No Script

«الراي» تفتح ملف الرقابة الفنية (1 / 2)... المسرحيون يشكون من التعسف و«الوطني للثقافة» يُبشّر بفسحة من الحرية

«عين الرقيب»... بين المرئي والمقروء

تصغير
تكبير

- محارب: «رقابة النصوص المسرحية»... لها دور في تقييد حرية التعبير
- المسلم: طلبنا المزيد من الرقابة والضبط... خشية من الأفكار المنحرفة
- الشطي: الرقابة... هي الأداة الضاربة من أدوات الحكومة
- العكاري: بسبب «هذا سيفوه»... أُغلق ملف المسرح السياسي
- العونان: إذا الرقابة تركت الكل يتكلم... ستكون «سايبة»

«عين الرقيب» وإن «احمرّت» ذات يوم على «أبو الفنون»، فلا بد وأن «تبيضّ» في يوم من الأيام!

ففيما عبّر عدد من المسرحيين عمّا يختلج قلوبهم من ضيق الأفق في المسرح الكويتي إزاء تقييد النصوص المسرحية أو قطعها بمقص الرقابة، فضلاً عن انخفاض السقف في ما يتعلّق بحرية التعبير، لاح في الأجواء بصيص أمل بعودة المسرح الكويتي إلى سابق عهده، و«التخفيف» على صنّاع العروض المسرحية من ثقل «الروتين الممل» بين النص والرقيب، وذلك فور اعتماد وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب قراراً بإلغاء «لجنة إجازة النصوص» في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، واستبدالها بلجنة إجازة العرض المسرحي.

«الراي» استطلعت آراء عدد من المسرحيين حول تراجع مستوى العروض المسرحية في الوقت الراهن، مقارنة بالأعمال المسرحية الخالدة في العصر الذهبي، والتي كانت تقدم على خشبة المسرح ما لا يمكن تقديمه في منصات أخرى كثيرة من قضايا حسّاسة وانتقادات لاذعة، على غرار مسرحيات «فرحة أمة» و«هذا سيفوه» و«دقّت الساعة» و«حرم سعادة الوزير» وغيرها.

كما تساءلت عمّا إذا كان «الرقيب» في السابق أكثر إدراكاً ونضجاً فنياً من نظيره الحالي، أم أن «خروج النص» عن مساره الفني الهادف دفع الرقابة إلى إظهار «العين الحمراء» على بعض العروض الحالية. أم أن القوانين والألاعيب السياسية صارت تحاصر الرقيب.

«انفتاح أكبر»

في البداية، تحدث الكاتب المسرحي بدر محارب، قائلاً: «في المسرح سابقاً، كان هناك انفتاح أكبر مما نراه في الوقت الحالي، لناحية القضايا المهمة التي يتم طرحها، أما الآن فلم يعد بالإمكان طرح قضايا شائكة وحسّاسة، ولعلّ رقابة النصوص المسرحية الحالية لها دور في تقييد حرية التعبير على خشبة المسرح»، مشيراً إلى أن الرقيب في السابق كان أكثر مرونة وإدراكاً من الرقيب الحالي، «فقد أضحت الأمور الآن أكثر صعوبة وتعقيداً، فإلى جانب وجود لجنة إجازة النصوص، أصبحت هناك لجنة ثانية تسمى (لجنة العرض) تكون مهمتها حضور العرض قبل عرضه بثلاثة أيام، ولجنة ثالثة تراقب العروض يومياً أثناء عرضها».

وأضاف: «في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تتواجد 6 فرق، وتتكون كل فرقة من 4 أشخاص، بحيث يكون مجموع كل الفرق قرابة الـ24 رقيباً، ومعظهم لا علاقة لهم بالمسرح وليسوا خريجين أو أكاديميين».

«الانفلات في المسرح»

بدوره، قال الفنان عبدالعزيز المسلم: «الرقابة سابقاً كما هي الحالية ثابتة ولم تتغير، والمسرحيات القديمة مثل (فرحة أمة) وغيرها، لم تكن تتطرق لقضايا حسّاسة، بل إنها طرحت موضوعات مقبولة عند المجتمع ولا تتعارض مع المحاذير الرقابية»، مردفاً: «كما أن المعايير عادة ما تنبثق من لجنة الرقابة ممثلة برئيسها وبقية الأعضاء، وغالباً ما يتجلى فيها الحرص على المجتمع، كالرقابة الذاتية من طرف المؤلف أو الفنان الواعي في ما يقومان بطرحه، وبالتالي لم تُقيّد الرقابة حالياً كتّاب المسرح، بل بالعكس فالحرية مُصانة ومكفولة للجميع، ولكن بالنظر إلى بعض الانفلات الذي ترونه على خشبة المسرح فهو يأتي عادةً بعد إجازة النص، أثناء تفاعل الفنان مع الجمهور، وليس للرقابة أو الكاتب المسرحي علاقة بذلك الانفلات».

وعمّا إذا كانت وزارة الإعلام تخشى التصادم مع التيار المتشدّد في مجلس الأمة، في حال ارتفع سقف الحرية في المسرح السياسي، ردّ المسلم: «نحن في الكويت لا يوجد لدينا مسرح سياسي إن صح التعبير، لأننا ولله الحمد نعيش في بلد مستقر وفيه عدالة، ولا أعتقد أننا بحاجة إلى مسرح سياسي يقوم على التغيير وإنما نحتاج لمسرح اجتماعي يُعدّل السلوك المنحرف، ويساهم بوضع الحلول لبعض الظواهر السلبية في المجتمع».

وأضاف: «الكويت بلد إسلامي، كما أن الدستور ينصّ على أن الإسلام هو دين الدولة. ومن الطبيعي أن يرفض نواب الأمة قلة الحياء في المسرح الهابط كما نرفضه نحن، وحتى المنفتحون والمتحررون في المجتمع الكويتي يرفضون الأطروحات المسيئة لكائن من كان، فالكويت كانت ولا تزال بلد الحريات ومشهورة بمسرحها الجريء بطرحه، وسوف تظلّ مسارحنا تتصدر العالم العربي بالحرية التي يتمتع بها الكتّاب والذين أنا واحدٌ منهم، علماً بأن وزارة الإعلام والحكومة بشكل عام لا يتصادمون مع أحد، فالأبواب والقلوب مفتوحة، من سمو القيادة السياسية، وصولاً إلى وزير الإعلام، وبقية المسؤولين في الدولة».

وزاد: «كما أن تواصلنا مع سمو رئيس الحكومة مستمر، ومع ذلك فلم نطلب يوماً المزيد من الحرية، بل طلبنا المزيد من الرقابة والضبط، خشية من طرح أفكار منحرفة من غرباء على أرض الكويت، فالمسرح الراقي لا يختلف عليه اثنان حتى وإن انتقد أداء مجلس الأمة، بشرط أن يكون النقد بناء ويعود بالنفع، وألا يكون نقداً شخصانياً أو جارحاً تكتبه أقلام مسيّسة ومأجورة لتبث الفتنة والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد».

وختم المسلم: «بالنسبة لي ككاتب وفنان، فأنا رقيب على نفسي أولاً وأحب أن تكون هناك عين ثانية تراقبني، لتحميني من أي خطأ لا قدر الله، لذلك أشكر وزير الإعلام والثقافة، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، واللجان الرقابية الموقرة والصحف الكويتية الفنية التي نعتز بها ونأخذ برأيها».

«قمع الرأي الحر»

في السياق ذاته، قال رئيس فرقة المسرح العربي أحمد فؤاد الشطي: «الرقابة بشكل عام سواء كانت في المسرح أو التلفزيون أو حتى في الصحف والقنوات التلفزيونية، هي الأداة الضاربة من أدوات الحكومة، ولذلك تتحمل الحكومات المتعاقبة الوزر الأكبر في ما يتعلّق بتراجع مستوى الحريات والطرح الهادف والصريح في الساحة، لأنها لم تكن تنظر إلى الفن والثقافة بجدية، فاستخدمت أداة الرقابة بشكل صارم لبتر مواقع ضعفها وتفريغ النصوص المسرحية من محتواها، بحيث تفقدها جوهرها إلى الحد الذي لا يتفاعل معه الجمهور».

وأضاف: «أيضاً، هناك تواطؤ حكومي مع بعض الجماعات التي لا تعترف بقيمة الفن ولا توليه أي اهتمام، فتقوم الحكومة بتفعيل مقص الرقيب لمداراة الجماعات المنغلقة على ذاتها، والتي لا تؤمن بحرية الرأي والتعبير، بل إنها غالباً ما تسهم في قمع كل رأي وتعبير حر، فأصبح المشهد الفني والثقافي للترفيه فقط، رغم أن الفن والثقافة من الأدوات الأساسية في بناء المجتمعات».

وتابع الشطي: «ربما يظن البعض أن الثقافة والفنون من الكماليات، غير مدركين أهميته في تنمية البلدان ونهضة شعوبها، ومن المؤسف أن يكون النهج الحكومي خاضعاً للضغوطات، واستمراره في التعسف من خلال تقييد المسرح وتقليص مساحة الحرية في التعبير للنجاة من المحاسبة لإرضاء هذا وذاك».

«الكنترول والرقابة الذاتية»

ويرى الفنان أحمد العونان أن المسرح سابقاً كان أكثر تحرراً وانفتاحاً من الوقت الحالي، موضحاً أن الرقابة بدأت تتشدّد وأصبحت حاضرة في كل عرض مسرحي، وأنها قد تعمل على إيقاف المسرحية، الأمر الذي قد يُعرّض البعض لخسائر ضخمة.

واسترسل قائلاً: «في المقابل، لا أجد ضيراً من وجود الرقابة أثناء العرض، لأنه ليس كل فنان عنده (كنترول) والقدرة في التحكم بكلامه على خشبة المسرح، فقد يتفوه بكلمة ويسيء لشخص أو جهة معينة إذا لم تتواجد الرقابة»، مبيناً أن الفنان لا بد وأن تكون لديه رقابة ذاتية على نفسه، «لأن المشاكل على المسرح زادت حالياً، ما أدى إلى تدخل الرقابة بشكل أكبر».

وأوضح أن هناك من يتكلم وهو على دراية تامة بما يقول، ويطرح أفكاره أو ينتقد وفي الوقت المناسب، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الفنانون طارق العلي وعبدالرحمن العقل وعبدالعزيز المسلم وحسن البلام، وأنا أعتبر نفسي واحداً من الأسماء السالف ذكرها، بحكم أنني أجيد التحكم بكلامي قبل خروج أي كلمة تمسّ شخصاً أو جهة معينة أوغيرها من الأمور»، مشيراً إذا لم يوجد «كنترول» من الفنان على نفسه «هنا تكمن المشكلة، وإذا الرقابة سمحت لهم فالكل سوف يتكلم وسوف ندخل في دائرة من المشاكل من الصعب حلها».

واستذكر أن الفنانين في الماضي مثل العملاق الراحل عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي وجاسم النبهان كان لديهم «كنترول» على المسرح، «ولكن حالياً هناك القليل من يقدر أن يمتلك هذا الكنترول وإذا الرقابة تركت الكل يتكلم فستكون (سايبة) وكل واحد ممكن يرمي على سياسي أو قبيلة أو طائفة أو وزير، ما يؤدي إلى حالة من التخبط».

وعن تدخل المتشددين في الرقابة على المسرح، أكد أنهم لا يتدخلون إلا في أمور معينة، وبأن هناك بعض الخطوط الواضحة وينبغي على الفنان ألا يجتازها، «وبالتالي نحن كفنانين نحترم القوانين والأديان والقبائل كافة».

«قضايا حسّاسة»

في خطٍ موازٍ، ألمح الفنان عماد العكاري إلى أن المشهد في الكويت عموماً كان أكثر تحرراً وانفتاحاً على جميع الصعد، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وانعكس ذلك على المسرح، فظهرت مسرحيات فيها مضامين سياسية وبعضها تسلط الضوء على قضايا حساسة، ومنها مسرحية «حامي الديار»، و«فرحة أمة»، و«حرم سعادة الوزير»، بالإضافة إلى مسرحيات من طراز «باي باي عرب» و«باي باي لندن» و«دقت الساعة»، وغيرها من الأعمال المهمة، والتي تم عرض بعضها أمام قادة مجلس دول التعاون الخليجي.

وأضاف: «وقد كانت الرقابة تتساهل كثيراً في حرية التعبير على الخشبة، ما أنعش المسرح في الكويت في تلك الفترة، حتى أصبح المسرح الكويتي علامة فارقة على مستوى المنطقة والعالم العربي، لما يحمله من المضامين الثرية والقضايا التي يتناولها، مثل قضية جشع التجار والتطرف الديني والتحزب، كما تطرق المسرح إلى تداعيات الحرب العراقية - الإيرانية على المجتمع الكويتي، والعديد من القضايا الأخرى».

الدويش: استبدال لجنة النصوص... بأخرى للعرض

كشف الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور بدر الدويش لـ«الراي» عن آلية جديدة بصدد الشروع بها قريباً، وتتمثل بإلغاء لجنة إجازة النصوص واستبدالها بلجنة إجازة العروض، «وذلك من باب التخفيف على المسرحيين وتذليل الصعوبات أمامهم، عوضاً عن الروتين الممل الذي كان سائداً في السنوات الماضية بوجود لجنة إجازة النصوص، والانتظار لأسابيع طويلة من أجل إجازة النص المسرحي».

وتابع قائلاً: «خلال الفترة المقبلة، سوف يتم إجازة الأعمال المسرحية أو رفضها عبر مشاهدة العرض مباشرة وستكون عين الرقيب حاضرة على خشبة المسرح، وليس على الطريقة التقليدية التي كان معمولاً بها في السابق، كما لن تكون هناك قيود على العروض ما لم تجتاز المحاذير المتعارف عليها في قانون المرئي والمسموع، بالإضافة إلى فتح آفاق واسعة من حرية التعبير، وفقاً للقيم والأعراف».

وأكد الدويش أن «الوطني للثقافة» وبتوجيهات من وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري قد أعدّ الصيغة النهائية في ما يتعلّق بلجنة إجازة العروض، «وهي بصدد اعتمادها من جانب وزير الإعلام، للبدء في تطبيقها قريباً».

«الذباب الإلكتروني»

لفت الفنان عبدالعزيز المسلم إلى أن النهج والمعايير الرقابية في المسرح ثابتة ولم تتغير، «غير أن الاختلاف يكون أحياناً في شخصية الوزير، فمنهم من يخشى النواب ويكون مستمعاً جيداً للقيل والقال على مواقع (السوشيال ميديا) فيستجيب إلى الذباب الإلكتروني الموجّه، ولا يعلم أن ما يُكتب عبر (تويتر) لا يمثل رأي أهل الكويت، وإنما هي حسابات وهمية تؤثر على أداء أي وزير ضعيف لا يمتلك استراتيجية ومقومات رجل الدولة، ولذلك يضعف أمام الضغوطات إلى حد أنه قد يحيل بعض المسؤولين للتحقيق بسبب إجازة بعض النصوص، حتى ينأى عن المحاسبة، والوزراء الضعاف (إللي مثل هذيلا ما يستمرون ويسقطون)».

ومضى يقول: «العنصر الثاني المتغير هو الجمهور الحالي، حيث أصبح أكثر حساسية من الجمهور القديم الذي يتقبل أي فكرة أو عمل، والخطر الآن يكمن بأن بعض الجمهور يتأثر بما يُنشر في (تويتر) والذي تُسيّسه بعض الحسابات الوهمية وتستعمله كأداة يُضرب بها بعض الوزراء أو القياديين، من خلال مهاجمة بعض الأعمال أو النجوم، وعادة ما تكون هذه الحملات شرسة وشخصانية وخارجه عن نطاق النقد البناء».

«المعاناة مستمرة»

قال الفنان عماد العكاري: «في العام 1987 عرضت مسرحية (هذا سيفوه)، وتعتبر هذه المسرحية مهمة جداً، كونها تطرقت لموضوع اقتصادي يتمثل في جشع بعض التجار ما قبل ظهور النفط في الكويت، وهذا الأمر حرك ضغوطاً للتدخل والضغط على الدولة لإيقاف هذه المسرحية، فقامت الجهات الضاغطة بالإيعاز لبعض المتشددين للقيام برفع قضايا على المسرحية، وحكم القاضي على الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا بالسجن 3 أشهر».

وأوضح العكاري أنه بسبب «هذا سيفوه» أغلق ملف المسرح السياسي في الكويت، «بحسب شهادة الفنانين القديرين سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا»، منوهاً إلى أن المعاناة لا تزال مستمرة حتى الآن مع الرقابة، «حيث تم رفض نص مونودرامي تقدمت به للرقابة لسبب بسيط جداً لأنه يحتوي على مضامين سياسية ويتناول قضايا الفساد المستشري في بعض الوزرات أو بعض المؤسسات الحكومية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي