No Script

لقاحات «كورونا» والأدوية ... بين الممنوع والمسموح

تصغير
تكبير

في ضوء أنه يتم إعطاء أولوية التطعيم بلقاحات فيروس كورونا لكبار السن الذين يعانون عادة من أمراض مزمنة متراكبة ويتعاطون أدوية متعددة بانتظام لمعالجة تلك الأمراض، فإنه بات من المهم مناقشة العلاقات التداخلية العكسية المحتملة بين اللقاحات والأدوية عموماً، خصوصاً مضادات تجلط (تخثر) الدم والمثَبِّطات المناعية وحبوب تنظيم سكر وضغط الدم وعلاجات الغدة الدرقية والمنشطات الستروئيدية، وغير ذلك.

فبعد بدء التطعيم باللقاحات المضادة لمرض «كوفيد- 19»، ظهرت لدى بعض كبار السن الذين تلقوها مضاعفات جانبية سلبية مقلقة أثارت تساؤلات حول ما إذا كان لتعاطي أدوية معينة دور في ظهور تلك المضاعفات، وما إذا كان الأنسب التوقف عن أدوية معينة قبل أخذ اللقاح، وما إذا كان الأفضل هو تأجيل اللقاح.

لذا، نلقي أضواء في التقرير التالي على عدد من الجوانب ذات الصلة بهذا الأمر، مع تناولها بإيجاز من منظور طبي...

• بشكل عام، هل يمكن لأدوية معينة أن تتسبب في عرقلة أو تقليص مفعول لقاح «كوفيد- 19» في الجسم؟ عند حقن لقاحات «كوفيد- 19» في الجسم، فإنها تعمل على توليد استجابة مناعية قوية. ومن الممكن أن تنخفض الفعالية المحتملة للقاح بسبب مدى وطبيعة استجابة جسمك له.

بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة متراكبة، من الممكن أن تكون الاستجابة المناعية بطيئة. فتعاطي أدوية معينة قد يجعل جهاز مناعة المريض «مشغولا» على جبهات أخرى، وهذا الأمر يؤدي إلى تعويق وتأخير تكوين استجابة مناعية إزاء اللقاح.

في ضوء هذا، فإنه يتعين على كل شخص مسن يتعاطى أدوية لأمراض مزمنة أن يقوم قبل تلقي اللقاح بمراجعة طبيبه المعالج بخصوص تلك الأدوية ليقرر ما هي الأدوية والعلاجات التي يستحسن التوقف عنها موقتاً وما إذا كان الأنسب هو تأجيل التطعيم إلى موعد لاحق.

• لماذا يحتاج الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة متراكبة إلى التطعيم ضد «كوفيد- 19» قبل غيرهم؟

يمكن لفيروس كورونا أن يشكل تهديداً فورياً ومباشراً على حياة الشخص الذي يعاني من ضعف المناعة، وهذا سبب حاسم يفرض التعجيل بتطعيم المصابين بأمراض مزمنة متراكبة لأن تلك الأمراض وأدويتها تتسبب عادة في إضعاف مناعة الجسم.

ويقول الدكتور راهول بانديت - مدير الرعاية الحرجة بمستشفيات فورتيس في مدينة مومباي الهندية والعضو في فريق مهام «كوفيد- 19» - إن المسارعة إلى التطعيم هي المفتاح الآن لإبطاء معدل وفيات المسنين ذوي الأمراض المزمنة بسبب مرض «كوفيد- 19». ويضيف: «ان الأشخاص المعرضين لمخاطر عالية هم أولئك الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً والذين فوق 45 عاما ويعانون من أمراض مزمنة متراكبة. وسيؤدي تطعيمهم إلى خفض معدل الوفيات بينهم، حيث تشكل هذه المجموعة حاليا ما يقرب من 90 في المئة من المرضى الذين يقتلهم هذا المرض».

• أدوية السُّكَّري وضغط الدم

بالنسبة لمرضى السُّكَّري وارتفاع ضغط الدم، من الممكن أن تكون الاستجابة المناعية بطيئة. فأدوية هذين المرضين قد تجعل جهاز مناعة المريض «مشغولا» على جبهات أخرى، وهذا الأمر يؤدي إلى تعويق وتأخير تكوين استجابة مناعية إزاء اللقاح.

في ضوء هذا، فإن الدكتور بانديت يوصي كل شخص مسن يتعاطى أدوية سكَّري أو ضغط دم أن يقوم قبل تلقي اللقاح بمراجعة واستشارة طبيبه المعالج بخصوص تلك الأدوية ليقرر ما هي الأدوية والعلاجات التي يستحسن التوقف عنها موقتاً وما إذا كان الأنسب هو تأجيل التطعيم إلى موعد لاحق.

• أدوية الغدة الدرقية

مرض الغدة الدرقية هو حالة تتسبب في عرقلة واضطراب التمثيل الغذائي والوظائف الهورمونية المرتبطة بتلك الغدة الحيوية.

لكن لأن جزء الجهاز المناعي المسؤول عن مرض الغدة الدرقية المناعي الذاتي منفصل عن جهاز المناعة المسؤول عن مكافحة العدوى. لذلك، فإن معظم أدوية معالجة الغدة الدرقية لا تؤدي إلى ظهور أعراض جانبية أو تجعل لقاح «كوفيد- 19» أقل فعالية.

ومع ذلك، إذا كنت تتعاطي أدوية ستيروئيدية منشطة للغدة الدرقية أو عقاقير مثبطة لجهاز المناعة، فالأنسب لك في مثل تلك الحالة أن تستشير طبيبك بشأن جرعات الدواء قبل أن تأخذ جرعة اللقاح.

• أدوية الحساسية والربو

باتت حالات الحساسية نقطة نقاش ساخنة مع بدء لقاحات «كوفيد- 19»، وذلك لأن تلك اللقاحات يمكن أن تستثير لدى بعض المطعمين أعراض تحسسية مفرطة مثيرة للقلق وذات عواقب وخيمة.

وعن ذلك، قال الدكتور بانديت إن الدراسات وجدت أن معظم الأدوية ومضادات الهيستامين التي يستخدمها المصابون بالحساسية آمنة عند تعاطيها بالتزامن مع لقاح «كوفيد- 19».

وأضاف: «اللقاحات آمنة عموماً على الذين يعانون من مشاكل الحساسية، بما في ذلك الحساسيات ضد أنواع معينة من الأغذية وحالات الحساسية الشائعة مثل الربو والتهاب الأنف التحسسي والتهاب الجلد التحسسي. والأشخاص الذين لا ينبغي أن يأخذوا اللقاح هم فقط أولئك الذين لديهم حساسية مفرطة ضد أي مكوِّن من مكونات اللقاح».

وتنسجم نصيحة الدكتور بانديت مع توصية هيئة مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) في الولايات المتحدة، وهي التوصية التي مفادها: «يمكن للشخص أخذ لقاح مضاد لمرض كوفيد- 19 إذا كان يعاني من استجابات تحسسية حادة سواء كانت تنفسية أو غذائية أو جلدية، إلا إذا كانت الاستجابات التحسسية ذات الصلة بمكونات اللقاح ذاته أو بالأدوية المحقونة عموماً».

ووفقا لإرشادات الكلية الأميركية لطب الحساسية والربو والمناعة (ACAAI)، فإنه لا مشكلة في مواصلة تعاطي أدوية الحساسية قبل وبعد أخذ اللقاح.

• أدوية السرطان ومثبطات المناعة

عادة، يتم وضع مرضى السرطان على جرعات كبيرة من الأدوية المُثَبِّطة لجهاز المناعة، وهو الأمر الذي يتسبب بطبيعة الحال في جعل استجابة الجسم المناعية منخفضة، أو إضعاف التحمل بعد حقن اللقاح في الجسم. وتكون نتيجة ذلك أن استجابة الجسم إزاء اللقاح تكون مهددة لدى الأشخاص الذين لديهم مناعة منخفضة أو لا تعمل.

ووفقاً لإرشادات الوكالة الأوروبية للأدوية (IMA)، فإنه: «يمكن للأشخاص المصابين بسرطان نشط، ولكن لم يبدأوا العلاج بعد أن يأخذوا لقاح فيروس كورونا بأمان، مثلما هو الحال بالنسبة للمتعافين من السرطان. أما الأشخاص الذين يخضعون لعلاج كيميائي، فيتعين عليهم أن يحصلوا على مشورة طبية قبل التطعيم».

في هذا السياق، يقترح الدكتور بهارات أغاروال - استشاري الطب الباطني بمستشفيات أبولو في مدينة مومباي الهندية - أن يتم جدولة جرعتي اللقاح للمرضى الذين يخضعون لعلاج كيميائي، موضحاً: «بما أن المُثَبِّطات المناعية هي أدوية تقلل من قدرة الجسم على اكتمال الاستجابة المناعية، فإنه من الأفضل أن ينتهز المرضى الذين يخضعون للعلاج الكيميائي فرصة زمنية مناسبة للتطعيم بين دورات العلاج الكيميائي. والاقتراح المثالي لمثل أولئك المرضى هو أن ينتظروا لمدة 4 أسابيع بعد انتهاء دورة جلسات العلاج الكيميائي ثم يأخذوا اللقاح».

وبالمثل، لا يستحسن للأشخاص الذين خضعوا لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني أن يأخذوا اللقاح عقب العملية مباشرة، بل ينبغي أن ينتظروا لمدة أسبوعين على الأقل.

• أدوية تمييع جلطات الدم

أثبتت أبحاث طبية أن أدوية تمييع جلطات الدم قد تتسبب في فقدان الدم بغزارة والطفح الجلدي، وفي بعض الحالات حدوث تورم يستغرق وقتاً طويلاً للشفاء. لذا، يستحسن للأشخاص الذين يتعاطون أي دواء مضاد للتخثرات الدموية أن يتشاور مع طبيبه قبل أن يقرر أخذ اللقاح المضاد لمرض «كوفيد- 19».

وينصح الدكتور أغاروال قائلاً: «المرضى الذين يتناولون أدوية تمييع جلطات الدم - مثل الوارفارين أو مضادات التجلط الأخرى - يكونون معرضين لحدوث تورم في موضع الحقن أو في مواضع أخرى في الجسم. ولتفادي ذلك، يمكن للمرضى الذين يتناولون مثل هذه الأدوية الجديدة تفويت جرعة الدواء التي في الليلة السابقة لأخذ اللقاح، ثم يمكنهم بعد ذلك مواصلة تعاطي الدواء».

ومن جانبه، ينصح الدكتور بانديت المرضى باتباع بعض الرعاية الموضعية عقب التطعيم لمنع حدوث مضاعفات. ويضيف: «بالنسبة للمرضى الذين يتناولون مميعات الدم - مثل مضادات الصفائح الدموية ومضادات التجلط - يمكنهم أخذ لقاحاتهم بأمان. عليهم فقط التأكد من استخدام إبرة دقيقة جدا للحقن ثم الضغط الكافي على موضع الحقن لمدة طويلة نسبيا تصل 30 دقيقة».

• أدوية العلاج النفسي

من المعروف أن معظم الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية والحالات العصبية (بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات النوم) تؤدي في حد ذاتها إلى خفض كفاءة استجابة الجسم المناعية. وبدوره، يتسبب ذلك في تعويق وابطاء استجابة الجسم للقاح المضاد لمرض كوفيد- 19.

وبينما لم يتم حتى الآن إجراء أبحاث حول هذا الموضوع تحديداً، فإن معظم الخبراء الطبيين ينصحون المرضى الذين يتعاطون أدوية اضطرابات نفسية وعصبية بالحصول على استشارة طبية مسبقة قبل أخذ لقح المضاد لفيروس كورونا.

وعن ذلك، قال الطبيب النفسي الهندي سوشيل بيندرو موضحاً: «بعض الأدوية النفسية والذهانية قد تسبب تفاعلات مضادة للالتهابات، وتلك التفاعلات قد لا تكون مرغوبة مع اللقاحات عموماً، كما أنها قد تؤدي إلى انخفاض حاد في عدد الخلايا المتعادلة في الجسم. لذا فإنه من الأفضل للمريض أن يستشير طبيبه النفسي المعالج قبل أخذ اللقاح».

تفادوا هذه الأدوية ... قبل التطعيم
بينما تتواصل الدراسات والأبحاث لاستكشاف التداخلات العكسية بين الأدوية ولقاحات «كوفيد- 19»، هناك إجماع في الوقت الحالي بين الأطباء ذوي الاختصاص على تحذير الجميع بشكل خاص من الأدوية الستيروئيدية ومسكنات الآلام حيث إن هناك عوامل خطر مرتبطة.

والأدية الستيروئيدية هي مُنشِّطات بِنائِيَّة (تعرف أيضاً بالمُنشِّطات الابْتنائيَّة الآنْدرُوجِينيَّة)، وهي تشمل الأندروجينات الطبيعية كهورمون التستوستيرون وكذلك المواد الاصطناعية التي لها آثار مماثلة لهورمون التستوستيرون. وتعمل الأدوية الستيروئيدية على زيادة البروتين داخل الخلايا، خصوصاً في العضلات والهيكل العظمي.

ويمكن تناول أدوية المنشطات المزمنة (كالمستخدمة لمعالجة اضطرابات الغدة الدرقية) حسب الحاجة، لكن هناك مخاطر في حال أخذ اللقاح بالتزامن مع الحقن الستيروئيدية والأدوية الأخرى (بما في ذلك السرطان والتهاب المفاصل الروماتويدي وفيروس نقص المناعة البشرية) التي يجب تعاطيها بانتظام. لذا، فمن الأفضل استشارة طبيبك أولاً لمعرفة الطريقة الصحيحة قبل المضي قدماً في أخذ اللقاح.

ويوصي الأطباء أيضاً بتفادي تناول مسكنات آلام ذات جرعات شديدة قبل أخذ التطعيم، وذلك لأنها قد تسبب ردود فعل عكسية غير مستحبة. وعن ذلك يقول الدكتور بانديت ناصحاً: «انتظر حتى بعد التطعيم ثم يمكنك بعده أن تتناول مسكناً للألم – ويستحسن الأيبوبروفين أو الأسبرين – إذا احتجت إلى تخفيف بعض الأعراض اللاحقة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي