حسين الراوي / أبعاد السطور / ملائكة الشاي والقهوة!

تصغير
تكبير
في الأسبوع المنصرم كانت لديّ عملية ليزر في إحدى عيناي، لذا ذهبت باكراً إلى مستشفى محمد عبدالرحمن البحر لطب العيون حيث إجراء العملية سيكون هناك. كان هذا بتاريخ 2-12-2009، وفور وصولي لشباك المواعيد في العيادة رقم 2، وجدت حشداً كبيراً من المراجعين، مصطفين طابوراً من الرجال والنساء أمام ذلك الشباك في العيادة رقم 2، هذا غير عشرات المراجعين الذين كانوا جالسين على الكراسي في صالات العيادة. وقفت للحظات فأخذت أسمع تأفف بعض المراجعين، وبعضهم الآخر أخذ يطلق عبارات تعبر عن احتجاجه وغضبه وسخطه، وكانت هناك عجوزاً على كرسيها المتحرك تسب وتشتم بالدقيقة والثانية! اقتربت منها وقلت لها: صباح الخير يمّه. فقالت: جب ولا كلمة يا قليل الحيا، وكأنها تعرفني من عشرات الأعوام!

سألت الذي يقف بجانبي عن أمر هذا الازدحام؟ فقال لي أنه لا يوجد أحد في غرفة المواعيد والأرقام! وأن المراجعين مصطفين منذ الصباح الباكر دون أن يقطعوا الأرقام أو أن يأتي أحد من الموظفين كيّ يقضي لهم ما يحتاجونه من مواعيد وغيرها من أمور تخص مراجعاتهم! فأخذت أقترب من ذلك الشباب شيئاً فشيئا وسط ذلك الزحام حتى وصلت، فلما ألقيت نظرة في داخله لم أجد سوى عدداً كبيراً من الملفات وجهاز قطع الأرقام، وعلى الفور تنهدت وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا وقته. فلما ذهبت لإحدى المسؤولات هناك ونقلت لها ما يحدث في العيادة رقم 2، قالت لي بكل برود: إي أخوى، تدري كنا في عطلة عيد! شنو يعني كنا في عطلة عيد! يعني بعد العيد لازم الناس تصف طوابير كأنها واقفة على شباك خباز حزت الفطور وتتأخر مصالحها. الأهم رجعت إلى العيادة رقم 2، ولأنني مواطن صالح وغيور وطيب وأحب وطني، ورغم أنني لم أقبض أي شيك من الحكومة ولو بعشرة دنانير شمرت عن ساعدي ودخلت غرفة المواعيد، وأخذت أقطع الأرقام وأعطيها لمن يحتاج كلا حسب رقم غرفة الطبيب التي يراجعها، وكان بعض المراجعين يطلب مني أن أعطيه ملفه الصحي، لذا كنت أتعب كذلك في البحث عن ملفه المطلوب لكثرة الملفات المرصوصة على بعضها. والمضحك أنني وأنا منهمك بين الأرقام والأوراق والملفات أُساعد الناس كنت أسمع بعض الشتائم، وكانت هناك سيدة هندية ترفع صوتها عليّ بحدة في كل مرة أُقبل بها على الشباك من داخل المكتب. حتى بلغ السيل منتهاه وأخذت هذه السيدة الهندية تومي بيدها وتصرخ: أنا، أنا، أنا. فطلبت ممن هم حولها أن يفسحوا لها المجال حتى تقترب مني، فلما اقتربت ابتسمت في وجهها وقلت لها بالكويتي الجميل: شنو يبي ماما؟ فقالت : ماما بعينك، أنا كويتية مثلي مثلك! فتبلعمت وانحرجت واعتذرت منها وقلت لها: خير بشنو تامريني؟ قالت: عطني موعد قريب عشان مراجعتي الجاية. قلت لها أنا ما أملك أي صلاحيات تقديم أو تأخير مواعيد، أنا مجرد مواطن شريف نذر نفسه يساعدكم لوجه الله. فقالت الملسونه: يا معوّد روح، قال لوجه الله قال! ويحق لها بصراحة أنها ما تصدق أن فيه احد في هالوقت يعمل شيء لوجه الله! وفي زحمة المراجعين والمراجعات والأوراق والأرقام تذكرت فجأة أنني لم أقطع لنفسي رقماً للطابور للدخول لعمليتي ولم أُجهز ملفي الصحي كذلك، وعلى الفور ضغطت على جهاز الأرقام فإذا برقم 31 يخرج لي! أي والله رقم 31 هذا هو رقم طابوري! ولا حول ولا قوة إلا بالله واللي يحب النبي يصلي عليه. فذهبت لإحدى الممرضات الفاضلات وشرحت لها حكايتي كاملة مع الرقم 31 لكي تساعدني في الدخول السريع لإجراء عمليتي، فضحكت الممرضة ضحكاً هيسترياً، حيث أخذت تختض بسببه كاختضاض صميل اللبن! وقالت لي بكل لؤم: أحسن، عشان تهتم بنفسك ولا تنساها! والمضحك الغريب أن أحد الممرضات الكويتيات هناك سمعتها تقول بعلو صوتها للمراجعين الذين يمرون من أمام مكتبها: شفيكم، يعني الواحدة ما تقدر تقط النقاب، يعني ما يصير نشرب شاي وقهوة؟! بجد أمر سخيف ومضحك، ممرضة أتت من منزلها لعملها كي ترمي النقاب وتشرب شاي وقهوة، يا سلام على الملائكة الرحمة الكويتيات! ثم إن أردتي أن تشربي شاي وقهوة، وتخلعين النقاب فلما لا تغلقين باب المكتب عليكِ للحظات حتى تشربي الشاي والقهوة، ولا تعمليها هيصة وزيطة وزمبليطة وتخاطبين المراجعين بهذه الصورة السوقية! هذي آخر سوالف الممرضات الكويتيات ملائكة الشاي والقهوة! أسئلة أوجهها للسيد مدير مستشفى محمد عبدالرحمن البحر، أين حضرتكم والمسؤولون في هذا المستشفى عن هذه الحادثة التي غاب فيها موظفين المواعيد لساعات طويلة عن تأدية عملهم بتاريخ 2-12-2009، أين انتم عن غياب موظفين العلاقات العامة الدائم في هذا المستشفى، أين أنتم عن الضياع المستمر للعديد من الملفات الصحية للمرضى والمراجعين، أين أنتم عن العنجهية والممارسات الخاطئة التي تصدر من بعض الممرضات هناك؟!





حسين الراوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي