هل التحفظ، لا بل، الرفض الفلسطيني لإعادة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في محله؟ آخر التطورات في هذا الشأن، قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التجميد الجزئي لبناء المستوطنات الإسرائيلية لمدة عشرة أشهر. لكنّ القيادة الفلسطينية رفضت هذا القرار متمسكة بمطلبها الأساسي: تجميد الاستيطان بشكلٍ كامل، قبل إعادة المفاوضات. والذي يقلقني هو أن تضيع هذه الفرصة، رغم مساوئها، كما ضاع غيرها من قبل، خاصة في وجود رئيس أميركي كباراك أوباما أبدى تصميمه على إيجاد حلٍ ما للقضية الفلسطينية، وتكليفه مبعوث معروفا باتزانه كجورج ميشيل بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
من يتابع سجل القضية الفلسطينية يلاحظ أن القيادات الفلسطينية لو تلقفت الفرص التي أتيحت لها سابقاً، لضمنت مكاسب أكثر. لكنّ الذي حدث، هو الرفض للفرصة تلو الأخرى، مع ما ترافق ذلك، من مسلسل متواصل من الخسائر، وتراكم العجز للإمساك بزمام الأمور وتأجيل الحل لربما، إلى يوم القيامة! فعلى سبيل المثال لا الحصر، أضاعت القيادات الفلسطينية ما سُميّ بمبادرة «الكتاب الأبيض» والتي أطلقتها بريطانيا، ودعت بموجبه الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، متراجعة عن مشروع التقسيم الذي تم عرضه عام 1937. وبموجب «الكتاب الأبيض» نفسه وضعت قيوداً على هجرة اليهود ومنع بيع الأراضي لهم. ثم كرّت سبحة الفرص ومعها قرارات الرفض: قرار التقسيم (رقم 181 لعام 1947) والذي خصّص حوالي 43 في المئة من أرض فلسطين للفلسطينيين أنفسهم. مشروع الحبيب بورقيبة (21/4/1965) والذي تضمن إعادة إسرائيل للعرب ثلث المساحة التي احتلتها من عام 1947، معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية (26/3/1978) والتي تضمنت مشروع الحكم الذاتي. (يومها لم يكن هنالك من مستوطنة واحدة في الضفة الغربية)، مبادرة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000، مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أولمرت (2008). طبعاً، ليست كل المبادرات السابقة عادلة ومثالية للجانب الفلسطيني. ولكن الثابت حتى تاريخه، أنّه مع كل رفض فلسطيني للفرص المتاحة، يجري في موازاة ذلك، تقليل المكاسب، وقضم لمساحة الدولة الفلسطينية المنتظرة، فمن 43 في المئة من مساحة فلسطين كاملة عام 1947، إلى 92 في المئة من الضفة الغربية فقط (هذا إذا حصلوا عليها اليوم)، مضاف إليها قيود إسرائيلية متنوعة وجديدة.
الواضح أن بنيامين نتنياهو لا يريد السلام. والفرح يغمره، كلما رفض الفلسطينيون معاودة المفاوضات. والسؤال هو: في ضوء التجارب المرّة السابقة، والانقسام الفلسطيني الفلسطيني الذي ترعاه وتباركه إيران، والذي، في رأيي يشكل خطراً أكبر من خطر المستوطنات، السؤال، هو، ماذا تنتظر القيادات الفلسطينية، وعلام تراهن؟! وخوفي، كما حدث سابقاً أن ترفض اليوم، ما سوف تقبله غداً. ومن يدري فقد تفرض إسرائيل في المستقبل شروطاً جديدة... كمنع الماء والهواء، فنترحم على... المستوطنات!
عبد الرحمن عبد المولى الصلح
كاتب لبناني