيرة مع إسرائيل تحت مسمى «سيف القدس» معادلة صاروخية جديدة، أجبرت إسرائيل على وقف الحرب بعد أن اعترفت تل أبيب بأن الضربات الصاروخية لن تتوقف مهما دمرت الطائرات المتطورة من أهداف عسكرية رغم أن أكثرها مدنية.

وفي حرب سورية الطويلة، استخدمت إيران وقوات حلفائها، الصواريخ التي صنعت لتلك الحرب ولطبيعتها وجغرافتيها. وفي 2020، أخرجت إيران ما في جعبتها من صواريخ دقيقة كانت أظهرت بعضاً منها، صواريخ مجنحة أطلقت ضد «داعش» في سورية والعراق، وصواريخ وجهت ضربة إلى أكبر قاعدة أميركية في العراق، قاعدة عين الأسد، (16 صاروخاً).

وقد اعترف قائد القوات المركزية (سنتكوم) الجنرال كينيث ماكنزي، أنه كان باستطاعة إيران إحداث مئات القتلى، وأن طهران أبلغت مسبقاً عن ضربتها (لقاعدة عين الأسد) والأهداف التي كانت تريد تدميرها ونفذت ما قالته بحرفية ودقة.

وذهبت القيادة المركزية الوسطى الأميركية إلى دراسة مسرح العمليات ونقل مركزها إلى مكان آخر، لتجنب الصواريخ الإيرانية التي تستطيع تدمير أهداف في مضيق هرمز... وتالياً فإن طهران استطاعت الوصول إلى تكنولوجيا صاروخية متقدمة جداً وطائرات مسيرة مسلحة استخدمتها في حربي اليمن وسورية. وما يزيد من قوة إيران هو المشروع النووي.

فالتكنولوجيا النووية وصلت إلى إنتاج 60 في المئة من اليورانيوم المخصب، وإلى أعداد كبيرة جداً من أجهزة الطرد المركزي، لتنهار كل العوائق النووية أمامها ولتصل إلى المعرفة والتجربة والخبرة اللازمة لتصنيع القوة العسكرية النووية. وما يمنع وصولها إلى القنبلة النووية، فتوى ولي الفقيه، من دون أن تكون هذه العوائق دائمة بل مرنة حسب حجم المخاطر المحدقة بإيران.

إذاً لم تعد مسيرة صعبة على إيران للتسليح ولتجهيز نفسها وإظهار قدراتها لكي لا تستخدمها بل لدفع الحرب عنها.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت إيران بإقامة «سد منيع»، بكسب قلوب وعقول «حزب الله» في لبنان و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» في فلسطين و«الحشد الشعبي» وفصائل عراقية أخرى في بلاد الرافدين ودولة سورية وأحزاب فيها والحوثيين في اليمن...

وهنا بيت القصيد: فسياسة «التمكين» التي اتبعتها إيران بنفس طويل حولتها من دولة ضعيفة منعزلة ومسلوبة القوة عام 1980 إلى دولة إقليمية قوية بل دولية لأنها تجوب البحار لإيصال مساعدات لحلفائها الجدد في فنزويلا، «الحديقة الخلفية» لأميركا. وينظر إلى إيران كدولة إقليمية قوية لأنها أصبحت تمتلك القوة النووية والخبرة اللازمة لتصنيع السلاح النووي العسكري إذا أرادت ذلك.

وأهمية ما حملته الانتخابات يكمن في تحقيق النقطة الأخيرة الباقية وهي تحصين الجبهة الداخلية، فعلى مر السنين، أدرك ولي الفقيه أن هناك أجيالاً قتالية يمكن أن تؤخذ بالغرب لأنها لم تكن موجودة أيام الثورة وتريد تقليده والإصغاء لمغرياته تحت عناوين مختلفة، أهمها الديموقراطية والتكنولوجيا والابتكارات وجميع الأدوات التي تستخدم للتمييز بين الشرق الأوسط وبين الغرب المتقدم.

إلا أن ما لا تعلمه هذه الأجيال، ربما هو أن الغرب يفتقد إلى أصول الديموقراطية الحقيقية. فصحيح أن حرية التعبير موجودة وحرية الانتخاب مصانة بل إجبارية في بعض دول أوروبا (مثل بلجيكا)، إلا أن القوانين الدولية التي لطالما اعتقد بها سكان الغرب انها العمود الفقري للنظام الدستوري، أصبحت ألعوبة بيد أصحاب القرار.

فعندما خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ليهدد ألمانيا بمنع دخول مستورداتها إذا لم تنصاع له، استخدم بطبيعة الحال شرعية الأقوى وليس الشريعة الدولية.

وعندما أصدرت الأمم المتحدة 187 قراراً لمصلحة فلسطين وضد «الأبارتهايد» الإسرائيلية ومنع عودة السكان الأصليين ومصادرة أملاكهم ورفض أبسط سبل مقاومات عيشها على مرأى العالم، أصبحت القوانين الدولية حبراً على ورق.

وتالياً فإن إيران أدركت ذلك من خلال العقوبات الشرسة التي فرضت عليها والتي تخالف القوانين الدولية وذهبت إلى تحصين قواتها العسكرية التي سلمت إدارتها إلى قادة عسكريين من الموالين لخط الإمام الخميني وولي الفقيه. وهذا ما سمح لها بأن تفتح أبواب السياسة لينتصر فيها ما يسمى الخط الإصلاحي في عهد بني صدر ومير حسين موسوي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وصولاً إلى حسن روحاني.

أما اليوم وقد حصل التمكين العسكري والسياسي الكامل، عبر وجود رئيسي، الذي قال إنه لا يرغب بلقاء الرئيس جو بايدن، وقاليباف - رفيق درب قاسم سليماني - في أعلى هرم السلطة. وقد ساهم ترامب من حيث لا يدري في إعادة بث «الروح الثورية» في المجتمع الإيراني خصوصاً باغتياله سليماني.

ووصلت إيران إلى مفترق طرق مع الغرب، فهي تضع العالم الآن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما رفع العقوبات والسماح لها باستعادة قوتها الاقتصادية وترميم قدراتها الشرائية والمالية وتطوير نفسها ومعها حلفائها عبر استخدام مئات المليارات التي ستدخل خزائنها لتصبح مع حلفائها أقوى من أي وقت مضى، أو الذهاب إلى القوة النووية والتخصيب الذي يمكن أن يتدحرج أكثر فأكثر من 62 في المئة وتالياً إلى 90 في المئة لتمتلك القوة العسكرية النووية.

خياران كلاهما مرّ... فماذا سيختار الغرب؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي